احتدام الخلاف بين الأزهر والأوقاف يعرقل تجديد الخطاب الديني في مصر

  • 12/19/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يؤكد سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف ومسؤول ملف تجديد الخطاب الديني في الحكومة المصرية سابقا، أن الخلافات بين وزير الأوقاف مختار جمعة وشيخ الأزهر أحمد الطيب حول تجديد الخطاب الديني تعرقل الجهود المبذولة في هذا السياق، مما يجعلها تتخذ بعدا أشمل وأكثر عمقا إذ من شأنها أن تؤثر سلبا على كل البرامج والمبادرات التي تحارب الأفكار الدينية المتشددة. القاهرة – بات في مصر قطبان دينيان، الأزهر ووزارة الأوقاف، وأصبح صراعهما على المشاع، ويثير المخاوف من صدام قاس، يمنح فرصة للمتشددين للظهور مرة أخرى، لأن كل منهما يرغب في تصدر المشهد الدعوي وتولي قضية تجديد الخطاب الديني منفردا. ويضع سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف ومسؤول ملف تجديد الخطاب الديني في الحكومة المصرية سابقا، النقاط على الحروف ويكشف أسرار احتدام الخلاف بينهما. وشرح عبدالجليل في حواره مع “العرب” جوانب مهمة من الخلاف من منطلق معاصرته للكثير من المواقف التي تبين طريقة تفكير كل مؤسسة. ويحمي الأزهر سطوته التاريخية على الدين وتعديل التراث باعتباره صاحب السلطة الممنوحة بحكم الأقدمية والقداسة المكتسبة، وبدأ خلال الفترة الماضية يزداد شراسة لمنع أي جهة مزاحمته الصلاحيات التي حصل عليها بحكم الدستور. وتقوم وزارة الأوقاف كممثلة عن الحكومة بالعمل على كسر شوكة الأزهر الذي يرفض باستمرار مقترحات المسؤولين لتطوير أدوات الدعوة، وتأهيل الدعاة بزعم حماية الدين من الانحراف، الأمر الذي يتسبب في وضع المزيد من العراقيل على قضايا التجديد والتنوير. وعبر عقود طويلة كانت العلاقة بين الأزهر والأوقاف في مصر تكاملية في قضايا الدعوة والخطاب الديني، دون تنافس أو صراع على مناصب أو تحقيق مكاسب سياسية. وظلت الأوقاف تعمل بالتنسيق مع المشيخة في القضايا الدعوية، ولم يجرؤ أحد من وزراء الأوقاف السابقين على الخروج بمبادرة أو عقد مؤتمر دون موافقة شيخ الأزهر. وتغيرت قواعد العلاقة بين الكيانين الأساسيين لتوجيه خطاب الإسلام في مصر، لا سيما مع تمرد أحمد الطيب شيخ الأزهر على طلبات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن دفع قضية تجديد الخطاب الديني وتطويره، بما يناسب العصر ويواجه التطرف. قانون ضبط الفتوى العامة شديد الأهمية، لأنه يعد من أدوات تجديد الخطاب الديني الأساسية، والفتوى صناعة وحرفة لا يجيدها إلا المتخصصون في الفقه والعلوم الشرعية وتحولت العلاقة بين الأزهر والحكومة من انسجام ديني إلى تناطح سياسي، يرفض فيه الأزهر تدخل الإدارة السياسية في مجال تجديد التراث، لتخرج الأوقاف من ظل الأزهر، وتصبح ذراع الحكومة البديلة لتنفيذ خطط الإصلاح وتأهيل الدعاة ومحاربة التشدد الفكري. وشكلت تلك الظاهرة الجديدة تصادما غير مسبوق، تبعته قرارات متناقضة وقفز على سلطات وصلاحيات الآخر، وتزمت مفتعل في تمرير البعض من التشريعات واللوائح. ويقول سالم عبدالجليل إن ما يحدث بين وزير الأوقاف مختار جمعة وشيخ الأزهر أحمد الطيب، يشكل تطاولا غير معهود بينهما، ويعرقل جهود تجديد الخطاب الديني بشكل أكبر. وأوضح أن ذلك لا يصب في صالح القضية الأم، وهي مواجهة الأفكار الدينية المتشددة، فالأوقاف تمثل ذراع الحكومة الدينية، والأزهر الأب الروحي للإسلام السني. وأشار عبدالجليل إلى أنه من الغريب أن اختيار مختار جمعة وزيرا للأوقاف تم بناء على رغبة أحمد الطيب شيخ الأزهر، لأنه كان مقربا منه، بحكم عمله عميدا لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر وعضوا في المكتب الفني لشيخ الأزهر لشؤون الدعوة، ووقتها