تحتدم المعركة بين شركات الإنترنت العملاقة من جهة والصحافيين والمراسلين ومؤسساتهم من جهة أخرى بشأن تمرير الإصلاح الأوروبي لحقوق التأليف الذي يهدف إلى السماح للصحف ووكالات الأنباء، بالحصول على عائدات عند إعادة استخدام منتجاتها على الإنترنت، حيث نجح الإصلاح في الحصول على موافقة البرلمان الأوروبي لكنه يحتاج أيضا إلى موافقة المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية. باريس - أكد أكثر من مئة من كبار المراسلين والمصورين دعمهم لمقال جديد كتبه الصحافي في وكالة فرانس برس سامي كيتز يدعو إلى الدفاع عن الإصلاح الأوروبي لحقوق التأليف ضد مجموعات الإنترنت العملاقة التي تسعى إلى “إفراغ النص من محتواه”، على حد تعبيره. وكتب سامي كيتز في المقال الذي نشر الثلاثاء ودعمه 103 صحافيين ومصورين من كل الاتحاد الأوروبي “قبل شهرين، في 12 سبتمبر، صوت البرلمان الأوروبي بكثافة على نص يمنح الصحافة والوكالات أملا في الحصول على بدل مالي من مجموعات الإنترنت العملاقة”، عبر فرض “رسم مجاور” يشبه حقوق التأليف. وأشار إلى أن البرلمان الأوروبي صوت على النص “على الرغم من تعبئة غير مسبوقة لمنصات” الإنترنت. وتهدف هذه الرسوم إلى السماح للصحف ووكالات الأنباء مثل فرانس برس، بالحصول على عائدات عند إعادة استخدام منتجاتها على الإنترنت من قبل مواقع مجمعة للأخبار مثل “غوغل نيوز” أو شبكات اجتماعية مثل فيسبوك. لكن بينما يفترض أن يحصل هذا التعديل على موافقة “الثلاثي” (أي البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية)، قال سامي كيتز الذي عمل مراسلا صحافيا في الشرق الأوسط والمدير الحالي لمكتب فرانس برس في بغداد، إن مجموعات الإنترنت الكبرى أطلقت “حملة ترويج جديدة واسعة جدا”. شركات الإنترنت الكبرى تسعى إلى أن يستثني الإصلاح الأوروبي {القصاصات} التي تظهر على منصات هذه الشركات وكتب أن هذه المنصات تسعى إلى أن تستثني من الإصلاح “القصاصات” (سنيبتس)، أي الفقرات القصيرة للمقالات التي تظهر على محركات البحث والمواقع المجمعة للأخبار أو شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك وكالات الأنباء والصحافة المتخصصة، وتقليص مدة حماية الحق المجاور. وقال سامي كيتز “عندما ينشر محرك بحث أو ناقل للأنباء حرفيا منتج صحيفة أو وكالة، يبدو أمرا طبيعيا أن يدفع رسما مجاورا حتى إذا كان ما نشر مقطعا قصيرا”. وذكر مثالا على ذلك عنوانا مثل “32 قتيلا في اعتداء انتحاري في حي شيعي في بغداد (الشرطة ومستشفيات)”، موضحا أنه بسيط في ظاهره لكن في الواقع يتطلب عمليات تحقق عديدة يقوم بها صحافيون شخصيا يجازفون بحياتهم أحيانا. وتابع “إذا أفلت نقل نصوص الناشرين والوكالات من رسم الجوار بحجة أنها مقاطع قصيرة (…) فإن كل الاستثمارات التي يوظفها الناشرون ووكالات الأنباء لتقديم هذه المعلومات إلى الجمهور ستنتهي بخسارة وقد يؤدي ذلك إلى التخلي عن التغطية لمصلحة الذين ينشرون أخبارا كاذبة”. ومن بين الموقعين على النص الصحافية فلورانس أوبينا والمراسل الحربي غريغوار دينيو والمصور يان آرتوس بيرتران. ونشر المقال في صحف ومواقع ووكالات الأنباء بما فيها فرانس برس. وكان كيتز قد أطلق النسخة الأولى من الحملة في نهاية أغسطس الماضي، داعيا النواب الأوروبيين