قُلْ مَا شِئْتَ فَأَنَا لَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ…!!!

  • 12/12/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يتواصل البشر عن طريق اللغة اللفظية وأصواتها وما تحمله هذه الأصوات من دِلالات يُترجمها الدماغ إلى معاني وأفكار ومشاعر وأحاسيس وبها يكون التفاعل والتواصل والأداء والاتصال بين الناس ويحتاج ذلك إلى ألفاظ ذات معاني مناسبة لإيصال رسائلهم وأفكارهم ومشاعرهم الإيجابية والسلبية في الوقت والموقف والمكان المناسب والطفل منذ ولادته يحتاج لتنمية السماع للألفاظ عن طريق حاسة السمع ويتدرج حتى يستطيع الربط بين المسموع والملفوظ ثم ينطلق نحو التعبير والوصف من خلال مهارة الاستماع وبعدها التفاعل من خلال مرحلة الانصات ويستخدم الآباء والأمهات والمعلمون والمربون والخطباء ورجال الدين والمعرفة والمدربون اللغة اللفظية في إيصال توجيهاتهم وتعاليمهم ومناهجهم وقِيمهم وعلومهم ومتطلبات الحياة وآدابها وسلوكها وأدائها ويعتمدون عليها اعتمادا رئيسيا في جميع المحافل ودُور التعليم والعبادة والثقافة والعلوم . وفي أغلب الأوقات والمناسبات والموضوعات يعتمد المجتمع كثيرا على لغة الخطاب في التغيير نحو الأفضل أو تعديل السلوك أو المعارف والعلوم أو الجدل والحوار في النقاشات والموضوعات مُعتمدين على لُغة الألفاظ للوصول إلى أهدافهم وغاياتهم وأغلب أنواع الخطاب اللفظي الذي يسود في محيطنا الاجتماعي أو بيئتنا الأسرية أو في ارشادنا الديني أو في مدارسنا ومعاهدنا التعليمية هو خطاب النقد واللوم والتوبيخ والأمر والتوجيه والمقارنة والخيار الواحد وفرض الرأي والحقيقة واحتكار الأدلة والمعرفة وهذا الخطاب اللفظي البائس والعقيم والمُستبد جعل من الأبناء والطلاب والمُستمعين والمُسترشدين والعامة يبتعدون عن وعيه وتفكيره وقِيمه ومعانيه وأهدافه وغاياته وذلك لأنه خِطاب لا يُناسب ولا يحترم ولا يُلبي احتياجات المُستمع الدينية والعلمية والأخلاقية والسلوكية والقِيمية ولا يستطيع الأخذ بيده إلى التطبيق والعمل . والسبب الحقيقي والكامن وراء تعطيل مهارة الاستماع بين الآباء والمربين والخطباء وبين فئات المجتمع أن اللغة اللفظية المُستخدمة في التعبير لغة شكلية ومكررة وألفاظها كثيرة دون احتوائها على مضمون حقيقي وأيضا أنها لا تُراعي تنوع الأفهام والموضوعات والأعمار والمكان وتخلط بين الرأي والحقيقة وما يحتاج إلى المشاهدة والتدريب والتطبيق دون الحديث عنه وبين التوجيه دون العمل به من قبل المُتحدث للمخاطبين وأيضا أن الخِطاب الموجه خِطاب تقليدي في أساليبه لا يُناسب العصر واحتياجات الإنسان ويضع اللوم عليه ويطلب منه نظريا مالا يستطيع تطبيقه ولا الوصول له . والناس غالبا يتذكرون ويتعلمون من خلال مُحاكاة تجربة من الحياة الواقعية أو القيام بها بنسبة 90% وعلى العكس تماما فإن تعلمهم من خلال لغة السماع يكون بنسبة 20% أو أقل وذلك لأن اللغة اللفظية لغة تواصل وتحفيز وإشارة وأفكار آنية سرعان ما تزول وأما الجانب العَملي والتطبيقي فيحتاج إلى أدوات أخرى ووسائل متنوعة تُؤازر السمع لا أنها تُلغي الحواس الأخرى وتُعطلها في التعلم. وحين نفهم ما سبق يتعين على الآباء والأمهات ألا يُكثروا من استخدام اللغة اللفظية على أبنائهم والتي تتضمن الأمر والنهي والتوجيه والتحفيز واللوم والنصح والإرشاد فإنهم لا يستمعون إليكم وإنما يحترمونكم ويقدرونكم وأما ما أرسلتم إليهم من لغة لفظية فإنها أصوات تنتهي بمجرد اختفاء الصوت وأنتم أيها المعلمون والمربون انتقلوا إلى أدوات ووسائل استراتيجيات التعلم الحديثة من أجل أن يتفاعل الطلبة ويشاركوا ويساهموا في قاعاتكم الدراسية بدلا من أن تُوبخوهم على النوم وقلة الفهم والانتباه وممارسة اللعب وأنتم أيها الخُطباء على المنابر غيروا من أساليبكم ومواعظكم واستشهاداتكم وموضوعاتكم للمصلين وطالبي العلم والتي نفرت منها القلوب ومجتها الأسماع وتجاهلها العقل وليس لها مجال في التطبيق والعمل وانتقلوا إلى الموعظة الحسنة التي تشحن طاقة النفس والروح وتساعدها على التطبيق والعمل في الحياة . أخيرا … علينا أن نفرق بين استخدام اللغة اللفظية كأحد وسائل المدخلات إلى الدماغ والتي تأخذ دورها وتتآزر مع باقي الحواس والتي وهبها الخالق لنا من أجل أن نُبدع ونتكامل ونرتقي ونتفوق ونتواصل وبين الاعتماد عليها وكأنها هي الأداة الوحيدة التي تتحكم وتُوجه الآخرين نحو الأفضل وعلينا أن نُدرك أنه كُلما زاد حجم استخدام اللغة اللفظية الصوتية عن حدها في حياتنا زاد العُنف والفشل والجهل في نُفوسنا وسلوكنا اتجاه الآخر والإبداع والتفوق والنتيجة النهائية : قُل ما شئت فأنا لا أسمع ما تقول … !!!

مشاركة :