صراحة – محمد المحسن : أدى جموع المصلين وزوار بيت الله الحرام صلاة الجمعة اليوم وسط منظومة متكاملة من الخدمات التي تقدمها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ حيث أم المصلين إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط. وابتدأ معاليه خطبته بحمد الله والثناء عليه, ثم أردف قائلا: إن حرص المرء على سلامة دينه، وحسن إسلامه، وصحة إيمانه، دليلٌ ظاهرٌ وآيةٌ بينة، وبرهانٌ شاهدٌ على رجاحة عقله واستقامة نهجه، وكمال توفيقه؛ فدين المسلم -ياعباد الله- هو دليله وقائده إلى كل سعادةٍ في حياته الدنيا، وإلى كل فوزٍ ورفعةٍ في الآخرة؛ لما جاء فيه من البينات والهدى الذي يستعصم به من الضلال، وينأى به عن سبل الشقاء ومسالك الخسران. مبيناً إلى أن من عبَد الله على استحضار قربه من ربه، أو قرب ربه منه، فقد حسُن إسلامه، ولزِم لذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام، واشتغل بما يعنيه من صحة اعتقاد وكمال إيمان وصلاح عمل، وطلب ما هو من ضرورات معاشه لا قيام لحياته بدونه من ألوان المباحات, وعلى العكس من ذلك من أضاع نفائس الأوقات فيما لم تخلق له باشتغاله بما لا يعنيه، وما لا يحتاج إليه من قول وعمل، فانصرف عما ينفعه ويرتفع بمقامه، ويبلغ به صحيح الغايات، وشريف المقاصد وكريم المنازل، فخسر هنالك خسرانًا مبينا. موضحاً: أن في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)؛ فأمر المؤمن بأحد أمرين: إما قول الخير أو الصمات. ولهذا كان قول الخير خير من السكوت عنه، والسكوت عن الشر خيراً من قوله، فالمؤمن مأمور إما بقول الخير أو الصمات؛ فإذا عدل عما أُمر به من الصمات إلى فضول القول الذي ليس بخير، كان هذا عليه، فإنه يكون مكروهاً والمكروه يُنقصه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) فإذا خاض فيما لا يعنيه نقص إسلامه، فكان هذا عليه، إذ ليس من شرط ما هو عليه-أي من النقص في حسن إسلامه- أن يكون مستحقاً لعذاب جهنم وغضب الله، بل نَقَصَ قدره، ودرجته عليه”. انتهى كلامه رحمه الله. منبهاً إلى إن اشتغال المرء بما لا يعنيه: تعلُّم ما لا يُهم من العلوم وترك الأهم منها مما فيه: صلاحُ قلبه، وتزكية نفسه، ونفع إخوانه، ورفع شأن وطنه ورقي أمته. ووجه إلى أن: مما يعين على ترك المرء ما لا يعنيه تذكر أن الواجبات أكثر من الأوقات، وأن العمر قصير كما أخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة في سننهما والحاكم في مستدركه بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي هريرة وأنس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ” أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك “.فمثل هذا العمر الذي لا يكاد يتسع لما يلزم ويجب؛ أفيتسع للفضول وما لا يعني؟!. ذاكراً أن المرء: مسئول عن عمره فيما أفناه؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي في جامعه بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” لا تزول قدم عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألَ عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه “، وما يلفظ الإنسان من قول إلا وهو مسطَّرٌ في صحائفه مجزيٌّ به، ليعلم أن للكلمة مسئوليةً وتبعةً كما قال -عز من قائل-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). ناصحاً أن: على العاقل الذي يرجو الله والدار الآخرة أن يقبل على شأنه، حافظًا للسانه، بصيرًا بزمانه، وأن يعُد كلامه من عمله؛ فإن من عَدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه، ذلك أن أكثر ما يقصد بترك ما لا يعني -كما قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-:”حِفْظ اللسان عن لغْو الكلام، وحسبه ضررًا أن يشغل صاحبه عن ألوانٍ كثيرةٍ من الخير الذي يسمو به مقامه، ويعلو به قدره وتشرف به منزلته، وتطيب به حياته وتحسن به عاقبته”.
مشاركة :