الميزانية .. وجهة نظر اقتصادية

  • 12/11/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لن أدخل في هذا العمود في تحليل أرقام الميزانية إذ إن هناك سيلا من التحليلات والمراجعات الدورية كل عام ولذلك رأيت تقديم وجهة نظر اقتصادية. الميزانية جدول دوري للدخل والنفقات لسنة مالية واحدة ولكن ما يهمني أنها تعبير عن توجهات اقتصادية سواء ذكرت علنا أو جاءت ضمنيا. فهي "رسالة" والاقتصاد في جزء منه علم الإشارات، استحسان الرسالة يعني قبول ما وراءها من خيارات اقتصادية، وما الاقتصاد إلا علم المفاضلات إما مباشرة أو بين المباشر والفرصة البديلة. الأرضية الاقتصادية تتطلب الإجماع حول عدة منطلقات وألا ندخل في نقاش عقيم ينتهي بالاستمرار فيما تعودنا عليه path dependency. هناك عدة منطلقات تحتاج مزيدا من المراجعة والتفصيل ولكن أذكرها هنا بغرض التنويه ومحاولة الاستفزاز الفكري. الأول، أن الأرقام ليست أهم من التوجهات والسياسات الاقتصادية حتى وإن بدت عالية فأحيانا التضخم يخفي القيمة، قرأت حديثا أن ميزانية سورية بلغت رقما قياسيا لهذا العام ولكن من سوف يأخذ هذه الأرقام على محمل الجد اقتصاديا، رقميا يستحسن أن تكون الميزانية نسبة أقل من الدخل القومي الإجمالي، الحالة لدينا مختلفة جذريا على أكثر من صعيد ولست معنيا بالمقارنة ولكن لابد من التنبيه أن نأخذ ما خلف الأرقام بحسبان. الثاني أن الدول النامية غالبا تعاني نقصا في الاستثمارات التي هي غذاء النمو الاقتصادي خاصة في جودتها لذلك لابد للميزانية أن تعكس هذه الحقيقة ؛ ثالثا لابد أن يكون هناك نوع من التغيير في إدارة الجزء غير الثابت من الميزانية "الاستثمارات والمشاريع" إداريا؛ رابعا، أن يكون هناك نوع من العلاقة المالية بين دورة أسعار النفط وبين الميزانية؛ خامسا، لابد للميزانية أن تكون في حالة تعادل "دون عجز على الأقل" ليس سنويا ولكن على مدى 4-3 سنوات وأن يكون بمنزلة قانون ملزم تشترك فيه وزارات الطاقة والمالية والاقتصاد. منذ سنتين تقريبا وهناك توجهات إيجابية نحو بعض هذه المنطلقات ولكن لم يحدث تحول مؤثر نحوها inflection point إلى الآن. التحول الحرج هو ما يجر إلى التحولات الاقتصادية والبدء بالأخذ بنهج جديد. أغلب الناس سوف ينسى الأرقام سواء كانت فائضا أو عجزا ولكن ما سوف يستمر هو النتائج والتبعات الاقتصادية. لذلك لعل الأهم في هذه المرحلة الاهتمام بالاستثمارات الداخلية ماديا وبشريا خاصة في ميدان الجودة من خلال المنافسة والمساءلة والدعم المنظم. قد يخدم المملكة مرحليا ميزانية للمشاريع "الاستثمارات" ضمن الميزانية العامة. الجزء الأكبر من الميزانية العامة يعنى بالمصروفات الجارية التي غالبا مستقرة بينما المشاريع تختلف في نوع المستفيد والمصدر التمويلي والإدارة. فهناك جهات حكومية فاعلة في الاستثمارات حجما وكيفا مثل "أرامكو" و"سابك" و"معادن" وصندوق الاستثمارات العامة حتى صناديق التقاعد والتأمينات إضافة إلى وزارة المالية وجهات أخرى غالبا لا تذكر كمستثمر مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. الأحرى أن يكون هناك مجلس استثماري تنسيقي بين هذه الجهات يراعي التوازن فيها بين الخصوصية والاستقلال من ناحية وضرورة التضافر تحت مظلة وطنية واحدة Saudi Inc من ناحية أخرى. تعيش المملكة نهضة جديدة من خلال "الرؤية" ونهجا اقتصاديا يطمح للأفضل دائما. وكما ذكرت أعلاه هناك خطوات في هذا الاتجاه ولكن لابد من تغير نوعي bending the curve لتصل رسالة مختلفة للجميع لتحقيق أهداف "الرؤية" النبيلة.

مشاركة :