قال أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود، الدكتور محمَّد بن أحمد الخضير، لـ"سبق" إن العالَم يحتفل بلغتنا العربيَّة الخالدة في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عامٍ ميلاديّ، ولهذا التاريخ قصة وحكاية مع المنظمة الأمميَّة "اليونسكو"، ومن أبطال هذه القصة وأبرزهم بلدنا العظيم المملكة العربيَّة السعوديَّة؛ حيث قدَّمت بالاشتراك مع بعض البلدان العربيَّة في الدورة 190 للمجلس التنفيذي للمنظمة، في العام 2012م اقتراح الاحتفال باللغة العربيَّة، وتخصيص يوم عالمي لذلك؛ واختير اليوم الثامن عشر من شهر ديسمبر؛ لأنه اليوم الذي أقرت فيه الجمعيَّة العامة للأمم المتحدة عام 1973م اعتبار اللغة العربيَّة ضمن اللغات الرسمية لها ولكل هيئاتها. ويكون لكل عامٍ محور احتفال . وأردف "الخضير": "محور هذا العام 2018م (اللغة العربية والشباب)، وهو محور مهم، ذلك أنَّ الشباب هم عماد الأمَّة، وذخيرة إنجازاتها، وحين تُبعث العلاقةُ بين اللغة العربيَّة والشباب فإنَّ الأثر والناتج سيكون -دون شك- إيجابيًا، فما أجمل أن يطوي الشبابُ رداءَ شبابهم لإحراز الفنون ونيل المعارف، وخوض غمار العلوم، واكتساب فنون الأدب". وأضاف: أنَّ للغتنا العربيَّة الخالدة حقًا على كل بنيها وذويها؛ فهي الهُويَّة والانتماء، وهي اللغة الشمَّاء، اختارها الله -عز وجل- لغة كتابه العزيز "القرآن الكريم"، الذي (لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد) [فصلت:42]، فهي خالدة بخلوده إلى يوم الدين، وهي محفوظة بحفظه. قال تعالى: (إنَّا نحن نزَّلنا الذكر وإنَّا له لحافظون). [الحِجر:9]؛ وهي أفضل العلوم، فبها يُقرأ القرآن، وعليها تُروى الأخبار والأشعار، وبها يُزيّن المرء ُكتابَه، ويُحلِّي لفظَه، قال الشاعر: النحو يُطلق من لسان الألكَنِ... والمرءَ تُعظمه إذا لم يلحَنِ فإذا طلبتَ من العلوم أجلَّها... فأجلُّها منها مقيمُ الألسنِ وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تعلّموا العربيَّة تُحرزوا المروءة". ويؤكد "الخضير" على أن المتابع لواقعنا يشعر بالغبطة والفرحة للإقبال الكبير على لغتنا العربيَّة تعلُّمًا وتعليمًا وممارسةً، وهذا يدعوك للفخر والاعتزاز بجيل الشباب، فقد انتشرت في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي مئاتُ الحسابات والنوافذ التي تخدم اللغة العربيَّة، وتبرز جمالياتها، وتسهِّل تعلُّمها وتعليمها، وتعين على نشرها بين المتحدثين بها لغةً أولى والمتحدثين بها لغةً ثانيةً، وفئة الشباب من الجنسين هم أكثر المسهمين في هذا الجانب. ومن يتابع مثلاً مسابقات الإلقاء أو الخطابة أو الكتابة أو القراءة ونحوها يلحظ هذا الاهتمام الكبير في جيل البراعم والشباب، وهو بدعم موفَّق من أسرهم وتشجيع من مجتمعهم وبعض مؤسساته. وتفاءل "الخضير" بقوله: "في وقتنا الحاضر نقف على شواهد من الإقبال الكبير على تعلُّم اللغة العربيَّة من غير الناطقين بها على مستوى الأفراد والمؤسسات والهيئات الحكوميَّة، وكان لموافقة مجلس الوزراء الموقَّر مؤخرًا على إنشاء "المجلس التنسيقي لمؤسسات اللغة العربيَّة في البلاد غير العربيَّة" تحت مظلة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربيَّة كان لها أهميَّة كبرى، وأثر ظاهر مرجو في توحيد الجهود وتكاملها، وتأكيد الحضور العربي والإسلامي، وحماية الهُويَّة والثَّقافة العربيَّة، ونشر اللغة العربيَّة وخدمتها والدفاع عنها في عصر يشهد صراعات ومتغيرات حضاريَّة وثقافيَّة؛ لذا فلغتنا العربيَّة جديرة بالاهتمام العالمي؛ للتأكيد على قيمتها العالية تاريخيًا وحضاريًا وثقافيًا ودينيًا وعلميًا، وما كان لهذه الجهود أن تبرز ويظهر أثرها لولا الدعم السخي من قيادة بلادنا الرشيدة التي طالما تؤكِّد على صيانة الهُويَّة، وتدعم الجهود التي تبرز الحضارة العربيَّة الغنيَّة". وأضاف: "أنَّ بلادنا العزيزة المملكة العربيَّة السعوديَّة عمدت -بتوفيق الله- إلى إنشاء المراكز اللغويَّة المتخصصة، وإعلان الجوائز الخاصة باللغة العربيَّة وآدابها ودراساتها، ومنحت عددًا ممن خدمها أوسمة وجوائز، وهذا من شأنه أن يشجِّع دارسي هذه اللغة، ويحثّهم مزيد الاهتمام بها وبنشرها وخدمتها، ومؤخرًا أعلنت الأمانةُ العامة لجائزة الملك فيصل العالمية جائزةَ اللغة العربيَّة والأدب في موضوع "الدراسات اللغوية العربيَّة باللغات الأخرى". ولا نغمط الجهود في بعض البلدان الأخرى، ممن أنشأ المراكز اللغويَّة وأطلق الجوائز الكبرى، كما في دولة الإمارات العربيَّة المتحدة الشقيقة؛ فهناك ضمن مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية جائزة محمد بن راشد للغة العربيَّة التي خُصِّص لها مبلغ (سبعين ألف دولار)، إلى غير ذلك من الجهود التي تُذكر فتُشكر". وقال: "لا يزال الأمل معقودًا في هذه البلاد المباركة المملكة العربيَّة السعوديَّة لقيادة العالمين العربي والإسلامي لجهود أكبر في خدمة اللغة العربيَّة ونشرها، وتوسيع تعلُّمها وتعليمها في داخل البلدان العربيَّة وخارجها، فاللغة العربيَّة رسولُ سلامٍ ومحبةٍ، ووسيلةٌ فاعلةٌ في نشر العلم الشرعي والإسلام الوسطي المعتدل الذي ينبذ الإرهاب والتطرُّف، ويدعو إلى التسامح والتواصل الإنسانيِّ، دون عنف أو تصنيفات مقيتة تُضعف الأمَّة ولا تقوِّيها، وتفتُّ في عضدها ولا تنمِّيها".
مشاركة :