الفرق واضح بين من يهرب من الفقر والاضطهاد ليبني لنفسه وأطفاله في مكان آخر مستقبلاً أفضل ويجتهد ويعمل بصمت، وبين من يهرب ليتحول إلى بوق إعلامي في الخارج ضد وطنه ومجتمعه متذرعاً بحقوق الإنسان. بعد أن تتكون قناعتك الخاصة بأن السياسة بين الدول تكاذب متبادل يتم استبداله بآخر بعد انتهاء فترة الصلاحية، ابدأ البحث عن العلاقة بين السياسة والحقوق في ملفات حقوق الإنسان والابتزاز باستخدام هذه الملفات. هل توجد دولة أو حكومة تحترم حقوق الإنسان المجردة كما هو، مخلوق بشري له كرامته دون تحيز لجنسيته أو جنسه أو لونه أو عرقه أو دينه أو مذهبه، من يعتقد بوجود ذلك مغفل. الموجود دول تفرض عليها قوانينها الداخلية احترام حقوق مواطنيها فقط وبالذات القادرين على الدفاع عن أنفسهم مادياً ومعنوياً، وتتغاضى عن حقوق الطبقات الأفقر والأقل تعليماً وقدرات على الصمود في وجه التهديد والابتزاز والظلم. تأمل بين الدول بالذات تلك التي تسمي نفسها (ونحن نصدقها) دولاً ديموقراطية ليبرالية، وسوف تجد أنها هي نفس الدول التي تشن الحروب المعولمة بأكاذيب ملفقه على الدول الأضعف والأفقر لتدمرها وتنهبها، عندما تشم منها ولو مجرد مطالبة خافتة بالإنصاف واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في خططها التنموية. السؤال المتوجب بناء على هذا الواقع الحقيقي يكون: هل يستحق الاحترام أي إنسان من العالم الثالث يفر من بلاده إلى إحدى الدول المتنمرة عالمياً على الدول الضعيفة ليتحول هناك إلى بوق يجري استغلاله ضد أهله ووطنه، رغم معرفته المؤكدة أن الدولة التي استضافته تعتبره مجرد خائن عميل. بعد ذلك نسأل ما هو حكم الهاربين من عرب المشرق والمغرب الذين جمعتهم واستأجرتهم قطر لاستفزاز الجميع في المنطقة ما عدا حكومات إيران وتركيا وسوريا، هل هؤلاء يتباكون عن قناعة بسبب حقوق الإنسان، أم أنهم خدم أجندات عميلة مثل الذي جمعهم عنده؟. ما حكم الذين انتهزوا فوضى الربيع الأمريكي في المنطقة العربية (ويسمى دعائياً الربيع العربي) للوصول إلى السلطة بهدف خدمة الولي الفقيه أو السلطان العثماني، أليسوا كذلك عملاء لدول إقليمية معادية لمستقبلهم وتفتقر للمصداقية في تطبيقات حقوق إنسان شعوبها الأصلية؟. إذاً كيف يجب أن نصنف الذين هربوا إلى واشنطن، لندن، برلين، باريس، أو موسكو بسبب إحباطات طموحاتهم الشخصية ليتحولوا إلى نفس النماذج القطرية، هل هؤلاء دعاة حقوق إنسان أم خناجر مسمومة لدول أجنبية تتلاعب بهم في الشطرنج السياسي حسب مقتضى الحاجة والظروف. علينا ألا ننسى وأن نقارن بين هذه النماذج وبين بعض العراقيين الذين اتضحت تفاهتهم وخيانتهم بعد الخراب وبعد ما قدموا غزاة لوطنهم مع الأجانب عام 2003م، وكانوا يرفعون شعارات حقوق المواطن العراقي، وبعد أن دمر العراق وسوي بالتراب اتضحت عمالتهم لإيران لأسباب مذهبية عنصرية لا علاقة لها بحقوق الإنسان. إن المشترك بين كل هذه العينات أنهم ألقوا بأنفسهم طوعاً في بالوعات ومجارير السياسات القذرة التي تمولها وتديرها الاستخبارات العالمية خلف ستائر مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش ومثيلاتها في كل الدول. ربما كان الحقوقي الوحيد المستحق للتعاطف هو المغفل الأمريكي إدوارد سنودون الذي هرب بضميره من مستنقعات السياسة الغربية ليسقط في مستنقع السياسة الروسية، ثم أصبح يتسوّل ضمان العفو قبل العودة إلى الديار؟.
مشاركة :