حين تتحول السترات الصفراء إلى حمراء في العالم العربي!

  • 12/12/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يترقب الشارع العربي وكذا حكوماته عن كثب تطور الأوضاع في فرنسا. فحركة "السترات الصفراء" أحدثت هزة كبرى في المجتمع الفرنسي مع مطالبتها بإصلاحات اقتصادية في الأساس، الأمر الذي مس وتراً حساساً لدى المواطن العربي. يتصاعد قلق الحكومات والأنظمة العربية كلما امتد عمر احتجاجات "السترات الصفراء" في فرنسا. فالخوف من انتقال عدوى التظاهرات إلى العالم العربي يقض مضاجع الكثيرين خاصة بعد أن بدأت بوادر تحركات في عدة دول لم تخل من ضربات استباقية واجهاضية في غاية العنف. تونس في تونس، التي شهدت انطلاق شرارة الاحتجاجات في العالم العربي قبل عدة سنوات، انطلقت حركة تحت اسم السترات الحمراء. الحركة الاحتجاجية التي استلهمت شعارها من احتجاجات فرنسا جاءت رداً على "الفشل والفساد وغلاء المعيشة والبطالة وسوء الإدارة والهيمنة على مفاصل الدولة واستمرار سياسات التفقير الممنهج" بحسب ما قال مشاركون فيها عبر تدوينات مختلفة على منصات التواصل الاجتماعي. وجاء في البيان التأسيسي للحركة "نعلن اليوم رسميا، نحن مجموعة من الشباب التونسي، تأسيس حملة السترات الحمراء لإنقاذ تونس في ظل غياب المصداقية والتصور وضبابية الرؤية لدى الطبقة السياسية الحالية، وتعمق الهوة بينها وبين الشعب التونسي". وأضاف البيان أن الحركة هي "استمرارية لنضال الشعب التونسي وخطوة لاستعادة التونسيين لكرامتهم وحقهم في العيش الكريم الذي سلب منهم". وأعلنت حملة السترات الحمراء عن "التزامها بالاحتجاج المدني السلمي في التعبير عن الرأي ورفض الواقع السائد". وتعاني تونس من مشهد سياسي مضطرب بخلاف الأزمات الاقتصادية الحادة. فحكومة يوسف الشاهد تواجه خلافات مع أحزاب الائتلاف الحكومي والاتحاد العام للشغل، بجانب أزمة البطالة ونقص إمدادات الوقود في عدة جهات خاصة الجنوب. مصر بدأ الأمر وكأنه دعابة سخيفة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بأن قراراً غير معلن اتخذه الأمن المصري بمنع بيع وتداول السترات الصفراء في الأسواق إلا بعد حصول الجهة الراغبة في الشراء على تصريح من قسم الشرطة التابعة له، في خطوة عدها البعض استباقية لإجهاض أي تحرك قد يستلهم في تحركه احتجاجات فرنسا. لكن بعد عدة أيام نشرت وكالة أسوشيتد برس تقريراً قالت فيه، وفقاً لمصادر متفرقة، إن الأمن المصري حذر أصحاب متاجر معدات وسترات الأمن الصناعي بالمحافظات من تداول السترات الصفراء بل والإبلاغ عن أي شخص أو جهة ترغب في شرائها، حتى وصفها بعض البائعين بأنها أصبحت أكثر خطورة من المخدرات. ووصل الأمر إلى حد اعتقال محامٍ وحقوقي نشر صورته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي مرتديا سترة صفراء ووجهت له عدة تهم: وعلى الرغم من استحالة وقوع أي تظاهرات في الشارع المصري نظرا للقبضة الأمنية الهائلة التي تُحكم بها البلاد بجانب الأحكام القاسية التي يعاقب بها من يحاول التظاهر، إلا أنه من الواضح أن الدوائر السياسية الحاكمة في مصر تخشى من انفجار الأوضاع في أي لحظة، ما حدا بالإعلام المصري أن يبث رسائل شبه يومية يمتلئ محتواها بتحذيرات من "انهيار الدولة وسقوطها" بفعل التظاهرات وتكرار "نماذج سوريا والعراق واليمن وليبيا" كأمثلة لذلك. القرار يأتي مع مخاوف متزايدة من اندلاع اضطرابات في الشارع المصري تزامناً مع اقتراب ذكرى أحداث يناير 2011 التي انهت 30 عاماً من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، بجانب شكاوى متصاعدة من الغلاء المتزايد في أسعار السلع والخدمات. ويخشى الكثيرون في مصر من أن تسوء الأحوال الاقتصادية أكثر مما هي عليه خلال الأيام القادمة، خاصة مع ورود تقارير من البنوك المصرية