توقع الكثيرون أن يعزز ذلك التقارب والتفاهم بين المؤسستين، لكن بعد مرور أقل من عام لم يكن هناك تنسيق، بل تنافس وتنكيل. ولا تنتهي أوجه الصراع بين الأزهر والأوقاف، وكان آخرها الخلاف على مشروع قانون تنظيم الفتوى العامة، والذي وافق عليه الأزهر واعترضت عليه الأوقاف، وجاء بعد سلسلة من الأزمات بسبب فوضى الفتاوى على البرامج التلفزيونية. ويرى مراقبون أن القانون مثّل نموذجا صارخا لعرقلة جهود التجديد الديني، بسبب التخبط بين الأوقاف والأزهر، ورغم أهمية القانون وارتباطه برغبة الحكومة في مواجهة التطرف الفكري، إلا أنها اعترضت عليه نكاية في الأزهر الذي بدا مرحبا ومؤيدا بقوة لتمرير القانون في البرلمان. ولفت عبدالجليل إلى أن قانون ضبط الفتوى العامة شديد الأهمية، لأنه يعد من أدوات تجديد الخطاب الديني الأساسية، والفتوى صناعة وحرفة لا يجيدها إلا المتخصصون في الفقه والعلوم الشرعية، مقترحا أن يكون التصريح مرتبطا بالحصول علي مؤهلات مثل درجة الدكتوراه أو الليسانس من جامعة الأزهر، لأن اقتصار الفتوى على مجموعة أسماء بعينها، يعد إقصاء للعديد من العلماء المستنيرين. وذكر عبدالجليل، في حواره مع “العرب”، أنه كان مسؤولا عن إعداد القوائم التي ترسل إلى وزارة الإعلام في أثناء عمله بالأوقاف، لكن تلك القوائم كانت استرشادية، لم تكن تقصي أحدا من العلماء، سواء الذين يعملون في المؤسسات الحكومية أو العلماء الأزهريين الذين لا يتولون مناصب داخل مؤسسات رسمية. سالم عبدالجليل: التجديد يحتاج إلى خطط تنفذ من فوق المنابر، وليس عبر مبادرات شكلية لن تجدي نفعا في مسيرة تنقية التراث وتطويره سالم عبدالجليل: التجديد يحتاج إلى خطط تنفذ من فوق المنابر، وليس عبر مبادرات شكلية لن تجدي نفعا في مسيرة تنقية التراث وتطويره وأضاف عبدالجليل، الذي وضع خطة للتجديد في عام 2011 بمشاركة عدد من علماء الأزهر، وأصدر كتاب “دليل الإمام إلى تجديد الخطاب الديني” الذي تم توزيعه على الدعاة بالمساجد، أن كثرة المؤتمرات التي تعقد حول الخطاب الديني، تحولت إلى مجرد دعاية فارغة المضمون، وكل ما يثار الآن عن التجديد والتنوير نقاشات عامة وحبر على ورق ليس مقترنا بالواقع، لأن التجديد يحتاج إلى خطط تنفذ من فوق المنابر، وليس عبر مبادرات شكلية لن تجدي نفعا في مسيرة تنقية التراث وتطويره. وأكد أن الخطوة الوحيدة التي تمت مؤخرا تمثلت في الخطبة الموحدة، لأن البعض من الأئمة غير قادرين على الارتجال أو التحضير الجيد للخطبة، وهناك أكثر من 120 ألف مسجد في مصر، لكن يظل التجديد أعمق من خطبة موحدة يدور ويلف حولها خطيب المسجد بمصطلحات فضفاضة. وشدد عبدالجليل، في حديثه مع “العرب”، على أن الإشكالية الحقيقية تقع على عاتق من يمارس التجديد ومن يتكلم فيه ويضع له الضوابط، فهذه مهمة المجامع الفقهية في العالم الإسلامي، وهناك مجامع فقهية رئيسية في مصر والسعودية والإمارات والكويت، تضم كبار العلماء القادرين على القيام بهذه المهمة دون فوضى من قبل غير المتخصصين. وفسر ذلك لكون التجديد الديني لا يزال قضية ملتبسة، البعض يرفضها لأنهم يعتقدون أنها مبادرة غربية غرضها النيل من وحدة الدين، والبعض الآخر يرفض فكرة التجديد لاعتقاد منهم بأنه يهدم ثوابت الدين، ويطالبون بترك التراث كما هو، وهذا غير مقبول لتغير الظروف والأزمنة. تنافس الأزهر والأوقاف انعكس أيضا على علماء المؤسستين، في ظل محاولات الإقصاء المتعمد؛ فالأزهر أصر في مشروع قانون الفتوى العامة على استبعاد أئمة الأوقاف، والأمر تكرر في قوائم الظهور الإعلامي، وتفرقت مسميات أصحاب الزي الأزهري الموحد، بين علماء أزهر وأئمة أوقاف وعلماء شريعة بكلية دار العلوم، لتزداد أزمة تمرير قضايا التنوير تعقيدا وتتسع عراقيل مواجهة التطرف.

مشاركة :