إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن إمكانية العمل مع الرئيس السوري بشار الأسد ليس مفاجئا ويعود إلى التحولات الجذرية التي عصفت بالمشهد السوري منذ العام 2015، وحتى الساعة، والتي دفعت تركيا إلى إعادة ترتيب أولوياتها بحيث بات الأكراد يتصدرون قائمة اهتماماتها. دمشق – أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده ستدرس عودة العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد في حال فوزه في انتخابات ديمقراطية، في تغير واضح في الموقف التركي الذي كان يصر على ضرورة رحيل الأسد عن السلطة. واعتبر أوغلو خلال مشاركته في منتدى الدوحة أن “الأولوية الآن في هذه الفترة هي لإنشاء دستور للبلاد. وأن عليهم (السوريون) بأنفسهم إعداد مسودة الدستور”. وهناك تسريبات تتحدث عن قرب الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية المخولة بوضع دستور دائم لسوريا، بعد التوصل إلى توافق بشأن القائمة الثالثة التي ستضم خمسين شخصا من المجتمع المدني، إلى جانب قائمتين جاهزتين للنظام والمعارضة. وشدد جاويش أوغلو على ضرورة إجراء انتخابات في سوريا، تحت مظلة الأمم المتحدة، وأن تتسم الانتخابات المشار إليها بالشفافية والديمقراطية، وأن على السوريين أن يقرروا من يجب أن يحكمهم. ويرى مراقبون أن موقف الوزير التركي ليس مفاجئا، بالنظر للتحولات التي تشهدها الساحة السورية، والتي تصب في صالح نظام الرئيس بشار الأسد. وتمكن الأسد، الذي تمسك أسرته بزمام السلطة منذ نحو خمسة عقود، من قلب موازين الصراع في العام 2015، بعد أن كاد ينهار، بفضل التدخل الروسي المباشر، حيث نجح الأسد في استعادة قبضته على أكثر من نصف مساحة البلاد. وعلى ضوء هذا التغير، سجل في الأشهر الماضية تبدل في مواقف الكثير من الدول الإقليمية والغربية، التي لم تعد تطالب برحيل الأسد عن السلطة كشرط للتسوية، وسط أنباء غير موثوقة عن توجه بعض الدول إلى إعادة فتح قنوات تواصل مع دمشق تمهيدا لفتح سفاراتها. مسؤولون أميركيون هددوا المعارضة، بأن العناصر التي ستشارك في أي عملية تركية ستواجه الجيش الأميركي ولوحظ تزايد عدد الدول العربية المؤيدة لإعادة وصل سوريا بمحيطها، حيث انضم الأردن إلى كل من لبنان والعراق في دعوتهما لضرورة استعادة دمشق دورها في الجامعة العربية. وكان للبرلمان العربي موقف لافت مؤخرا في هذا الخصوص. ويرى مراقبون أن تركيا التي غيرت من تحالفاتها في السنوات الأخيرة لتقترب أكثر من محور روسيا وإيران الحليفتين للأسد، معنية بشكل مباشر بهذا التغير، حيث أنها هي نفسها قطعت الأمل لجهة إسقاط الأخير وتركيز نظام إسلامي بدلا منه، وصار الهاجس الوحيد الذي يؤرقها هو كيفية الخلاص ممن تعتبره عدوها اللدود أي الأكراد. وتنظر تركيا إلى سيطرة وحدات حماية الشعب الكردي الفصيل الأكثر قوة وتنظيما والذي يسيطر على مساحة واسعة من شمال سوريا وشرقها، باعتباره التهديد الأبرز لأمنها القومي، بالنظر لاعتقادها في صلاته بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض ضدها تمردا منذ ثمانينات القرن الماضي. وترى أنقرة أن الرعاية التي يحظى بها هذا الفصيل الكردي، الذي يقود تحالف قوات سوريا الديمقراطية، من الولايات المتحدة ترمي إلى جعله “شوكة” في خاصرتها، رغم النفي الأميركي المتكرر. وعلى ضوء ذلك عدلت تركيا نفسها من أولوياتها من دعم فصائل المعارضة والمتشددة على حد السواء في مشروع إسقاط نظام الأسد، إلى محاربة هذا الخصم العنيد (الأكراد) الذي يحلم بفيدرالية سورية. وهدد مؤخرا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن عملية عسكرية في غضون أيام على وحدات حماية الشعب شرق الفرات، وقوبل التهديد برد فعل سريع من الإدارة الأميركية التي أعلنت على لسان المتحدث باسم وزارة دفاعها أنها ترفض أي عمل يستهدف تقويض الاستقرار في المنطقة. ولم تقتصر واشنطن على إعلان موقف صريح وواضح حيال المس بالوضع القائم في شرق الفرات، بل تعدت ذلك إلى إرسال رسائل حازمة للفصائل السورية