«الحرب الباردة انتهت لكن تفكير الحرب الباردة بقي». مقولة جوزيف روتبلت الحاصل على جائزة نوبل للسلام، قالها بعد نهاية الحرب الباردة.. لا يمكن أن يصدق القول على هذه المقولة كما الآن، فالساحة الدولية تشهد تغيرات تنذر بمخاطر كبرى.. وشهر العسل انتهي بين ترامب وبوتين.. لم يمض أسبوع على الرد الأمريكي السريع بضربة جوية على قاعدة الشعيرات بسوريا إثر استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي، حتى شهدنا استخدام الجيش الأمريكي لأكبر القنابل غير النووية «أم القنابل» ضد أهداف داعش بأفغانستان. بعدها بأيام أعلنت روسيا عن امتلاكها «أب القنابل» قوّتها أربعة أضعاف أم القنابل.. ثم كشفت أنها تملك أكبر قنبلة نووية في العالم بقوة تفوق 3500 مرة قوة القنبلة التي استخدمتها أمريكا لتدمير هيروشيما (صحيفة ديلي ستار). يأتي ذلك متزامناً مع تصاعد التوترات مع كوريا الشمالية، إذ أرسلت أمريكا حاملات طائرات لترابط مقابل شبه الجزيرة الكورية مع تحذير لكوريا الشمالية.. وكتب ترامب تغريدات في توتير مهدداً كوريا الشمالية، فهناك توقعات أمريكية أنّ الأخيرة تجري تجارب نووية يصل مداها لأمريكا.. فيما قال جيش كوريا الشمالية أنه سيدمر أمريكا بلا رحمة إذا هاجمته.. لكن بعد بضعه أيام عاد هدوء حذِر لتخفيف التوتر.. إزاء ذلك كله، هل هناك استراتيجية أمريكية واضحة المعالم أم هي قيد التشكل؟ أم أنها ستستمر غير محددة تتعامل بردود محددة وفقاً للأفعال؟ روسيا تحدَّت أن تعلن أمريكا عن استراتيجيتها بشأن سوريا؛ إذ قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: «نهج روسيا واضح.. فما هو النهج الأمريكي؟»، لكن روسيا تستخدم خطابين مزدوجين: الأول أساسي يتحدى القوة الأمريكية ويرفض الاقتراحات الأمريكية، والآخر ثانوي يتعاطى بمرونة مع طلبات أمريكا مثل قولهم بعدم تمسكهم بالأسد. ومشابه لذلك تستخدم إيران لغة مزدوجة، فهي تعلن تحديها للعقوبات الأمريكية بعقوبات مماثلة وتصعد خطابها العدائي، وعندما يهاجم ترامب إيران ويتوعدها بمزيد من العقوبات الاقتصادية بسبب خرقها روح الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، تعود إيران بخطاب آخر مظهرة بعض الليونة، مثل ما ذكرته مصادر إن إيران تبذل جهوداً كبيرة لإقناع الحوثيين، وحلفائهم بضرورة التعامل بمرونة أكثر، وتقديم مزيد من التنازلات، وأخذ التحولات الأمريكية على محمل الجد (صحيفة العرب اللندنية). فما هي خطة السياسة الأمريكية الجديدة؟ حتى الآن لا تظهر استراتيجية واضحة بل أعمال تكتيكية أو سياسة الخطوة خطوة، مع استخدام لغة التهديد الحازم كما ذكر السفير الأمريكي السابق بالأمم المتحدة، بعد الضربة الأمريكية على قاعدة الشعيرات بأنّ هذه الضربات لا تخص سوريا فحسب.. ومشابه لذلك قالت السفيرة الأمريكية الحالية: «نحن مستعدون للقيام بالمزيد، لكننا نأمل بألاّ يكون ذلك ضرورياً.» عدم وجود استراتيجية واضحة مع تبني سياسة الخطوة خطوة تعطي مرونة لأمريكا بتغيير مواقفها كلما اقتضت الحاجة، فقبل الهجوم الكيماوي الذي شهدته خان شيخون، ذكرت الإدارة الأمريكية أن إسقاط الأسد ليس أولوية، لكن بعد ذلك صار أولوية.. ولم تتوقف الإدارة الأمريكية عن التهديد بالمزيد من الهجمات ومازالت تمارس ضغوطًا على روسيا لكي تتنصل من الأسد. ومن هنا لن يصبح مستغرباً أن يستخدم الجيش الأمريكي القوة العسكرية مجددًا أو يكتفي بالعقوبات الاقتصادية، أو حتى بالإدانة السياسية حسبما تمليه الحاجة المرحلية التي تقررها الإدارة الأمريكية، فإذا ظهرت تهديدات ضد واشنطن أو حلفائها فلن يتردد ترامب بالتحرك عسكرياً كما شهدناه في اللغة التحذيرية الصارمة تجاه كوريا الشمالية، والمخاطر النووية التي تشكلها على المجتمع الدولي وبالأخص على كوريا الجنوبية واليابان.. هذا المنهج غير المحدد يجعل خصوم أمريكا في حيرة، فبحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإنّ نهج ترامب غير الواضح أثر على الصينيين، مما دفعهم إلى استخدام نفوذهم مؤخرًا مع جارتهم المتمردة كوريا الشمالية وتهدئة الوضع ولو نسبيًا. ويعتبر مؤيدو ترامب أنّ هذه الطريقة ستساعد على استعادة مكانة أمريكا في العالم؛ إذ قال السيناتور الجمهوري توم كوتون: «إنّ ترامب يحافظ على نهج القيادة الأمريكية الأصلية أكثر من أوباما». لكن سياسة ترامب التي يختلط فيها التهديد الكلامي بالعمل الحقيقي ينطوي على مخاطر كبيرة للدور الأمريكي في الخارج، وفقاً لبعض الديمقراطيين الأمريكان مثل السيناتور مارك وارنر: «قد يكون ذلك عظيماً على المدى القصير، لكنها ليست استراتيجية طويلة المدى لتعزيز دور أمريكا القيادي بالعالم». كذلك قد يؤدي إلى عدم ثقة حلفاء أمريكا كما يحصل الآن من ردود فعل سلبية في كوريا الجنوبية تشكك بجدية التهديد الأمريكي لكوريا الشمالية، حين ذكر البنتاجون أن حاملة الطائرات الأمريكية أتت لمهام روتينية.. لكن الإدارة الأمريكية تسعى بالفعل لتضييق الخناق الاقتصادي على بيونغيانغ على أمل إرغامها على تقديم تنازلات. جميع قادة الدول ومن خلفهم العالم كله، يراقبون السياسة الخارجية لأمريكا، لكن لا أحد يمكن أن يصل لاستنتاج راسخ حولها، إلاّ أنّ المؤكد أنّ ترامب ليس أوباما، وأنه سيستخدم القوة العسكرية إذا شعر بأي تهديد لأمريكا أو لدورها القيادي في العالم.. لكن لا أحد يدري متى وأين!
مشاركة :