انشغل إبراهيم بشمي على مدار السنين الطويلة التي أمضاها في الكتابة، بالإضافة إلى الهموم الصحفية الأساسية في أبعادها السياسية والثقافية، بالكتابة للطفل.. حتى تحول إلى أحد أهم كتاب قصة للأطفال، ليس في البحرين فحسب، وإنما في منطقة الخليج العربي كافة، والمسألة هنا لا علاقة لها بكم القصص المنشورة فحسب، بل ترتبط بقيمة المكتوب وأهميته وجمالياته.. وإذا كان عبدالقادر عقيل قد جرب الكتابة للأطفال، فإنه لم يواصل رحلته فيها، وتوقف عن المحطة الأولى، وإذا كان إبراهيم سند قد كتب للأطفال أكثر من تجربة، فإن أعماله - على أهمية بعضها - لم تتخذ خطاً متصاعداً ضمن رؤية ذات طابع (المشروع)، إلا أن إبراهيم بشمي، اختار هذا الخط ومضى فيه خطوات كبيرة، إلى درجة إصدار سلاسل متعددة للأطفال، ليس فقط في إطار البيئة المحلية فقط، بل حتى في إطار الاستفادة من الموروث العالمي وتجارب الشعوب الأخرى وقصصها وسير أبطالها. ولذلك لم يكن غريباً أن تقود هذه التجارب المكثفة إبراهيم بشمي إلى كتابة هذا العمل الضخم (سيرة الأمير حمزة العرب وما جرى له من حكايات عجيبة وأحداث غريبة).. وهي تجربة لا علاقة لها مباشرة بأدب الأطفال، وإن كانت متولدة من روحها وسياقاتها، منطلقا فيها من السير الشعبية للأمير العربي حمزة - وهو بالمناسبة ليس حمزة بن عبدالمطلب كما نسجتها الحكايات القديمة التي هي خليط من الأسطورة والأماني والوقائع المكبرة على نحو عجائبي. هذه التجربة الجديدة لإبراهيم بشمي ليست موجهة إلى الأطفال فحسب، بل إلى الكبار والشباب على حد سواء.. فقد قرأتها رغم ضخامتها (4 أجزاء) كل جزء مؤلف من أكثر من 600 صفحة في أيام قليلة لما فيها من حبكة جميلة ولطف في العبارة وجمالية الخيال، ولما تضمنته من أبعاد، وما تحرص عليه من إسقاطات تتصل بتاريخ العرب والفرس والعلاقة بينهما. سيرة الأمير حمزة العرب تتشكل هذه السيرة التي يرويها إبراهيم بشمي والصادرة عن مؤسسة الأيام للنشر سنة 2000، من 4 أجزاء كبيرة من القطع المتوسط، بنفس العنوان (سيرة الأمير حمزة العرب وما جرى له من حكايات عجيبة وأحداث غريبة). الجزء الأول ويتألف من 661 صفحة تبدأ السيرة بحلم يحلمه كسرى أبو شروان، الملك الساساني (531-579)، وهو الذي احتل إنطاكية واليمن عام 570، تاريخ ميلاد الرسول محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وتدور أحداث الحلم كما هو الأمر في العديد من الأساطير حول حكاية رمزية يفسرها المفسرون لكسرى على أنها تفيد بأن رجلاً من الفرس سيفتك منه السلطة ويطرده من البلاد، ويأتي أمير عربي من الجزيرة العربية ليطرد المغتصب.. وهذا ما حدث بالفعل في الجزء الأول من الرواية، إذ يولد حمزة العربي، ويهم بأن يذهب إلى الملك النعمان الذي يعبد النار من دون الله ومع أن أباه منعه من ذلك، فإنه لا يكترث بذلك، ويذهب إلى النعمان ويقاتله حتى يرضخ ويقبل بالانتقال إلى عبادة الله وترك عبادة النار.. وفي الأثناء بفتك (حارتين) الحكم من كسرى.. ويأتي حمزة لينقذ كسرى ويعيده إلى السلطة.. وتعجب به (مهردكار) ابنة كسرى، وبعد جهد وبطولات ومعوقات يتزوجها. الجزء الثاني، ويتألف من 659 صفحة: الفارس (زوبين) في سورة غير، وحقد على العرب يقسم بالنار بأنه سيقتل حمزة، فيخطف زوجته (مهردكان)، وزوجة ابنه عمر وأولاده لكي يحرفهم في عبادة النيروز.. ولكنه لم ينجح في ذلك إلا أن عمر الجبار أخا حمزة في الرضاع أنقذهم في آخر لحظة. وتتكثف المؤامرات ضد حمزة من قبل عمر بن شداد وصقلاد الرومي وفرهود، إلا أنه في جميع الأحوال يتفوق عليهم رغم أنه يخرج في القتال، فيغادر إلى مكة. وهكذا تستمر الحروب المتتالية في الجزء بين العرب والفرس وينتصر العرب في جميعها رغم فقد الأمير قباط بن حمزة وزوجته (مهردكار). الجزء الثالث: ويتألف من 662 صفحة: تدور أحداث هذا الجزء الثالث حول الحروب المتواصلة، حيث يقبض على حمزة ويعلق على صليب، ويأتي ابنه بديع الزمان وينقذه. وينتصر حمزة ومن معه على كسرى في إحدى المعارك ويقبضون عليه وعلى من معه كأسرى، ولكن حمزة يطلب من كسرى تسليم (بختك) الوزير الحقود الكاره للعرب، فيستجيب له كسرى، ويقفل بختك وكسرى يموت وهو في طريقة إلى فارس، ويأتي على رأس السلطة ابنه (فرمرتاج) الذي عينه العرب واختاروه. إلا أن (فرمزتاج) يختار وزيراً له ابن يختك الذي يدعى بختيار.. فعادت الحروب مجدداً بين العرب والفرس. الجزء الرابع: ويتألف من 673 صفحة تتواصل في هذا الجزء الحروب بين العرب والفرس وهروب الفرس المستمر أمام الهجمات العربية إلى أن وصلوا إلى مدينة (سبائل) التي يحكمها رجل يدعى (الخوند) ويدعي الألوهية، فحمى الهاربين لأنهم حرصوا على تمثيل دور العبادة وفي النهاية يقتحم العرب المدينة وينتصرون على الخوند وعلى الفارين. وتتواصل الحكايات، مثل حكاية دخول الأمير عمر إلى المدينة، ومقتل كاووس شاه ومحاصرة الأسرى العرب في الدهليز ونجاتهم في النهاية.. إلى أن نصل إلى حكاية انتصار البطل حمزة البهلوان: ( وذهب الأمير حمزة البهلوان بزوجته والشيخ الطيب وبنته والوزير بزر جمهر ومعسكرة وجنوده إلى مكة المكرمة، حيث أقاموا هناك بكل صفاء وأنس وراحة وسرور إلى ما شاء الله). وهكذا يكون مجمل صفحات هذه السيرة 2656 صفحة يتألف من مائة حلقة وعشر حلقات لكل حلقة عنوان، وفي كل حلقة قصة أو حكاية، وجميع الحلقات ينتظمها خيط واحد، وهو الأمير حمزة العرب والأجواء الملحمية التي تنقلنا عبرها هذه السيرة.
مشاركة :