بات المغرب محط الأنظار في ملف الهجرة، بسبب كمية الشباب المغاربة المهاجرين، ولكونها محطة الهجرة الأفريقية الأكبر. والسؤال الذي يشغل المتابع هو كيف يرى المغرب ميثاق الهجرة، وكيف تنظر بلدان عربية معنية أخرى إلى هذا الملف. تبنت 159 دولة التقى ممثلوها في مراكش بالمغرب ميثاق الأمم المتحدة حول الهجرة. الميثاق يعد خطوة هامة لإقرار اتفاق عالمي حول الموضوع، ويتضمن نصه غير الملزم مبادئ تتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان والأطفال والاعتراف بالسيادة الوطنية للدول. ويقترح إجراءات لمساعدة البلدان التي تواجه موجات هجرة من قبيل تبادل المعلومات والخبرات ودمج المهاجرين، كما ينص على منع الاعتقالات العشوائية في صفوف المهاجرين. حضور المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل شخصياً إلى مؤتمر مراكش يكشف عن مستوى اهتمام الحكومة الألمانية بهذا الملف . المغرب حيث أقر الميثاق لكن يقع السؤال الصعب على المغرب، إذ كيف ينظر هذا البلد إلى ملف الهجرة وماذا يعني بالنسبة لسياسته؟ عن هذا السؤال أجاب خبير شؤون الهجرة والاندماج خالد الشكراوي استاذ الدراسات الأفريقية في جامعة محمد الخامس "المغرب بلد تصدير وبلد استيراد وبلد عبور للهجرة، فهو البوابة الأخيرة لأفريقيا باتجاه أوروبا" . ويبدو المغرب حريصاً على الموازنة بين علاقاته الأفريقية وعلاقاته الأوروبية فهو يتمتع بعلاقات ببلدان أفريقية جنوب الصحراء، إزاء علاقاته بالجانب الأوروبي وعلى وجه الخصوص بفرنسا وبلجيكا. وسياسة الهجرة ليست جديدة عليه حسب الشكراوي" فقد بدأت الهجرة في ستينيات القرن الماضي واستمرت لحد الآن" ومضى يقول "حاليا تعتبر الجالية المغربية في الخارج جالية مهمة، منخرطة تماما في المجتمعات المستقبلة، وفي أحيان أخرى ربما تكون لها بعض المشاكل". وعقب إقرار الميثاق خلال مؤتمر للأمم المتحدة في مدينة مراكش في العاشر من ديسمبر 2018 ، ذكرت المستشارة ميركل أنّ الهجرة حركة طبيعية، "وعندما تكون شرعية تكون أمرا جيدا". وهو ما يؤمن به أغلب الساسة والمختصين، إذ يرون أن الهجرة حق طبيعي للإنسان، لتأمين حياته أو للعثور على فرص حياة أفضل. وكان المغرب معبراً للهجرات نحو أوروبا. وتوقف هذا التيار قبل سنوات، فاعتقدت أوروبا أنّ السواحل الإسبانية لم تعد مراسي الهاربين من أفريقيا بسبب تعاونٍ مثمر مع المغرب على وجه الخصوص، لكنّ ذلك التوقف بدا مؤقتا وسرعان ما عادت المغرب والجزائر لتصبح المعبر البحري الأهم نحو إسبانيا. وتبادل الجانبان الأوروبي والمغربي الاتهامات بشأن مسؤولية عودة تيار الهجرة غير القانونية عبر المغرب. وفي هذا السياق علق خبير شؤون الهجرة والاندماج خالد الشكراوي بالقول "وسائل الاعلام الغربية ما فتئت تقدم عناصر جلب وإغراءات للشباب من حاملي الشهادات، وهو ما يطرح مشكلة على عاتق المغرب وخاصة أن حاملي الشهادات في تخصصات معينة يتعرضون لمغريات من الشركات الغربية تدفع بهم للهجرة، علاوة على مستوى الحريات السياسية وشكل الحياة في أوروبا فهو يغري الشباب غالبا بالهجرة". مهاجرون أفارقة يدخلون دائرة الهجرة في كويتا باسبانيا (صورة من الأرشيف) "الهجرة مضرة بالمغرب لأنها تمتص كفاءاته وقدراته" واعتبر الشكراوي أنّ الهجرة تشكل وضعا مضراً بالمغرب لأنها تمتص كفاءات وقدرات أعدها البلد لتطوير بنيته، وذهبت مجانا إلى الجانب الآخر لتضع خبرتها في خدمته، وهي مشكلة تتجاوز المغرب إلى مجمل قارة أفريقيا التي ما برحت تنزف كفاءاتها إلى الخارج. وأشار الشكراوي إلى ظهور سياسة مغربية خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية لإنشاء مجلس للجالية (المغربية)، يقوم على إدماج المغاربة المهاجرين في مشاريع التفكير حول مشكلة الهجرة. