زيارة الرئيس السوداني عمر البشير المفاجئة لسوريا ولقاؤه بالرئيس بشار الأسد اهتماماً وتعليقات متباينة في الصحف العربية. ووصفتها بعض الصحف بأنها "استعراض بائس"، بينما رأى آخرون أنها "اعتراف بانتصار سوريا". والبشير أول رئيس عربي يزور سوريا منذ اندلاع حركة الاحتجاجات الواسعة فيها وتحولها إلى حرب أهلية قبل سنوات. "متعوس في ضيافة خائب رجاء" وتتحدث "القدس العربي" اللندنية في افتتاحيتها عن البشير والأسد قائلة: "لا يختلف الاثنان كثيراً، لا سيما في التبعية للخارج والتمسك بالكرسي، أو عصا المارشالية، أياً كانت الأثمان. وإذا كان البشير مطلوباً بمذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية منذ سنة 2008 لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور، فإن الأسد ينتظر دوره أمام محاكم دولية عديدة بسبب مسؤوليته عن جرائم حرب أشد فظاعة وبشاعة". وترى الجريدة أن الزيارة هي "محاولة البشير الهروب إلى الإمام من مشكلات السودان الداخلية المستفحلة، التي تشمل الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وتدفع الفئات الشعبية السودانية إلى حضيض الفقر والبؤس". وتضيف "القدس العربي": "هي ساعات قليلة قضاها متعوس في ضيافة خائب رجاء، ومن المنطقي أن تكون حصيلتها مجرد مسرح استعراض بائس". وتقول أمل الهزاني في "الشرق الأوسط" اللندنية إن "التحرك من البشير ليس الأول عربياً، وغالباً لن يكون الأخير، فقد شاعت أنباء عن زيارات سرية لوفود عربية لدمشق خلال السنوات الماضية، خصوصاً بعد التدخل الروسي، في محاولة للقفز بالأسد من فوق السياج الذي فرضته عليه الدول العربية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بعد تسعة أشهر من تعامله الوحشي مع السوريين المعارضين لحكمه". وتضيف الهزاني أن "البرلمان العربي الذي يتخذ من جامعة الدول العربية مقراً له رفع قبل أيام توصية للجامعة بإعادة مشاركة الوفود السورية وتفعيل عملها في لجان الجامعة، خطوةً تمهيديةً لإعادة المقعد السوري لنظام الأسد، ورفع التجميد عنه. وهذا تحرك لافت لتوصية تنتظر الموافقة العربية بالإجماع". ويقول مهند حاج علي في "التغيير" السودانية: "أخطأ المحللون في حصر زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، بانفتاح دولة غير مؤثرة عربياً على نظام معزول دولياً. بالعكس تماماً. البشير جندي إقليمي، بالمعني الحرفي للكلمة. وهو بالتالي لديه ما يكفي من الانضباط في محوره، كي لا يُقدم على هذه الخطوة البالغة الأهمية منفرداً". ويضيف الكاتب أن "البشير جاء إلى دمشق كشافة استطلاع، أو في مهمة جس نبض. أن تأتي الصدمة الأولى للتطبيع مع النظام، من البشير، أفضل، إذ يمتص الأخير موجة الغضب، بانتظار سلوك الآخرين طريقاً باتت مُعبّدة". ويقول أحمد عثمان جبريل في "الراكوبة" السودانية إن "من خلال هذه الزيارة التي سيكون لها ما بعدها، نستطيع القول إن السودان أعاد كذلك علاقاته الاستراتيجية مع إيران، وذلك بالنظر إلى أن النظامين الإيراني والسوري يعتبران (عينين في رأس واحدة) خاصة وأن هناك حديثا لمراقبين، عن أن زيارة البشير لسوريا جاءت متزامنة مع زيارة مسؤول إيراني كبير لدمشق". "الاعتراف بانتصار سوريا" ويقول عبد الباري عطوان في "رأي اليوم" اللندنية إن زيارة البشير تشكل "نهاية مرحلة وبداية أخرى في العمل العربي المشترك، عنوانها الرئيسي التسلم والاعتراف بانتصار سوريا، وفشل المؤامرة التي كانت تقودها أمريكا وحلفاؤها لتفتيت وحدتيها الترابية والديمغرافية، وتغيير النظام فيها".مصدر الصورةGetty ImagesImage caption كتاب يرون أن زيارة البشير هروب من مشاكله المستفحلة ويضيف الكاتب أن البشير "لم يكن يمثل السودان فقط، وإما يمثل محورا عربيا تقوده المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى، أبرزها قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب مصر، أدركت جميعها فداحة خطيئتها الكبرى في الانخراط في المؤامرة على سوريا تحت عناوين مضللة وزائفة بقيادة الولايات المتحدة". ويعلق أحمد حسن في "البعث" السورية على الزيارة قائلا: "بدأنا نشهد بعض التحرّكات العربية اللافتة التي تدعونا، كمراقبين ومهتمين، للتساؤل: أهي بوادر جدية لعودة العرب إلى عروبتهم التي لا خلاص لهم من دونها؟ خاصة وأن الأحداث الإقليمية والدولية الناجمة عن مخاض عالم يعيد تشكيل حدوده السياسية والجغرافية، أعادت طرح الأسئلة الجدية التي لا يمكن لأي دولة عربية الإجابة عنها وحدها". ويضيف الكاتب: "إذا كانت معادلة القرن الماضي السياسية تقول: إنه (لا حرب دون مصر، ولا سلام دون سوريا)، فقد أصبح من الضروري، بعد هذه السنوات الثماني، أن نعدّل فيها لتصبح و(لا عروبة دون سوريا)، ومخبر تحليل هذه المعادلة الوحيد والحصري هو مطار دمشق الدولي، ولا شيء غيره".
مشاركة :