«خضراء».. ملحمة تستلهم سيرة بني هلال

  • 12/18/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود تواصلت عروض مهرجان المسرح الصحراوي أمس الأول، بتقديم العرض التونسي «خضراء» للمخرج حافظ خليفة، الذي قدم عرضاً مسرحياً ينهض على استدعاء التراث وقيمه، وتجربة مختلفة عبرت عن فكرة وهدف المهرجان، حتى وصفها النقاد في المسامرة النقدية بالعرض العبقري. ينهض النص على تراث السيرة الهلالية، الذي ترجمه الكاتب محمد المرزوقي في كتاب «الجازية»، ومنه استلهم الكاتب حاتم الغرياني نص المسرحية.قدم المخرج رؤية مبتكرة للنص، ولم يبقه حبيس السيرة والتأمل التاريخي، بل قام بإسقاطه على الحاضر الاجتماعي والثقافي والسياسي التونسي، حيث يقارب العمل حكاية بلاد تونسية يعيش أهلها حالة من الرعب والبؤس الذي استشرى بصفة ملحوظة جراء سطوة حكم خليفة الزناتي وجبروته، ويكون قدوم بني هلال للإقامة في أرضهم حدثاً كبيراً، فيخيرهم الحاكم بين الضريبة أو المغادرة. وإزاء رفضهم لهذه الشروط، يغير عليهم جنوده، ويسلبونهم إبلهم ومواشيهم، ويتم أسر أبي زيد الهلالي، وهو ما يفتح الباب أمام نشوب معركة حامية الوطيس لإنقاذ بطل القبيلة، واسترجاع شرفها المهدور، وتقف وراء ذلك الجازية الهلالية بحنكتها ورجاحة عقلها، وهو ما يقود إلى هزيمة الزناتي وانتهاء عهد الظلم، فتستعيد الأرض خصوبتها بعدما كانت جرداء قاحلة وتغدو خضراء يانعة، وهنا نلمح الإسقاط السياسي على وضع تونس اليوم، كما يعلي العرض من قيمة المرأة، ويشير عبر المقاربات إلى أدوارها في المجتمع التونسي في الماضي والحاضر، فإذا كانت الجازية هي تلك الشخصية التاريخية التي لعبت دورها على أكمل وجه في خدمة أهلها وقومها، فإن ألف جازية تلدها الأرض التونسية، حيث تلعب المرأة دوراً كبيراً.قدم المخرج حلولاً إخراجية فذة حققت عرضاً اعتمد على مجاميع كثيرة، حيث تشكل فريق التمثيل من: شيما الطوجاني، ودليلة المفتاحي، ومحمد بكر، ونادرة لملوم، وعبد اللطيف بوعلاق، ونور الدين العياري، مع براعة كبيرة على مستوى الإكسسوارات التي أعدها ضو الشهيدي، وتصميم الملابس الذي قامت به آمال الصغير، والتوزيع الموسيقي لرضا بن منصور، كذلك على مستوى الأغنيات التي خدمت العرض للفنان الكبير لطفي بوشناق، مع الموسيقى التراثية الصحراوية، حيث شكل كل ذلك لوحات جمالية ضمن عرض فرجوي في فضاء مفتوح وضعنا أمام لوحة تجري فيها الخيول والجمال، وتنصب فيها الخيام، وساحة تجرى فيها المعركة.كما نجح المخرج في خلق حالة مسرحية فريدة، وساعده على ذلك أداء الممثلين الرفيع والمنضبط خاصة دليلة المفتاحي وشيما الطوجاني التي جسدت دور الجازية، ومحمد بكر في دور الخليفة زناتي.وفي المسامرة النقدية التي أعقبت العرض، أشاد النقاد والمسرحيون بالعمل، حيث وجدوا فيه عرضاً تمثل تماماً رؤية المسرح الصحراوي، الذي يسعى إلى تقديم الجديد، والخروج المبتكر من العلبة الإيطالية، بأعمال ذات خصوصية عربية مستوحاة من التراث، وفي بداية المسامرة قدم الناقد مكرم السنهوري قراءة للعرض، وخلص إلى وصفه بالعمل الفرجوي الضخم، والذي يقوم على أفكار وفلسفة مسرحية تونسية منذ «بيان الأحد عشر» الذي أصدرته مجموعة من المسرحيين الشباب في تونس في ستينات القرن الماضي، والذي دعا لكسر الفرجة التقليدية، وخلق نوع من الحميمية مع المتلقي بعيداً عن العلبة الإيطالية، وهو ما حققه عرض «خضراء»، الذي حفل بالمواجهات والإسقاطات الجمالية، وأتى مختلفاً في رؤيته الإخراجية، وحركة ممثليه، وسينوغرافيا احتلت الفضاء المسرحي بصورة رائعة وخلقت تواصلاً مع التراث الحي.فيما ذكر المخرج الأردني رسمي محاسنة أن العرض قد أرضى النقاد والجمهور، وقدم مشهدية بصرية، ورؤية أفلحت في تطويع الفضاءات، وإدارة المجاميع، وحتى تحية الجمهور في الختام كانت رائعة ومختلفة، فيما أشار المسرحي زياد يوسف إلى أن فكرة إعادة إنتاج التراث ستسهم في الحفاظ عليه في مواجهة موجة العولمة، واجتياح الخصوصيات. المسرحي عبد الله يوسف أوضح أن العرض اقترب من أن يكون عملاً عبقرياً، فقد استحضر الحالة التاريخية، واستقطب كل ما قدم خلال الأربع سنوات من عمر المهرجان، وقدم حالة بصرية وفكرية وصلت حد العبقرية، ليصبح عرضاً يبنى عليه، بينما ذكر تحسين يقين أن العرض بلور فكرة المسرح الصحراوي برؤية إخراجية عميقة.وأشاد الناقد المسرحي محمد سيد أحمد بالإضاءة، ووصفها بالموفقة من الناحية الجمالية، كما أشار إلى أن العرض حفل بالدلالات الجمالية والموضوعية .وفي ختام المسامرة قام أحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح في دائرة الثقافة بتكريم المشاركين والضيوف.

مشاركة :