المعارضة من مغبة دعم خطط أنقرة في مهاجمة المنطقة. وتراهن تركيا على الفصائل الإسلامية والمتشددة السورية المنتشرة في محافظتي إدلب وحلب لتصدر جبهة قتال الوحدات، التي اتهم قياداتها تلك الفصائل بأنها مجموعات من “المرتزقة” تعمل لصالح أنقرة. وبعث مسؤولون أميركيون رسالة إلى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، و“الجيش السوري الحر”، هددوا فيها بأن العناصر التي ستشارك في أي عملية تركية شرق الفرات ستواجه الجيش الأميركي “بشكل مباشر”. وقال المسؤولون الأميركيون إن “مشاركة الائتلاف أو السوري الحر بأي شكل في العملية تعني الهجوم على الولايات المتحدة وقوات التحالف، وهذا سيؤدي إلى صدام مباشر معها”. وأضافوا أن قوات بلادهم و“قوات سوريا الديمقراطية” “في حالة متداخلة مع بعضها، لذلك لا يمكن مهاجمة الثانية دون استهداف قوات التحالف والقوات الأميركية والاشتباك معهما”. تأهب فصائل المعارضة المسلحة لمعركة شرق الفرات تأهب فصائل المعارضة المسلحة لمعركة شرق الفرات وحذرت الرسالة المعارضة السورية من عواقب المشاركة في العملية التركية المرتقبة، بالقول “حينما ترقص الفيلة؛ عليك البقاء بعيدا عن الساحة”. وتوجد قوات خاصة أميركية منتشرة على الأرض تدعم جهود تحالف قوات سوريا الديمقراطية في محاربة داعش. ويعتبر دعم الأكراد في صلب الاستراتيجية الأميركية في سوريا القائمة على القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية وهو ما تحقق إلى حد كبير (حيث لم يعد للتنظيم من وجود سوى في بعض الجيوب في دير الزور وتحديدا في بلدتي السوسة والشعفة)، وأيضا للحيلولة دون وضع إيران يدها على كامل الشريط الحدودي العراقي السوري وبالتالي تقويض مخطط الأخيرة بشأن إنشاء ممر يصلها بالبحر المتوسط عبر هذين البلدين. وتكمن أهمية الورقة الكردية أيضا بالنسبة للولايات المتحدة في حجز مكان متقدم لها عند الحديث عن التسوية السياسية، ومن هذا المنطلق تبدو واشنطن حاسمة لجهة أي تهديد لضرب الأكراد شرق الفرات. وفي ما بدا تحديا لموقف الولايات المتحدة أعلن المتحدث باسم المعارضة السورية المسلحة أيمن العاسمي، أنهم مستعدون لدعم تركيا في عمليتها العسكرية ضد الوحدات شرق نهر الفرات. وأشار العاسمي الأحد إلى أنهم تلقوا رسائل تحذير من واشنطن، بعدم المشاركة، قائلا “تلقينا اتصالات هاتفية من الخارجية الأميركية بعدم المشاركة في أي عملية عسكرية تركية، شرق نهر الفرات. ونحن عازمون على دعم تركيا في تحركها رغما عن أميركا”. وفي صفحته على تويتر، دعا العاسمي السبت، في بيان صادر عن “وفد قوى الثورة السورية العسكري” (شارك في محادثات أستانة) كافة فصائل المعارضة المسلحة للتأهب من أجل القيام بواجبها في معركة شرق الفرات. ويستبعد مراقبون أن تقدم أنقرة على خطوة مهاجمة الوحدات الكردية لأنها ستضع نفسها في مواجهة خاسرة مع الولايات المتحدة، وأن الحل الوحيد الآمن نسبيا بالنسبة لها تسوية وضعية شرق الفرات ضمن الأطر السياسية، غير ذلك سيعني انخراطها في حرب استنزاف، بدأت مؤشراتها تتضح بالعمليات المباغتة التي تستهدف مناطق سيطرتها في سوريا. وحسبما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، قتل ثمانية أشخاص على الأقل الأحد إثر انفجار سيارة مفخخة في سوق يقع وسط مدينة عفرين في شمال سوريا والتي يسيطر عليها الجيش التركي والقوات الموالية. وذكر مدير المرصد رامي عبدالرحمن “وقع الانفجار عند أطراف سوق الهال بالقرب من نقطة عسكرية لمقاتلين موالين لتركيا، ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص هم أربعة مدنيين وأربعة عناصر من القوات الموالية لأنقرة”. وتسيطر القوات التركية مع فصائل سورية موالية منذ مارس على منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية في محافظة حلب، بعد هجوم واسع شنّته ضد المقاتلين الأكراد الذين تدعمهم واشنطن. وقبل أيام قتل مدني وجرح 16 آخرون في هجمتين بسيارات مفخخة في مدينة الباب، شرقي حلب، وبلدة الراعي شمالها.
مشاركة :