في البدء كانت سيدة... فتحت شباكها في مواقع التواصل الإجتماعي كي تبث همها وحزنها إلى القياديين، وأعقبتها أخرى تشكو جَوْر مديرتها في التعامل مع الكفاءات، وانضمت إلى الاثنتيْن ثالثة تندب حظها العاثر في الترقي، ورابع جاء من أقصى الوزارة يسعى إلى الركب فكانت محطة تجمع الناقمين، بعضهم على خلق رفيع لم يقدح في الذمم وآخرون نقيض ذلك سلكوا جميع الوسائل وهتفوا بكل العبارات وخلت ملامح رسمهم من الرقي والتحضر، واتسعت دائرة النزال لآلاف السيوف، وسط حرب إلكترونية تحصّن فرسانها خلف المتاريس وأطلقوا شتى الألفاظ ونشروا أدق التفاصيل وكشفوا النقاب عن وجه كل محتوى.وإذ حطت الحرب أوزارها كانت الصفقات تُعقد، وأسفر وجه الليل في أن وضعت السيدة يدها على دفة السفينة ضمن ركب قبطانها والناقم الساعي إلى جوارها، بعدها أدرك الجميع أن الطريق الإلكتروني طريق الطموح المُعبّد بالورد والأسهل مسلكاً للحصول على المنصب في وزارة التربية، إلا أن ثمة قلوباً تسلل القهر إلى أعماقها أنشأت تردد بصوت خافت «أن كل شيء مزوّر منذ نشأة التكوين وهذي الحياة تسير فيها الأمور مقلوبة الموازين وفي كل زاوية هرم مقلوب وفي كل زقاق نفق مظلم لا تعبره إلا الخفافيش، وحتى في ثورات الشعوب يكون الفقراء والمعذبون وقود نارها ثم تنتهي إلى ثلة من البورجوازية يدعون وصلا بليلى... أن الحياة مسرح كبير والنجاح فيها حليف ممثل مهرج».ولكن بين محطة العقوق التي استراح على مقاعدها المئات، وموج الليل الإلكتروني الذي أغرق كل شيء، ثمة صوت يهمس في أرجاء الوزارة مردداً «أن ضرب الموظفين وزارتهم من أجل المنصب... عقوق أبناء لآبائهم وجحود لقيم تربوية طالما أرضعت الوزارة منها أبناءها»، إلا أن من يبحثون عن موطئ قدم في زحام المناصب تجاهلوا هذا الصوت وألقوا وراء ظهورهم كل قيمة وأقبلوا على طريق التقنيات يهرعون، فإذا بعشرات الحسابات تطلّ برأسها في الميدان وإذا بآلاف الفوارس يطلقون أراجيز الحرب على خصوصية الموظفين، فكانت المعارك التي تدور على أشدها لأبطال يقذفون الناس من وراء جدر.وعلى طبول الحرب التي تقرع إلكترونياً، أصبحت وزارة التربية اليوم عرضة للجلد من أبناء جلدتها، فتلك «مهووسة» تنفث زعاف سمها في الناس، وآخر يهتف بالتمجيد لمنتدبيه ليل نهار، وثالث نذر حياته للدسائس، ورابع دأب على ضرب مسؤول ما انفك المسؤول عن ضربه بأسلوبه، وخامس يستجمع الهمس من خلف المكاتب، وسادس ينادي «أنا الصوت والكل صدى»، وسابع يسير على غير هدى، وثامن فقد الأمانة حين استمرأ النقل، وتاسع وعاشر... وسط دوامة بدأت أسهم المناكفات فيها بالصعود. ثالث يضرب الأول ورابع يضرب الثالث وكلهم في فلك الأثير يسبحون.ومن رماد هذا المشهد خرج مَنْ روّعه بشاعة المشهد إزاء هذا العبث والسماح لتلك الحسابات بنشر الفوضى والإشاعات، والهبوط بلغة المؤسسات التربوية إلى سفح الحوار وإقحام الخلافات الشخصية في العمل المؤسسي، وتخريب حدائق الورد في روضة التعليم، وتشويه الوجه الجميل لأهم الجهات الحكومية، وتحويل تلك المعالم إلى أطلال ينعق البوم فوقها ويذرف القلب تحت سفحها حسراته، وتجهش فوقها الصور خالية من كل ملامح، فهذا يوم ينفع الصادقين صدقهم وإن كان الصدق عبر الأثير ضرب من المستحيل في معظم الأحيان.ورغم أصوات الاستنكار التي أصبحت تصب صباً على هذا التوجه، فإن طريق الحسابات الوهمية اليوم واحد في جميع المؤسسات وفي كل الأماكن وعلى جميع الأصعدة، فهي سلاح الضعيف الكامن خلف كيس الرمل، وهي الحصن الذي يتقي فيه الرعديد برق الأسنة... ورغم ذلك هي قدرٌ لا مفرّ منه لكل من تربّع على عرش المسؤولية، إذ بات عليه اليوم لزاماً نفي الأكاذيب ودحض الافتراءات وحمل مشعل النور في كل ركن مظلم حتى تهاجر طيور الظلام ويجرف السيل أعشاشها ويتلاشى الدخان ويهدأ الصخب الدائر في مؤسسات الدولة قاطبة... فبين حربهم المستعرة بلا فرسان ودخان بنادقها الذي حجب الرؤية، مؤسسة معنية بإعداد النشء وتقويمه وأم رؤوم آلمها عقوق أبنائها، إذ أصبحت سلعة رخيصة الثمن في سوق «التواصل الاجتماعي»... ومن فلذات كبدها.
مشاركة :