التحالفات الاستراتيجية.. ركيزة أساسية لتحقيق توازن القوى الإقليمي

  • 12/10/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

كثيرة هي النتائج التي رتبتها الأزمات الإقليمية المزمنة ويشهدها العالم العربي خاصة منذ عام 2011 وحتى الآن، إلا إن أبرزها وأكثرها تأثيرًا ليس انتهاء الحدود التي لطالما ظلت تميز الأمن الإقليمي عن نظيره العالمي فحسب بل ازدياد حدة الجدل بشأن تساؤل مؤداه: من يشّكل من؟ وربما تكون الإجابة أكثر وضوحًا على المستوى النظري، فإن ميثاق الأمم المتحدة قد أتاح الفرصة لظهور تنظيمات إقليمية ومن دون إقليمية عديدة، إلا أنه على المستوى العملي فإن الأمور تبدو في حالة من الالتباس الذي سرعان ما يزول بالنظر إلى مسار تطور النظام الإقليمي العربي الذي يواجه معضلة مزدوجة سواء ما تشهده بعض الوحدات المكونة لذلك النظام من ضعف انعكس بالطبع على عمل التنظيمات الإقليمية التي تضم تلك الوحدات أو زيادة وتيرة اختراق ذلك النظام من جانب دول الجوار وتدخلات بعض القوى الدولية في بعض أزماته، الأمر الذي أسفر عن إدارة تلك الأزمات بدلاً من إيجاد حلول لها، بل وعسكرتها، ما كان سببًا رئيسيا في إطالة أمدها، ومن ثم فإن التساؤل البديهي: هل لا يزال الحديث مشروعًا عن مستوى الأمن الإقليمي؟ إن الإجابة عن ذلك التساؤل لا تخلو من تعقيد بقدر تعقيد جوانب الأمن الإقليمي ذاته، وبادئ ذي بدء نجد أن آليات الحفاظ على الأمن الإقليمي قد تجاوزت المفهوم التقليدي سواء التنظيمات الإقليمية أو ما دون الإقليمية فظهرت تحالفات عسكرية ابتداءً بقوات درع الجزيرة مرورًا بالتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن وانتهاءً بالتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، ما يعني وجود مرتكزات إقليمية يمكن أن تمثل أسسًا للتعاون مع أي مقترحات أو ترتيبات جديدة للمنطقة، من ناحية ثانية فإن المشهد الأمني الإقليمي الراهن يتضمن قضايا تمثل التقاءً وتداخلاً للأمن الإقليمي مع نظيره العالمي وخاصة عندما يرتبط الأمر بحماية الطاقة والتصدي للإرهاب سواء التقليدي أو الإلكتروني وممارسات المليشيات المسلحة التي تدعمها إيران في دول الجوار، فضلاً عن قضايا الانتشار النووي، بالإضافة إلى القرصنة التي استدعت عملاً جماعيا دوليا قبالة سواحل الصومال وخليج عدن منذ عام 2008 وحتى الآن ضمن مشاركة قوات من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي للمرة الأولى، ومن ناحية ثالثة فإن الأزمات الإقليمية قد شهدت تدخلات إقليمية ودولية وتقدم الأزمة السورية مثالاً واضحًا على ذلك التي وإن تداخلت دوائرها الثلاث بشكل كبير «محليا وإقليميا ودوليا» فإن حلها يظل مرتهنا بالتوافق الأمريكي-الروسي والذي لا يزال يشهد تباينا لأولويات الطرفين، بالإضافة إلى أن الخلافات بين الدولتين تتجاوز نطاق المنطقة العربية والشرق الأوسط لتطول دوائر وقضايا أخرى أكثر اتساعًا منها الجبهة الشرقية لحلف الناتو والتي تعد الولايات المتحدة أكبر أعضائه وأكثرهم تأثيرًا، ومن ناحية رابعة فإن إدراك دول العالم لأهمية تأمين الممرات المائية التي تعد شرايين رئيسية للتجارة الدولية ومنها مضيق باب المندب قد استدعى وجودا عسكريًا في المحيط الجيواستراتيجي لذلك المضيق من جانب أطراف إقليمية ودولية، وأخيرًا فإن ثورة الاتصالات الحديثة كان لها انعكاس هائل على طبيعة التهديدات الأمنية التي أضحت أكثر ضررًا وأقل كلفة ليس أقلها الهجمات السيبرانية التي حدت بالعديد من دول العالم لتكوين ما يعرف بالجيوش الإلكترونية وتلك مخاطر لم يعد بمقدور أي دولة مواجهتها مهما بلغت إمكاناتها المادية والبشرية والتكنولوجية. ويعني ما سبق انتهاء الحدود الفاصلة بين مستويي الأمن المشار إليهما إلا أن تساؤلاً آخر يثار مؤداه: هل تكفي التحالفات الراهنة للتصدي لتهديدات الأمن الإقليمي؟ أتصور أن تعدد آليات مواجهة الأمن الإقليمي يعكس استجابة تتلاءم وحجم التهديدات الأمنية إلا أن وجود إطار تنتظم فيه تلك الجهود يبقى ضرورة استراتيجية وسوف يقدم إجابة على تساؤل: من يفعل ماذا وكيف؟ والذي يعد جوهر السيناريوهات الأمنية التي يتم تدريسها في الكليات الدفاعية العريقة في العالم للتعامل مع الأزمات المزمنة، وربما تكون التحالفات المرنة آلية ملائمة تلتئم فيها الجهود والقدرات العسكرية وغير العسكرية إلا إنه من الأهمية بمكان دراسة تأثير تلك الأطر الجماعية على آليات الأمن الإقليمي تكاملاً وتنافسًا، والموازنة بين المنافع والأعباء، والأهم قدرة الدولة على التوفيق بين التزاماتها المختلفة ضمن التحالفات المختلفة، وتبقى المسألة الأساسية والأهم وهي أنه على الرغم من أهمية التحالفات في تحقيق الردع الذي تمت ممارسته بالفعل خلال الأزمات الإقليمية الراهنة سواء للرد على الهجمات الكيمائية للنظام السوري، أو محاولة المليشيات الحوثية استهداف سفن أمريكية في البحر الأحمر، والتحذير الأمريكي لإيران من أي محاولة لعرقلة الملاحة في مضيق هرمز- وليس بالضرورة أن تكون تلك التحالفات موجهة ضد طرف ما، فإن بعضًا من تلك التحالفات ربما تظل مرتهنة بالظروف التي أوجدتها، وبغض النظر عن أي المسارات التي سوف يسلكها الأمن الإقليمي فإن ثمة متطلبات ثلاثة لتحقيق ذلك الأمن أولها: دعم القدرات الدفاعية للدول المحورية التي تعد ركائز أساسية لذلك الأمن، وثانيها: الاستمرار في ممارسة الردع من جانب القوى الكبرى التي تمثل كوابح لأي مغامرات إقليمية غير محسوبة، وثالثها: تحقيق مفهوم توازن القوى الذي يعد ضمانة أساسية لضبط تفاعلات الأمن الإقليمي. * مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة.

مشاركة :