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ذكرت اليوم الاثنين في خطابها خلال مؤتمر الأمم المتحدة في مدينة مراكش أنّ الهجرة غير القانونية تثير جزئياً مخاوف كبيرة للغاية ويتعين أن يكون للمجتمع الدولي استحقاق في تنظيم مسائل الهجرة على نحو شرعي ومكافحة الهجرة غير الشرعية على نحو مشترك لحماية المواطنين، مؤكدة أن تصرفات الدول منفردة لن تحل المشكلة، بل التعاون التعددي على المستوى الدولي، هو الحل. وكان المغرب دائما بلد يقصده المهاجرون من بلدان جنوب أفريقيا، بسبب عدم وجود نظام التأشيرة بين المملكة وبين عدد من بلدان الجنوب، وحسب الشكراوي فقد استغل المهاجرون الطرق التجارية والطرق التاريخية، الطريق الغربي والطريق الأوسط نحو الجزائر وتونس، والطريق الشرقي نحو ليبيا ومصر، وكانت تلك الطرق تفقد أهميتها أو تكتسب اهمية خاصة بالتناسب مع أي حصار يصيب الطرق المعنية. خالد الشكراوي "المهاجرون الأفارقة المقيمون في المغرب يملكون تعريفا قانونياً" ومع تزايد حركة الهجرة وحركة السكان في داخل أو إلى خارج العالم العربي ابتداء من عام 2010 بات كثير من المهاجرين الافارقة يستقرون في المغرب خاصة مع تنامي الصعوبات في الوصول إلى أوروبا وهناك اليوم "جالية جنوب صحراوية مستقرة في المغرب" حسب خبير الهجرة المغربي الشكراوي. الجالية المذكورة تستقر اليوم في جميع المدن المغربية، واصدرت الحكومة المغربية قبل 4 سنوات قانوناً للاستقبال وقانوناً للهجرة وقانوناً للجوء السياسي، واعتبر خبير الهجرة المغربي خالد الشكراوي أن المهاجرين الأفارقة في المغرب يملكون تعريفا قانونياً "والدولة المغربية اعطتهم أوراقاً ثبوتية وسمات إقامة لجميع النساء الحوامل أو ذوات الأطفال، علاوة على اقامات لأشخاص يمتلكون مجموعة شروط منها التواجد في المغرب لأكثر من 3 سنوات، توفره على عمل، إلى غير ذلك، وقد تمت الاستجابة إلى نحو 90% من طلبات الاستقرار والاقامة في المغرب المقدمة من قبل المهاجرين". مصر والأردن تستقبلان مئات ألوف المهاجرين في الجانب الآخر، تعيش مصر وضعاً مشابها للوضع المغربي، ولكن بدرجة أقل، فقد تضاعفت أعداد المهاجرين العابرين لمصر بقصد الوصول إلى أوروبا، أغلبهم من جنوب السودان وأريتريا وأثيوبيا وتشاد والصومال والسودان، فضلاً عن أعداد قليلة من الفلسطينيين. أما السوريون فيبدو أنهم أكثر ميلا للاستقرار في مصر والعمل فيها. و بين عامي 2010 و2015، زادت أعداد المهاجرين الوافدين إلى مصر من 295 ألفاً إلى 491 ألفاً، بحسب إحصاءات صدرت في 2018 عن "المنظمة الدولية للهجرة" التابعة للأمم المتحدة حسب مقال نشر في صحيفة السفير العربي في (التاسع من آب/ أغسطس 2018).ولا توجد أرقام موثقة عن عدد المصريين الذين هاجروا إلى أوروبا خلال السنوات الخمس الماضية، لكنّ التقديرات تؤكد أنّ وتيرة الهجرة تتصاعد منذ التغيرات السياسية في عام 2011 وما بعدها. محيم ربكان للاجئين السوريين على الحدود بين سوريا والأردن وربما كانت الأردن مثالاً أوضح لحركات الهجرة العربية، فقد استهدفه كثير من العراقيين قبل وبعد التغيير في بلدهم عام 2003، واستقروا هناك وجلبوا معهم رؤوس أموال تعمل بشكل ملحوظ. كما أدت الأزمة السورية إلى تدفق أكثر من مليون وربع المليون سوري على الأراضي الأردنية كلاجئين، يرغب أغلبهم في الهجرة إلى أوروبا. وقد أعلن وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي أن عدد اللاجئين وصل إلى الحد الأقصى، وطالب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بعدم الضغط على الأردن بشأن اللاجئين السوريين على الحدود الفاصلة بين البلدين. ملهم الملائكة
مشاركة :