منذ نهاية 2016، غادر آلاف اللاجئين السوريين المحبطين أوروبا، ويعتقد أن كثيرين منهم التحقوا بـ 310 آلاف آخرين عادوا إلى وطنهم من تركيا، ولبنان، في العام الحالي، واتجهوا نحو مناطق بعضها خاضع للحكومة، وأخرى تسيطر عليها قوى معارضة. والتقت دومينيك سوجيل، مراسلة صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور”، المقيمة في اسطنبول وتغطي الشرق الأوسط وتركز على سوريا، عدداً من اللاجئين، محاولة معرفة الأسباب التي تدفعهم إلى العودة إلى سوريا بعدما خاطروا بحياتهم للوصول إلى أوروبا. أسباب عديدة من بين عدة أسباب ذكرها لاجئون ورد التأجيل في لم شمل أسر، وغياب فرص عمل كافية، وشعور بالعزلة والصدمة الثقافية. ووجدت المراسلة أن لدى كل من أكثر من مائة لاجئ التقتهن، صديقاً أو قريباً غادر أوروبا هذا العام. وعند وقوفها أمام السفارة السورية في برلين، التقت المراسلة بمريم الغاضبة لأن زوجها أخذ طفلين من أولادهما الأربعة، وعاد بهما إلى مدينة اللاذقية. وبكت وهي تروي كيف عبر ابنها، 5 سنوات، وابنتها 8 سنوات، الحدود بين تركيا واليونان، وسوريا سيراً على الأقدام. وأوضحت مريم سبب مغادرة بعض اللاجئين أوروبا، قائلة: “يغادر الرجال مع أسرهم أحياناً لأن ترتيب أوضاعهم يستغرق سنين. كما يرجع السبب الرئيسي لرحيل اللاجئين لقلة شعورهم بالأمان على المستقبل“. حماية مؤقتة وتشير المراسلة لحصول معظم السوريين على وثائق حماية تجدد عاماً بعد آخر، عوضاً عن وضعية اللجوء التي تمهد الطريق للحصول على إقامة دائمة. وضاعف فوز حزب البديل لألمانيا والمناهض للهجرة هواجس اللاجئين، فضلاً عن سياسات الحكومة الألمانية المتحولة. ويشعر سوريون بغياب الأمان في بيوتهم، نتيجةً غير مقصودة لنظرة الغرب للجنس، وطرق رعاية الأطفال التي تلقن لهم في دورات الاندماج. وعلى سبيل المثال، ينتاب آباء وأمهات خوف من إبعاد أبنائهم عنهم إذا عاقبوهم جسدياً. وتقول مريم: “فيما عدا كل شيء، لا يمكن تصور احتمال فقدان الأبناء“. طريق العودة وقال سائق حافلة يوناني، بعد لحظات من صعود مجموعة من السوريين إلى حافلته: “كل يوم يتجه ما بين 12 و 15 لاجئاَ إلى بلدات تقع عند الحدود التركية“. وتشير المراسلة إلى غموض الظاهرة، فألمانيا لا تتعقب مسار سوريين اتجهوا نحو اليونان باعتبارها ضمن منطقة الشنغن للتنقل الحر في دول الاتحاد الأوروبي. أما السلطات اليونانية فتركز بصورة رئيسية على اللاجئين القادمين إلى أوروبا. ويقول عمال إغاثة دولية إنه لا تتوفر صورة أو بيانات واضحة عن تحركات سرية في الاتجاه الآخر. معاناة لاجئين وفي لقاءاتها مع سوريين يقيمون في أوروبا، من مختلف المناطق والخلفيات الاجتماعية والمستويات الثقافية، سمعت المراسلة معاناة اللاجئين في العثور على عمل وسكن، فضلاً عن الشعور بالعزلة. وينتقد بعضهم جهود توعية تركز على النساء والأطفال، ويقولون إن ذلك يخل بديناميات وقيم أسرية تقليدية. ويقول لاجئ من بلدة في شمال سوريا: “حتى لو كنت رسولاً هنا ورغبت في أن تربي طفلك بالطريقة الصحيحة، فذلك مستحيل. هناك عدد من المؤثرات السيئة“. ثم ينظر بحدة إلى مراهقتين ألمانيتين التقتا بأصدقاء سوريين وعانقتهما. ويقول: “تعرفين كم هو مهم شرف بناتنا عندنا. وهنا تبدأ الفتاة بمعاشرة من تريد وهي في الرابعة عشر. أتيت بأطفالي لأنقذهم من القنابل، لكن لا أريد لهم أن يكبروا هنا“. لكن وجهة النظر تلك لا تعكس آراء جميع السوريين. فكمال، سوري في منتصف العمر، يحن إلى وطنه، ويقول إنه يتمنى لو حملته طائرة إلى سوريا، ولكنه يدرك أن مستقبلاً أفضل ينتظر أطفاله في ألمانيا.
مشاركة :