الحرب التجارية بين أميركا واليابان... دروس من الماضي

  • 12/19/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أغضبت القوة الاقتصادية الصينية الصاعدة سريعاً الولايات المتحدة وهيمنتها على الاقتصاد العالمي بسبب الفائض التجاري الذي تحققه بكين على حساب واشنطن، فضلاً عن اتهامات الأخيرة للشركات الصينية بقرصنة الأسرار التكنولوجيا والملكية الفكرية الأميركية، لكن تقريراً نشرته «وول ستريت جورنال» تحدث عن نزاع تجاري قديم بين أميركا واليابان ربما يحكي شيئاً عما يدور حالياً. هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب حلفاء تجاريين لـ»واشنطن» مراراً بضرورة التوصل إلى صفقة تجارية وإلا مواجهة رسوم جمركية، وهذا يمثل توصيفاً لما حدث منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما شكل صعود القوة الاقتصادية اليابانية تحدياً هائلاً أمام الرئيس رونالد ريغان في ذلك الوقت، وكانت واشنطن أيضاً تضع خيارات زمنية أمام طوكيو وإلا التعرض للتعريفات الجمركية، والفارق هنا أن الصين حلت محل اليابان كثاني أكبر اقتصاد في العالم. اتفاق «بلازا» - أعلن ترامب في الأول من ديسمبر بعد الاجتماع مع نظيره الصيني في بوينس آيرس هدنة مؤقتة مع الصين مدة تسعين يوماً ليعقد خلالها مفاوضات تجارية بين البلدين تجنباً لفرض رسوم جمركية ضد بكين بنسبة 25 في المئة على منتجات بقيمة 200 مليار دولار. - منذ ثلاثة عقود، وتحت ضغوط مماثلة، تقدمت اليابان بعرض مصيري يشمل العديد من الامتيازات للولايات المتحدة ضمن اتفاق «بلازا» لعام 1985 الذي يجبر اليابان على رفع قيمة عملتها أمام الدولار لعدم الإضرار بصادرات واشنطن، وكان ذلك بمثابة درس للإدارات الأميركية المتعاقبة عن كيفية إنهاء نزاعات تجارية بطرق غير متوقعة. - في وقت قياسي أسرع من المتوقع، تلاشت التهديدات الاقتصادية اليابانية للهيمنة الاقتصادية الأمريكية كما خفضت طوكيو الفائدة لدعم الطلب على الواردات – الأمر الذي أدى إلى فقاعة انفجرت لاحقاً أوائل التسعينيات مما دفع الاقتصاد الياباني تحت وطأة الركود. - بناء على هذه الأحداث، خرجت أميركا من الحرب التجارية مع اليابان منتصرة، وربما يكون ذلك سبباً وراء الموقف الصارم الذي تتبناه إدارة «ترامب» ضد بكين. - بالطبع درست الصين التجربة اليابانية بعناية شديدة، وهو ما يُحتمل أن يوفر لديها خيارات بديلة لعرض امتيازات تريدها أميركا على غرار ما فعلت طوكيو، لكن محللين يرون قدرة بكين على تشكيل مخاطر على الاقتصاد الأميركي لم تكن إدارة «ترامب» مستعدة لها. - بعد مرور ثلاثة عقود، ربما تلاشى من الأذهان مدى التحدي الذي شكلته اليابان للاقتصاد الأميركي في الثمانينيات ومقارنة ذلك بالحالة الصينية الآن. - عام 1984، قفز العجز التجاري الأميركي إلى أكثر من 100 مليار دولار للمرة الأولى، وعلى أثر ذلك، سن ديمقراطيون بالكونغرس قانوناً بفرض إجراءات عقابية بالرسوم الجمركية ضد الدول التي تحقق فائضاً تجارياً كبيراً مع واشنطن على رأسها اليابان. - أدركت اليابان أن عدم الانصياع يعني عدم دخولها السوق الأميركي، مما دفع وزير ماليتها عام 1985 للسفر إلى نيويورك ونزل في فندق «بلازا» مع مسؤولين من ثلاث دول أوروبية لإبرام ما عرف لاحقاً بـ»اتفاق بلازا» الذي شمل انخفاض قيمة الدولار كي تكون الصادرات الأميركية أكثر تنافسية وخفض العجز التجاري لـ»واشنطن». - انخفض الدولار سريعاً في أعقاب الاتفاق إذ كان يعادل 240 يناً يابانياً قبل اتفاق «بلازا» ليعادل بعده 154 يناً، لكن ذلك، لم يكن كافياً لإدارة «ريغان» التي أرادت المزيد مثل عدم تقليد طوكيو للمنتجات الأميركية لاسيما التكنولوجية. - على أثر ذلك، أطلقت اليابان بتشجيع من مسؤولين أميركيين برنامج تحفيز نقدي سريع لدعم الواردات وخفض البنك المركزي الفائدة إلى النصف خلال عام ونصف العام، وانتعش الاقتصاد الأميركي وتقلص العجز التجاري مع طوكيو. - وقعت اليابان في فخ كساد استمر عقدين وأفلست بنوك تحت وطأة قروض معدومة، ولم تتمكن التكنولوجيا اليابانية من مضاهاة نظيراتها الأميركية مثل «مايكروسوفت» و»إنتل». التاريخ يعيد نفسه - أكد اقتصاديون صينيون أنهم يعيرون اهتماماً بالغاً للتجربة اليابانية وركز الكثيرون في بكين على الدرس الأبسط الذي رأوه في اتفاق «بلازا» ألا وهو: «الحاجة للسيطرة على العملة المحلية، ففي الوقت الذي تسمح فيه دول شتى بتحرير سعر صرف عملاتها أمام الدولار الأميركي، تُبقي بكين على تداولات اليوان في نطاق ضيق». - قال السفير الصيني لدى واشنطن في أغسطس الماضي، إن على الأسواق والمحللين صرف فكرة اتفاق «بلازا» آخر مع واشنطن من أذهانهم واصفاً إياها بالوهم. - لطالما اتهم «ترامب» الصين بالتلاعب في سعر صرف عملتها، وهو ما نفته بكين مراراً، وفي ضوء النزاع التجاري مع واشنطن، تبنت إدارة الرئيس الصيني «شي جينبينغ» سياسة تحت عنوان «صنع في الصين 2025» – كان قد تم الكشف عنها عام 2015 – وتقضي بضرورة تعزيز الصناعات المحلية لدعم الإنتاج خاصة من المكونات فائقة التكنولوجيا. - في ذروة النزاع التجاري بين أميركا واليابان، أثيرت مخاوف من إعادة طوكيو تعزيز ترسانتها العسكرية لمجابهة واشنطن، لكن الصين تمارس هذا الدور بالفعل حالياً حيث تتحدى البحرية الأميركية في بحر الصين الجنوبي، فضلاً عن تعداد سكانها الضخم، وهي أدوات تمنحها مكانةً أعلى من اليابان خلال الأزمة. - لا يغيب عن الأسواق أن النظام المالي الصيني يمثل تهديداً كبيراً للاستقرار العالمي مما يعني أن نزاعها التجاري مع واشنطن يؤزم الموقف.

مشاركة :