تتحول قضية التلوث وأزمة المياه في العراق إلى قضية سياسية بامتياز، في ظل اقترانها بإهمال الحكومة وتقصير المسؤولين، اللذين يرقيان إلى مرتبة الفساد، وباعتبارها من بين أبرز الأسباب التي دفعت سكان البصرة إلى الانتفاضة والتظاهر المستمر منذ أشهر، ضد الطبقة السياسة؛ وهو وضع يزداد سوءا وقد سجل أعلى درجات الخطر، نظرا لأن الأرضية العراقية الراهنة أصبحت بيئة مناسبة لانتشار مختلف الأمراض والأوبئة، وكانت عودة وباء الكوليرا، أحد أبرز الأمثلة التي أطلقت صفير الإنذار، عن الكارثة البيئية والصحية التي يواجهها العراق، فيما تأتي أزمة المياه في البصرة لتلخص الوضع في أخطر مظاهره، حيث صنفت البصرة مدينة منكوبة بكل المقاييس الإنسانية. لندن - تناقلت وكالات الأنباء العراقية والعالمية خبر إصابة الآلاف من المواطنين فِي البصرة بإصابات مرضية معوية وإسهال شديد، الأمر الذي تطلّب تدخلا طبيا عاجلا. على شفا كارثة لمن يتابع شؤون البيئة في العراق بشكل عام، ومحافظة البصرة بشكل خاص، لن يفاجأ، لأن أبسط تقييم لمخاطر تلوث المياه وتأثيرها على صحة المواطن العراقي يؤدي إلى استنتاج أن العراق على شفا كارثة بيئية وصحية، وإذا كان السبب الرئيسي لهذه الكارثة اليوم هو الماء، فتلوث الهواء والتربة يهدد بتبعات صحية أخرى قادمة. أسباب هذا الوضع عديدة ومعروفة لأغلب المتابعين سواء في جانبها الإقليمي النابع من سياسات تركيا وإيران أو التأثير المباشر للتغير المناخي الذي من مظاهره درجات الحرارة المرتفعة وقلة الأمطار وزيادة التبخر، بالإضافة إلى سبب داخلي وهو المتعلق بضعف كفاءة الأجهزة المكلفة بتنفيذ ومتابعة وضمان جودة المياه الصالحة للشرب وفشلها في إدارة هذا الملف الحيوي والمهم. وتم هدر مئات المليارات من الدولارات المخصصة للموارد المائية والإدارات المحلية ولوزارات الزراعة والصحة والبيئة منذ 2003، نتيجة لضعف الرقابة والإشراف والمتابعة وقدم شبكات الإسالة وانعدام الصيانة وبسبب الفساد المتمثل بالمشاريع الوهمية أو التي لم تنفذ إلا جزئيا. انعكس كل ذلك على الموارد المائية كمّا ونوعا، فإلى جانب تدني مخزون المياه الفعلي، تم تسجيل ارتفاع خطير في نسبة الملوحة خاصة في شط العرب، بالإضافة إلى التلوث الخطير في المياه. إلى جانب تدني مخزون المياه تم تسجيل ارتفاع خطير في نسبة الملوحة خاصة في شط العرب، بالإضافة إلى التلوث الخطير في المياه وعلى صعيد ردود الفعل الرسمية فقد شابها في البداية عدم الدقة والوضوح في المعالجات الممكنة لإيقاف هذه الأزمة الصحية والبيئية وتبادل الاتهامات واللوم بين وزارات الموارد المائية والصحة والبيئة والبلديات ومجلس المحافظة والحكومة الاتحادية وضبابية المعالجات الممكنة. ومما لا شك فيه صواب قرار تشكيل خلية الأزمة لمتابعة الخطط والإجراءات والتنفيذ الفعلي والتنسيق بين الوزارات والجهات ذات العلاقة، لكن إذا استمرت بإعطائها مسميات مختلفة فإن ذلك سيشكل عائقا أمام الاستجابة الصحيحة الآنية والمتوسطة المدى. يجب أن تتمتع اللجنة بصلاحيات لتشرف وتتابع وتراقب التنفيذ بمشاركة فعلية من مجلس المحافظة. لجنة لحل الأزمة لا تعقيدها العائق الآخر هو التباين