قمة العشرين بين الحمائية والمناخ

  • 12/7/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لعل الاتفاق على تهدئة الحرب التجارية بين قطبي الاقتصاد العالمي الكبيرين هو أبرز ما يمكن ملاحظته في ختام قمة العشرين، التي عقدت وانتهت هذا الأسبوع في الأرجنتين. وبالتأكيد، هذه الهدنة المؤقتة كانت ضرورية، فلولاها لربما استمرت حرب الرسوم والرسوم المضادة بشكل يؤثر سلبا في اقتصاد البلدين وفي بقية الاقتصاد العالمي. تاريخيا، أنشئت قمة العشرين في سبتمبر 1999 على هامش قمة مجموعة الثماني في العاصمة الأمريكية واشنطن؛ للتحوط ضد انتقال عدوى النمور الآسيوية إلى بقية الدول، وكانت على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، إلا أنها لم تحظَ باهتمام يذكر حتى وقعت الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم الغربي أواخر 2008؛ إذ حينها بدأت الدول الكبرى - وعلى رأسها أمريكا - في البحث عن سبل للخروج من الأزمة الاقتصادية، واستعادة توازن الاقتصاد العالمي، وبدأت المجموعة للمرة الأولى اجتماعها على مستوى القادة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، في اجتماع ترأسه جورج بوش الرئيس الأسبق. ثم استضافت قاعة "أكسيل" للمؤتمرات في لندن القمة الثانية لمجموعة العشرين في الثاني من نيسان (أبريل) 2009، وتعتبر قمة لندن التي ترأسها جوردن براون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق - أهم قمم العشرين على الإطلاق. فقبل عقد القمة، أنهت اللجان الأربع، التي كلفتها قمة واشنطن بدراسة المواضيع الأكثر أهمية في إصلاح النظام المالي العالمي، أعمالها، ورفعت اللجان 44 توصية إلى القادة؛ للاطلاع والموافقة خلال اجتماعهم في لندن، وأبرزها تقوية الشفافية والموثوقية بالنظام المالي العالمي، والهجوم على الملاذات الضريبية، وإعادة صياغة دور صندوق النقد الدولي والإجراءات التي يتبعها في إقراضه للدول الأعضاء، وأن يقوم الصندوق بدور أكبر في منع الأزمات ومعالجتها، وأن يصدر تحذيرات مبكرة قبل حدوثها، إضافة إلى زيادة الرقابة المالية على المصارف والمؤسسات المالية وصناديق التحوط، وتشجيع التجارة الدولية، والحد من السياسات الحمائية. وتلقى صندوق النقد الدولي دعما خلال القمة بمبلغ 250 مليار دولار، قدمت اليابان منها 100 مليار دولار، ومثلها من الاتحاد الأوروبي، و50 مليارا من دول أخرى؛ ليقوم بالدور الذي رسمته له القمة. واستمرت القمة بعدها تعقد سنويا وتناقش الشأن الاقتصادي عادة، وأضيف إلى أجندتها موضوع تغير المناخ بعد توقيع اتفاق باريس للمناخ في كانون الأول (ديسمبر) 2015 "يعرف بـCOP21"، وهو الذي وقعه أوباما، وأعلن ترمب انسحاب بلاده منه منتصف العام الماضي؛ بحجة تأثيره في النمو الاقتصادي في أمريكا. وبالعودة إلى نتائج القمة الأخيرة، فقد كانت أبرزها تعهُّد قادة الدول بمواصلة العمل ضد الحمائية، ودعم تعزيز التجارة، وضرورة إصلاح منظمة التجارة العالمية وتحسين عملها، والتأكيد على أهمية صندوق النقد الدولي ودعمه ماليا؛ لتعزيز دوره داخل الدول الأعضاء. كما دعت المجموعة إلى إعادة تأهيل وتدريب العمال والموظفين؛ لإدماجهم في التطور التكنولوجي لاستمرار نمو الوظائف في الاقتصاد العالمي، وتجنب مزاحمة التكنولوجيا لهم في وظائفهم، ودعت أيضا إلى تحفيز الاستثمار في البنى التحتية بمختلف القطاعات؛ لتعزيز رفاهية الإنسان. وفيما يخص المناخ، فقد أكدت القمة أنه لا تراجع عن اتفاقية باريس للمناخ، رغم أنها أوجدت مخرجا للرئيس ترمب لتبرير عدم التزامه بالاتفاقية. سعوديا، شاركت المملكة بوفد كبير، ترأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وانضمت المملكة إلى الـ"ترويكا" بصفتها مستضيفة القمة في 2020، والحقيقة أن السعودية من أكثر الدول التزاما بانفتاح التجارة ومحاربة الحمائية. ففي تقرير اطلعت عليه قبل عامين أو ثلاثة تقريبا، فإن 17 دولة من دول مجموعة العشرين زادت فيها الحمائية، ولم تكن المملكة من ضمنها. وسعوديا أيضا، يتضح أن أداء اقتصادنا معاكس نوعا ما لأداء الاقتصاد العالمي، ففي حين كانت الأزمة المالية تضرب الاقتصاد العالمي، كانت موازنتنا تحقق أعلى الفوائض في تاريخها (بنهاية 2008)، وهو وضع استمر طيلة خمس أو ست سنوات بعد الأزمة، إلا أنه حينما بدأت الاقتصادات العالمية في التعافي والعودة إلى النمو، بدأ اقتصادنا يحقق نموا أقل، بل بالسالب، وهذا ناتج عن اعتمادنا على مورد وحيد، تحكم سعره السوق العالمية وليس نحن. ختاما، استضافة المملكة قمة العشرين في 2020 أمر ممتاز، وأتمنى أن نحقق أعلى المكاسب من هذه الاستضافة؛ لتعريف المستثمرين بالفرص المتاحة عندنا، وأن تندمج قطاعاتنا الاقتصادية في حوار ونقاش ونقل للتجارب، من خلال القمم المصغرة التي انبثقت عن قمة العشرين، مثل قمة الأعمال "B20"، وقمة الشباب "Y20"، وقمة الشؤون العلمية "S20"، وقمة العصف الذهني"T20"، وغيرها؛ لتتحقق أقصى الفوائد من استضافة قمة كبرى كقمة العشرين.

مشاركة :