إلى “التصويت بكثافة مع تطبيق الرسوم المجاورة على المؤسسات الصحافية، لتعيش الديمقراطية، وأحد أبرز رموزها الصحافة”. وأكد أن “الأمر يتعلق بالدفاع عن حرية الصحافة، لأنه إذا لم يعد هناك صحافيون لدى وسائل الإعلام، فلن تكون هناك تلك الحرية التي يحرص عليها النواب، أيا تكن انتماءاتهم السياسية”. وقال إن “وسائل الإعلام التي تنتج المضامين وترسل صحافييها ليجازفوا بحياتهم من أجل تقديم معلومات جديرة بالثقة ومتعددة الرؤى وكاملة لقاء كلفة تتزايد، ليست هي التي تحصل على الأرباح، بل المنصات التي تستخدمها من دون أن تدفع أموالا”. ورأى أن هذا “الأمر يشبه العمل لشخص آخر يقطف بلا رادع، وفي العلن، ثمرة العمل”. وأوضح أن وسائل الإعلام “باتت تريد تأكيد حقوقها لتتمكن من مواصلة نقل المعلومات. وتطلب أن يتم تقاسم العائدات التجارية لهذه المحتويات مع المنتجين، أكانت وسائل إعلام أم فنانين. هذا ما يسمى الرسوم المجاورة”. الخسائر البشرية تتربّع على رأس التكاليف التي تتكبّدها المؤسسات الإعلامية حيث قتل منذ مطلع العام الحالي 63 صحافيا ورفض “الكذب الذي ينقله غوغل أو فيسبوك، ويفيد بأن قرار الرسوم المجاورة يهدد مجانية الإنترنت”. حيث لقي الإجراء معارضة من شركات الإنترنت، وكان البرلمان الأوروبي رفض مطلع يوليو تعديلا لحقوق المؤلف ينص على فرض رسم من هذا النوع، بعد أن خاضت مجموعات الإنترنت العملاقة التي يرمز إليها بكلمة “غافا” (الحرف الأول من أسماء غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون) حملة غير مسبوقة على مستوى الهيئات الأوروبية ضد هذا الإصلاح، مشددة على أنه يمكن أن يقوض مجانية الإنترنت. وتبدو شركات الإنترنت غير معنية بالتكلفة الباهظة لتقديم عمل صحافي من نوعية عالية، الذي بات أكثر صعوبة على وسائل الإعلام وهي تكافح في ظلّ مصاعب اقتصادية وخصوصا في مناطق النزاعات، فيما تستولي هذه الشركات مجانا على حصيلة ما ينتجه صحافيون خاطروا بحياتهم للحصول عليها. وتتربّع الخسائر البشرية على رأس التكاليف التي تتكبّدها المؤسسات الإعلامية، فقد قتل منذ مطلع العام الحالي 63 صحافيا، 14 منهم اغتيلوا في أفغانستان، وتأتي بعد ذلك المكسيك بـ7 صحافيين تم اغتيالهم، ثم الولايات المتحدة الأميركية والهند بـ6 صحافيين لكل منهما، وفقا لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، وهو رقم يوازي ذلك المسجّل في العام 2017 كلّه. إضافة إلى ذلك، تتكبّد وسائل الإعلام نفقات باهظة في تغطية الأخبار في مناطق النزاعات، سواء لإعداد تقارير إذاعية أو لإنجاز تقارير تلفزيونية. وقال جيرار ريل مدير التجمّع الدولي للصحافيين الاستقصائيين في تصريح سابق إن “الصحافة تكافح من أجل البقاء، إنها تنازع، ووسائل الإعلام تخفّض نفقاتها ولا سيما في التحقيقات الاستقصائية لأنها الأكثر كلفة". وأضاف “التحقيقات لا تستغرق وقتا طويلا فحسب، بل هي أكثر خطورة أيضا، وليس من المؤكد دائما أن يجد التحقيق طريقه إلى النشر، وفي حال نُشر فقد يكون سببا لمتاعب قضائية”. ويرأس جيرار ريل التجمّع الذي كان وراء الكشف عن وثائق بنما. وقال “كلّفنا ذلك الملفّ مليوني دولار تضاف إليها نفقات المراسلين البالغ عددهم 300 في المؤسسات الإعلامية الشريكة لنا، الذين تعاونوا معنا”.
مشاركة :