مرّ العالم بعد الحرب العالمية الثانية بما يعرف بفترة الحرب الباردة بين أهم معسكرين عالميين هما حلف الناتو ممثلا في الدول الأوروبية الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وبين حلف وارسو ممثلا في الدول الشرقية من القارة الأوروبية، وقد اتصفت فترة الحرب الباردة بمراقبة كل معسكر المعسكر الآخر ولم تؤد هذه المراقبة الحذرة إلى القيام بأي عمل عسكري مباشر بين القطبين. وخلال عام 1978م، حددت دول حلف الناتو رسميا هدفين مكملين للتحالف، أحدهما الحفاظ على الأمن، والثاني مواصلة الانفراج بين الكتلتين، وكان هذا يتطلب من حلف الناتو دفاعات مطابقة للمستوى الذي تتطلبه القدرات الهجومية لحلف وارسو من دون تحفيز لمزيد من سباق التسلح. لذا قام الطرفان بنشر رؤوس حربية جديدة دفاعية في كل من دولهما بغرض تعزيز الموقف التفاوضي بينهما فيما يتعلق بقضية نزع السلاح النووي، وأدى هذا الإجراء إلى احتجاجات صدرت من حركة السلام في جميع أنحاء أوروبا الغربية لوقف الدعم عن نشر القوات لكلا الطرفين، حيث شكك الكثيرون فيما إذا كان من الممكن الاستمرار في عمليات الانتشار العسكري بين الطرفين. وكانت حرب فوكلاند بين المملكة المتحدة والأرجنتين علامة بارزة في تاريخ حلف الناتو، ولكن لم تسفر هذه الحرب عن تدخل الحلف، حيث إن المادة 6 من معاهدة شمال الأطلسي تنص على أن الدفاع الجماعي عن النفس لا ينطبق إلا على الهجمات على أراضي الدولة العضو في الحلف. وفي عام 1982م دخل في الحلف عضو جديد هو إسبانيا بعد أن تم الاستفتاء على ذلك بتأكيد عضوية إسبانيا في حلف الناتو. لقد أزالت التغييرات الثورية السياسية التي حدثت في الاتحاد السوفيتي ابتداءً من عام 1989م، بحل حلف وارسو عام 1991م، الخصم الرئيسي لحلف الناتو بحكم الواقع، ما دعا إلى إعادة تقييم استراتيجية وأهداف الناتو شملت طبيعته ومهامه وتركيزه على قارة أوروبا بإجمالها، وبدأ هذا التحول بتوقيع معاهدة حول القوات المسلحة التقليدية في أوروبا بين حلف الناتو والاتحاد السوفيتي عام 1990م، حيث أوصت هذه المعاهدة بتخفيضات عسكرية محددة في جميع أنحاء القارة الأوروبية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في ديسمبر عام 1991م، وأدى ذلك إلى انخفاض الإنفاق العسكري لحلف الناتو بحلول عام 2012م من 34% من ميزانيته إلى نسبة 21%، بالإضافة إلى بدء الحلف في التوسع التدريجي ليشمل دول وسط وشرق أوروبا المستقلة حديثا، ومدّد أنشطته في مواقف سياسية وإنسانية لم تكن في السابق ضمن برامج منظمة حلف شمال الأطلسي. تم توحيد ألمانيا سنة 1990م بدمج ألمانيا الشرقية السابقة لتصبح جزءا مكملا لجمهورية ألمانيا الاتحادية وتنضم كدولة موحدة إلى حلف الناتو بضمان موافقة الاتحاد السوفيتي على بقاء ألمانيا الموحدة في حلف شمال الأطلسي. وفي فترة بين عامي 1994م و1997م، توسع حلف الناتو بعد إنشاء الكثير من منتديات التعاون الإقليمي بين الحلف وجيرانه، ومن بين هذه المنتديات، الشراكة من أجل السلام، ومبادرة الحوار المتوسطي، ومجلس الشراكة الأوروبي الأطلسي. وشمل هذا التوسع كذلك دعوة ثلاثة بلدان شيوعية سابقة، وهي: المجر، والجمهورية التشيكية، وبولندا، للانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) حيث تمت هذه الشراكة عام 1999م. كما لحقتها في ذلك سبع دول أخرى من أوروبا الوسطى والشرقية انضمت إلى الحلفـ وهي: استونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وسلوفينيا، وسلوفاكيا، وبلغاريا، ورومانيا، حيث اكتملت عضويتها في الناتو عام 2004م. وخلال عام 2001م وافق حلف الناتو على انضمام كل من كرواتيا وألبانيا إلى الحلف، ولكن عندما أخبر الحلف أوكرانيا وجورجيا باحتمال أن يصبحا أعضاء في الحلف أثار هذا الموضوع انتقادات حادة من قبل روسيا