ما مواصفات الحكومة السعودية الجديدة؟ - د.عبد الرحمن الحبيب

  • 2/2/2015
  • 00:00
  • 40
  • 0
  • 0
news-picture

أحد الوزراء الجدد في التعديل الوزاري قبل الأخير الذي مضى عليه بضعة أسابيع، بذل جهداً جباراً في متابعة حضور وانصراف الموظفين واستحداث آخر الأساليب المبتكرة لمراقبتهم.. كان يزور يومياً مكاتبهم، ويسأل: هذا أين ذهب، وذاك لماذا غاب؟ حتى أن المديرين التنفيذيين الذين يتطلب عملهم المتابعة العملية في ميادين العمل خارج الوزارة، صاروا يُقللون من خروجهم، ويتمركزون في مكاتبهم خشية مرور هذا الوزير ومحاسبته العسيرة لهم. الوزير المجتهد كان بصدد ابتكار نموذجي طلبه من الجهة المختصة بوضع جهاز إلكتروني (البصمة) بحيث إن الموظف - حتى لو كان مديراً عاماً - الذي يخرج مؤقتاً يجب أن يمرّ من منفذ محدد لمبنى الوزارة يسجلها الجهاز الإلكتروني، وعندما يعود عليه تعويض الوقت الذي خرج منه بعد نهاية الدوام؛ مع التأكيد على إغلاق كافة منافذ الخروج الأخرى كي لا يمارس الموظفون أية خدع.. قيل على سبيل المداعبة إن بعضهم كان يخطط لحفر منفذ في الحائط.. بعض الموظفين قال هذه مدرسة أحداث وليست وزارة. لكن الوزير الذي كان دائماً موظفاً منضبطاً، يرى ذلك ضبطاً للعمل.. لا شك أن هذا الوزير المخلص بذل جهداً مضنياً ومتابعة حثيثة، خاصة أنه صار يُعدل ويُبدل في تفاصيل روتينية مثل عدد أيَّام خارج الدوام وانتدابات الموظفين ومن يستخدم سيارات الوزارة، ومن الموظف المتقاعس والنشيط.. وهلم جرا. ولا شك أن هذا الجهد المضني للوزير سيؤثر على مهامه الرئيسية العليا، فالموظفون بالآلاف، والمتابعة التفصيلية لأدائهم ستؤثر على مهمته العامة كمسؤول قيادي يدير الوزارة لتحقيق سياسة الحكومة لخدمة المواطنين وتحقيق استراتيجيات الدولة لخدمة الوطن، فباستطاعته توجيه الإدارات المختصة بمتابعة أداء الموظفين ومتابعتها لاحقا بين فينة وأخرى. لكن عراقة بعض كبار المسؤولين الأكفاء في القطاع العام قد تغرقهم في متاهات تفاصيل البيروقراطية: كثير من الأنظمة وقليل من الفاعلية.. كثير من المراقبة وقليل من الإنتاجية.. رغم أن البيروقراطية تعد ركيزة إدارية أساسية لأية دولة. من هنا تأتي إحدى أهم مميزات التغيير الوزاري الذي أصدره الملك سلمان في أوامره الملكية الأخيرة، فسبعة من الوزراء والمسؤولين المعينين قدموا من القطاع الخاص، حيث الفاعلية والإنتاج تأتي في المقام الأول. هذا العدد نادر في بيروقراطية الدول الحديثة، مما يعطي انطباعا أوليا أن الملك سلمان رجل لديه موقف عملي من البيروقراطية. في الواقع، الملك سلمان كان له إجراءات عملية تجاه البيروقراطية منذ عقود عندما كان أميراً لمنطقة الرياض حين أنشأ الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، كمؤسسة مستقلة عن ديوان الخدمة المدنية (الذي كان اسمها حينذاك، وكانت نموذجاً للسطوة البيروقراطية)، لإبعادها عن هيلمان الروتين المعقد بالشؤون البلدية ومنحها مجالاً تنفيذياً فعَّالاً بعملها التطبيقي. وكان لتلك المؤسسة أكبر الأثر في تطوير مدينة الرياض بعيداً عن روتين دفتر الحضور والانصراف، وعدد ساعات البقاء بالمكتب، خاصة عندما يتطلب العمل عدم البقاء بالمكتب بل الخروج للشارع. بل إن كثيراً من المراقبين يعدّون الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض أنتجت أفضل ما تتصف به مدينة الرياض حالياً. أما أهم ما اتصفت به الأوامر الملكية للملك سلمان أنها تجاوزت الزمن البيروقراطي وإجراءاته الطويلة، فهي قرارات عملية سريعة جداً مقارنة بالإجراء البيروقراطي المعتاد للقطاع العام في السعودية وفي كافة الدول. وهنا قد تبدو صفة أساسية بقرارات الملك سلمان: سرعة الإنجاز وجودة المتوقع منه. كانت البداية في الساعات الأولى لوفاة الملك الجليل عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، حين أصدر الملك سلمان قرارات تاريخية سريعة قضت على الوقت البيروقراطي المتسع لتكهنات وكالات الأنباء العالمية والصحف الأجنبية التي بدأت منذ دخول الملك عبد الله المستشفى.. وأكدت بشكل حاسم رسوخ أركان الحكم السعودي واستقراره، وانتقاله بسلاسة. وبعدها بأسبوع صدرت أوامر ملكية لتشكيل الحكومة الجديدة: مجلس الوزراء، وبعض المؤسسات العليا للحكومة. أيضاً، هذه المرة، تجاوزت زمنياً الروتين البيروقراطي، الذي كان ينتظر ستة أشهر أو سنة أو أكثر. فما هي مواصفات هذه الحكومة؟ يمكن القول إن الصفة العامة لها هي العملياتية «التكنوقراطية». وتلك تتمثل بمواصفات أساسية تتميز بخصائص مختلفة عما سبقها من الحكومات أو الوزارات. الخاصية الأولى هي طابعها العام، فهي تتمظهر بشكل مختلف عما سابقها من تعديلات وزارية بطيئة وخفيفة، إنها شكل تغييري وليس تعديلاً، تغيير إداري يبث حيوية جديدة في الحكومة السعودية التي ترهلت بعض مؤسساتها بالثقل البيروقراطي.. حيوية مرشحة لانطلاقة نوعية في فاعلية الأداء الحكومي بشكل أكثر عملية. أشير أعلاه الى أن سبعة وزراء ومسؤولين للحكومة الجديدة قدموا من القطاع الخاص، هذا يعني أن هناك قياديات جديدة لوزارات ومؤسسات الدولة جاءوا من مؤسسات خاصة اعتادت أن يكون هدفها الأساسي هو الإنتاج وتحقيق أهداف المؤسسة التي يديرونها بفاعلية. وسيكون هدفهم الحالي النهائي في القطاع العام هو خدمة المجتمع، مروراً بالإجراءات البيروقراطية اللازمة للأداء الإداري كوسيلة وليست كغاية كما مارسها بعض كبار المسؤولين.. إضافة إلى أن هناك وزراء دون سن الأربعين مما يعني مشاركة الجيل الجديد في صناعة القرار. هؤلاء الشبان مع خبرة وحكمة الكهول، سيضفون طابعاً حيوياً عبر طرحهم لأنماط التغيير إدارياً واجتماعياً وإعلاميا بما يتواصل مع قطاعات أوسع بالمجتمع - خاصة بالإنترنت - ، يصعب على بعض الجيل السابق فهمها. ومن هنا، رأينا الملك سلمان يتواصل مباشرة مع الناس في تويتر.. الأوامر الملكية التي غيرت شكل الحكومة، لم تقتصر على إدخال عناصر تبث الحيوية من الشباب وعناصر تُفعِّل الإنتاجية من القطاع الخاص؛ بل تم إلغاء مؤسسات عليا عديدة بدا عليها الترهل وأثقلت الحكومة بيروقراطياً دون داع عملياً لوجودها، فدُمجت إما في مؤسسة سابقة أو جمع بعضها في مؤسسة جديدة. هنا كان الهدف واضحا: الإنتاج العملي. لذا خلال علمية الإلغاء تم إعفاء أسماء مثيرة للجدل رغم كفاءتها، بحكم الهدف العملي. الحكومة السعودية الجديدة ليست ضد توجه انفتاحي ولا مع توجه محافظ كما يحلو للبعض في تعبيراتهم التصنيفية بالإنترنت خصوصاً تويتر. إنها كما يبدو مع التحفيز الحيوي لأداء أكثر فعالية لتنفيذ أهدافها في خدمة المجتمع.

مشاركة :