بانخفاض حصيلتها من العملات الاجنبية وتوقعات لخبراء مصرفيين واقتصاديين بتخفيض قيمة الجنيه المصري لتصل قيمته إلى 19 جنيه للدولار بنهاية 2019، على أن ينخفض مجدداً بحلول 2020 ليصل إلى 20 جنيها للدولار بحسب ما أورد موقع CNBC الأمريكي. الأردن أما في الأردن فيبدو أن الأمور مختلفة قليلاً، حيث انطلقت حركة احتجاجية تحت اسم الشماغات الحمر والتي أطلقت وسماً بالاسم نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي. ويقول مشاركون في الحركة إن مطالبهم تتركز حول مطالبة الحكومة بتخفيض ضريبة المبيعات على السلع الأساسية إلى النصف، وإعادة الدعم إلى الخبز، ووقف زيادة أسعار الوقود وتخفيض تعريفة الكهرباء، بجانب إجراء إصلاحات سياسية وقانونية كتعديل قانون الانتخاب وإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية. الحكومة الأردنية بدورها أكدت على حق الأردنيين في التظاهر بشكل سلمي باعتباره حقا يكفله الدستور الأردني. لكن الغضب تصاعد بين قطاعات مختلفة ونقابات عمالية مع بدء عمليات اعتقال لنشطاء من التيار اليساري رافقتها حملة استدعاءات أمنية للتحقيق، بجانب ما قال النشطاء إنه "عملية ترهيب" لمنع المواطنين من المشاركة في أنشطة تهدف للدفاع عن حقوقهم. ويشهد وسم #الشماغات_الحمر الذي أطلقته الحركة بجانب وسم #الدوار_الرابع تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما طالب ناشطون كل من يشارك في الاعتصام ارتداء "الشماغ الأردني الأحمر" أثناء المشاركة في الاعتصامات تحت عنوان “الشماغات الحمر.. 2019 عام التغيير”. العراق لم تتوقف الاحتجاجات المتتالية في العراق، وكان أكبرها تظاهرات شارع التحرير في العاصة بغداد، التي جاءت اعتراضاً على الفساد وتدني الخدمات وارتفاع الأسعار بجانب الاعتراض على جمود العملية السياسية في البلاد، بحسب ما قال مشاركون في تلك الاحتجاجات. ومؤخراً ارتدى المتظاهرون في مدينة البصرة، وللمرة الأولى، سترات صفراء خلال تظاهراتهم التي طالبوا فيها بفرص للعمل وتحسين الخدمات. ويخيم جو من التوتر الشديد في المحافظة الواقعة جنوبي العراق وفي أنحائها بعد مصادمات عنيفة وقعت بين المتظاهرين وقوات الأمن، فيما تم اعتقال عدة أشخاص أطلق سراحهم لاحقاً. وتشهد البصرة احتجاجات متقطعة كانت أكبرها احتجاجات أيلول/سبتمبر الماضي، حيث أشعل متظاهرون النيران في عدد من المباني الحكومية ومقرات الأحزاب احتجاجاً على ما وصفوه بالفساد السياسي في البلاد وانعدام الأمل في تحسن الأوضاع الاقتصادية. يأتي ذلك في وقت  حذر فيه سياسيون من اتساع نطاق التظاهرات لتشمل محافظات أخرى في العراق إذا ما استمر الاحتقان السياسي في البلاد، ولم يتم البدء في تنفيذ البرنامج الحكومي الذي وعد بتنفيذه رئيس الوزراء الجديد. الشارع العربي.. مطالب متشابهة اللافت للنظر أن المحتجين والمتظاهرين في دول عربية عدة، ممن تمكنوا من رفع أصواتهم أو حتى أولئك الذين يخشون التحرك خوفا من القبضة الأمنية الساحقة، تجمعهم مطالب تكاد تكون متشابهة تتركز في أغلبها على المعاناة الاقتصادية من انخفاض للرواتب لا يتناسب مطلقاً مع ارتفاع هائل ومستمر في أسعار السلع الأساسية بجانب عدم وجود فرص عمل كافية، هذا بخلاف الانتقادات الحادة الموجهة للحكومات بالفساد وسوء استغلال موارد البلاد. ويبدو أيضاً أن القلق هو السمة العامة التي تجمع أغلب الحكومات العربية، فبعضها كان رد فعله في غاية القسوة والعنف وبعضها اكتفى باعتقال متظاهرين وأطلق سراحهم لاحقاً. لكن القلق يبقى هو السمت العام المسيطر على تحركات الحكومات العربية التي تخشى من هبة متزامنة للشارع العربي، ما يعيد للأذهان ذكرى مظاهرات الربيع العربي وما حملته من تهديد لاستمرار أنظمة وحكومات ظنت وقتها أن الاحتجاجات مجرد زوبعة في فنجان. ع.ح.

مشاركة :