بسبب ما صاحبه من خطط للحلف لنشر نظام دفاع صاروخي في بعض هذه الدول الشرقية التي انضمت حديثا إلى الحلف بهدف التصدي للصواريخ الباليستية القادمة من الشرق، على الرغم من أن حلف الناتو أعطى ضمانات بأن هذا النظام لا يستهدف روسيا. وأخيرا انضم إلى الحلف الجبل الأسود ليكون العضو التاسع والعشرين والأحدث في حلف شمال الأطلسي في شهر يونيو من عام 2017م وسط اعتراضات قوية من روسيا. لقد اتفق قادة الدول الأعضاء في حلف الناتو عام 2014م على تأكيد تعهدهم بإنفاق ما يعادل 2% على أقل تقدير من إجمالي ناتجهم المحلي الإجمالي على أنظمة الدفاع، كما اعترف الحلف رسميا بالحرب الإلكترونية كمجال مسبب للحرب، تماما مثل الحرب البرية والبحرية والجوية، وهذا يعني أن أي هجوم إلكتروني على أعضاء الناتو قد يسبب حربا بين الأطراف المعنية بهذا الأمر. وعندما نتكلم عن العمليات العسكرية التي قام بها حلف الناتو خلال تاريخه نجد أنه لم يقم بأي عمليات عسكرية خلال الحرب الباردة بين كتلته الغربية والكتلة الشيوعية الشرقية. وكانت بدايات العمليات العسكرية الأولى للحلف في نهاية الحرب الباردة قد حدثت بين عامي 1990م و1991م للدفاع عن الكويت أمام الغزو العراقي لها. عندما تم إرسال طائرات الإنذار المبكر المحمولة جوا لتوفير غطاء حماية جنوب شرق تركيا العضو في الحلف، بالإضافة إلى نشر قوات الرد السريع في منطقة الخليج العربي. كما تدخل حلف الناتو في الحرب التي جرت في البوسنة والهرسك عام 1992م، بعد تفكك يوغوسلافيا عندما اتخذ حلف شمال الأطلسي (الناتو) أول عمل له في فترة الحرب بإسقاط أربع طائرات حربية صربية انتهكت منطقة حظر الطيران. وقد ساعدت الضربات الجوية للناتو في إنهاء الحرب اليوغسلافية، ما أدى إلى التوصل إلى اتفاق بين أطراف الحرب عام 1995م، الذي كان بمقتضاه نشر قوة حفظ سلام بتفويض من الأمم المتحدة في إطار عملية مشتركة بين أعضاء الحلف. كانت العلامة البارزة في تاريخ حلف الناتو هي الحرب التي دارت رحاها في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استند أعضاء الحلف في تعاونهم في حرب أفغانستان على المادة الخامسة من ميثاق الناتو لأول مرة في تاريخ المنظمة، وهذه المادة تنص صراحة على أن أي هجوم على أي عضو يعتبر هجوما على جميع الأعضاء، وقد تأكد هذا الاستناد بتاريخ 4 أكتوبر عام 2001م عندما قرر الحلف أن الهجمات أضحت مؤهلة بالفعل بموجب شروط معاهدة شمال الأطلسي، وكانت المرة الأولى في تاريخ حلف الناتو التي يتولى فيها مهمة خارج منطقة شمال الأطلسي. وفي عام 2006م، تولى الحلف العمليات العسكرية في جنوب أفغانستان ضمن تحالف مناهض للإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال عام 2012م، أقر حلف شمال الأطلسي خطة لإنهاء الحرب في أفغانستان بحلول نهاية ديسمبر عام 2014م. أما بالنسبة إلى حرب العراق فكان للناتو تعاون وتنسيق وثيقان مع الولايات المتحدة الأمريكية عندما شكّل الناتو بعثة للتدريب في العراق لمساعدة قوات الأمن العراقية بالتعاون مع القوات المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبادعاء أن هذه البعثة تمت بناءً على طلب الحكومة العراقية المؤقتة للمساعدة في تطوير هياكل تدريب قوات الأمن العراقية والمؤسسات حتى يتمكن العراق بحسب ادعائهم من بناء قدرة فعّالة ومستدامة تلبي احتياجات الأمة، كل ذلك حدث تحت الهيمنة السياسية لمجلس حلف شمال الأطلسي. كما كان للحلف تدخلات أخرى في منطقة الشرق الأوسط، كان من بينها نشر سفن حربية في عملية لحماية حركة الملاحة البحرية في خليج عدن والمحيط الهندي من القراصنة الصوماليين، كذلك تدخله في إحدى مراحل الحرب الأهلية في ليبيا بعد تصاعد العنف بين المتظاهرين والحكومة الليبية بقيادة العقيد الراحل معمر القذافي.
مشاركة :