في أولويات الحلول فهناك من يرى أن نهر البدعة، المغذي لمحافظة البصرة، والاستخدام الجيد لأحواض التخزين هو الحل، في حين يريد آخر زيادة الإطلاقات المائية لدفع اللسان الملحي في شط العرب، وثالث يطالب بإقامة محطات تحلية للمياه على البحر أو على شط العرب أو إقامة سد في أم الرصاص، وغير ذلك من الآراء والاقتراحات التي تطيل من عمر الأزمة، التي تستخدم لاعتبارات سياسية. أما الأولويات في تقديرنا فهي: معالجة التبعات الصحية للتلوث وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية ودعم الجهد والخدمات التي تقدمها رئاسة صحة البصرة ومن ضمنها دعم مالي مناسب لتخطي هذه الأزمة. متطلبات إيصال الماء الصالح للشرب إلى الأهالي وبالطرق المختلقة وحسب مناطق تمركز التلوث واستخدام آليات صالحة وغير ملوثة. تعقد خلية الأزمة المختصة اجتماعا موسعا تدعو إليه خبراء في المياه والصحة والبيئة كورشة عمل للاتفاق على الخطوات العملية والفنية المطلوبة والممكنة في سياق التوقيتات وتخرج بخطة عمل واقعية مع تحديد ما يلزم من موارد بشرية مالية. إقامة مختبرات متخصصة بأجهزة حديثة قادرة على كشف كافة أنواع التلوث الكيميائي والبيولوجي ورسم خارطة لمدينة البصرة لتوصيف مناطق تمركز التلوث. يقوم مجلس المحافظة بدوره بالإشراف ومتابعة التنفيذ وتحت رقابة الحكومة الاتحادية وبالتنسيق مع خلية الأزمة وضمان ألّا يمتد الفساد إلى العقود واستثناء كل الشركات الفاشلة والمتلكئة أو غير الرصينة أو المتورطة في الفساد خاصة في تجديد شبكة الإسالة أو تحسين البنية التحتية لمياه الصرف الصحي أو تنقية المياه وباتباع طرق عصرية حديثة ومعالجة مياه الصرف الصحي والماء العادم وأقامة شبكة من مشاريع تحلية المياه. إعداد تقارير دورية علنية وبشفافية حول سير الإجراءات التنفيذية. القيام بحملة إعلامية مكثفة وتسخير كافة المنابر الإعلامية والمؤسسات الثقافية والدينية لتوعية المواطن العراقي في اتباع إجراءات السلامة الصحية وعدم هدر المياه. تخصيص محكمة محلية متخصصة بقضايا البيئة والتجاوزات عليها واتخاذ أقصى العقوبات بالمتجاوزين والمخالفين. من تجربة الحرب ضد الإرهاب وتقييمات مؤتمرات جمعية البيئة والصحة العراقية في المملكة المتحدة الأربعة التي عقدت في لندن فإن تنظيم داعش وحلفاءه يستخدمون تخريب البيئة كأحد أهدافهم، وكما نشاهد اليوم استهداف محطات ومحولات الكهرباء فليس من المستبعد أن تستخدم المياه كسلاح. وعليه فالأجهزة الأمنية مدعوة إلى تنشيط جهدها الاستخباراتي ومتابعة ومعاقبة المخربين حسب القانون. تقوم مجالس المحافظات في العراق بإجراء تقييم لوضع المياه ومستويات التلوث وعلى أساس علني رصين وبمشاركة كافة الجهات ذات العلاقة ورسم خطة عملية لمنع تكرار كارثة البصرة في محافظات أخرى. تشكيل هيئة مركزية خاصة بتلوث المياه في وزارة الصحة والبيئة مهمتها جمع المعلومات من المحافظات وتوحيدها في تقرير حول واقع المياه في العراق. تفعيل العلاقة مع مشروع حماية البيئة في الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الدولية وأيضا مع منظمات المجتمع المدني المهتمة بالبيئة في داخل العراق وخارجه.
مشاركة :