منظمة حلف شمال الأطلسي التي يطلق عليها اختصارا (حلف الناتو) هي عبارة عن تحالف عسكري دولي بين عدة دول في أمريكا الشمالية وأوروبا أنشئت على أساس معاهدة شمال الأطلسي. حيث تم التوقيع عليها في 4 أبريل عام 1949م. هذا الحلف المسمى حلف الناتو عبارة عن نظام دفاع جماعي توافقت الدول الأعضاء فيه على الدفاع المتبادل ردا على أي هجوم من قبل أي طرف خارجي. ويعتبر ثلاث دول أعضاء في هذه المنظمة (الناتو) وهي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولديهم سلطة الفيتو، بالإضافة إلى حيازتهم الأسلحة النووية رسميا. ومقر المنظمة يقع في منطقة هاربن في العاصمة البلجيكية بروكسل، أما مقر قيادة العمليات فيقع بالقرب من مدينة مونس ببلجيكا. إن حلف الناتو يشكل تحالفا بين 29 دولة مستقلة من جميع أنحاء أمريكا الشمالية وأوروبا، وهناك ما يقرب من 21 دولة إضافية تشارك في برنامج الشراكة من أجل السلام التابع لحلف الناتو، كما تشارك 15 دولة أخرى في برامج الحوار المؤسسي. ويبلغ الإنفاق العسكري المشترك لجميع أعضاء الحلف أكثر من 70% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، كما يمثل الإنفاق الدفاعي المتوقع لأعضاء المنظمة 2% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024م. كانت بدايات معاهدة بروكسل تمثل معاهدة دفاع متبادل ضد التهديد السوفيتي إبان الحرب الباردة، عندما شعرت الدول المؤسسة لهذه المنظمة في بداية الأمر وهي بلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورغ، وفرنسا، والمملكة المتحدة، بأن التهديد السوفيتي أصبح قريبا مع حصار برلين عام 1948م، ما دعا هذه الدول إلى التفكير في إنشاء منظمة للدفاع تكون تابعة للاتحاد الأوروبي الغربي عام 1948م. ولكن هذه الأطراف شعرت بأنها ضعيفة جدا عسكريا لمواجهة القوة العسكرية للاتحاد السوفيتي، وكان المؤشر الخطر الذي أدركته هذه الدول لاستيعاب هذا الفهم هو الانقلاب الذي حدث في تشيكوسلوفاكيا عام 1948م من قبل الشيوعيين الذي أطاح بحكومة ديمقراطية، ما دعا وزير الخارجية البريطاني آنذاك إرنست بيفين إلى أن يفكر في أفضل طريقة لمنع تكرار ما حدث في تشيكوسلوفاكيا وهي تطوير استراتيجية عسكرية غربية مشتركة. وكانت هذه الفكرة هي البذرة الأولى التي خلقت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) عندما التقى القادة الأوروبيون على ضوء ذلك بمسؤولي الدفاع والجيش والدبلوماسيين الأمريكيين في البنتاجون لغرض استكشاف إطار لمنظمة جديدة وغير مسبوقة، وكانت نتيجة هذا التجمع انبثاق تحالف عسكري جديد أطلق عليه معاهدة حلف شمال الأطلسي. وقد تم التوقيع عليه من قبل الرئيس الأمريكي هاري إس. ترومان في واشنطن العاصمة في 4 أبريل 1949م. وشملت هذه المعاهدة الدول الأعضاء الرئيسية في أوروبا وأمريكا وهي بالإضافة إلى الخمس دول الأصلية في هذا التعاون (بلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورغ، وفرنسا، وبريطانيا) الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والبرتغال، وإيطاليا، والنرويج، والدنمارك، وأيسلندا. وكان إنشاء حلف الناتو بمثابة النتيجة المؤسسية الأساسية لمدرسة فكرية تسمى الأطلنطي والتي شددت على أهمية التعاون العسكري عبر الأطلسي. وقد كانت المنظمة في نهاية الأمر تهدف إلى إبقاء الروس خارجا. كان أهم عنصر في هذه المعاهدة باعتباره الهدف الرئيسي منها هو الاتفاق فيما بين الدول الأعضاء على أن أي هجوم مسلح ضد أي منها في أوروبا أو أمريكا الشمالية سيعتبر هجوما ضد الدول الأعضاء جميعا، بمعنى انه تم الاتفاق على انه إذا ما وقع هجوم مسلح، فإن كل عضو في هذه المنظمة وضمن إطار ممارسة حق الفرد في الدفاع عن نفسه أو جماعيا سيساعد العضو المعتدى عليه ويتخذ الإجراء المناسب الذي يراه ضروريا، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لغرض استعادة والحفاظ على أمن منطقة شمال الأطلسي، تاركة للأعضاء حرية اختيار الطريقة التي يستخدمونها لإنجاز هذا العنصر. بعد إقرار المعاهدة كان الاختبار الأصعب لمنظمة شمال الأطلسي (الناتو) هي الحرب الكورية التي اندلعت بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية عام 1950م، وكان أمرا حاسما بالنسبة إلى حلف الناتو عندما رفع التهديد الواضح لجميع الدول الشيوعية التي عملت معا أثناء هذه الحرب، ما دعا الحلف إلى وضع خطط عسكرية مدروسة، وذلك بأن شكل قيادة أعلى للقوات المتحالفة في أوروبا بقصد التوجيه إلى قوات الحلف داخل أوروبا. وبدأ العمل في هذه القوات تحت قيادة القائد الأعلى للحلفاء دوايت د. ايزنهاور في يناير من عام 1951م. وفي عام 1952م، انضمت كل من اليونان وتركيا إلى التحالف، على الرغم من المفاوضات المثيرة للجدل التي كانت بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا حول كيفية إدخال هذين البلدين في منظومة القيادة العسكرية للمنظمة. والغريب أن الاتحاد السوفيتي عام 1954م، اقترح أن ينضم إلى حلف الناتو للحفاظ كما يرى على السلام في أوروبا، ولكن توجس أعضاء الحلف من أن هدف الاتحاد السوفيتي من اقتراحه هذا هو إضعاف الحلف، ومن ثم رفض الأعضاء في نهاية الأمر هذا الاقتراح. في شهر ديسمبر عام 1954م، وافق مجلس شمال الأطلسي على وثيقة رئيسية حول تطور الفكر النووي لحلف الناتو، وهذه الوثيقة أكدت أن حلف الناتو سيضطر إلى استخدام الأسلحة النووية إذا بدأت الحرب مع الاتحاد السوفيتي، سواء استخدم السوفيت هذا النوع من السلاح أولا أو لم يستخدموه. كذلك فإن هذه الوثيقة أعطت امتيازا للقائد الأعلى للقيادة الجوية الاستراتيجية الأمريكية للاستخدام التلقائي للأسلحة النووية. ومن العلامات البارزة في تاريخ هذه المنظمة دمج ألمانيا الغربية في المنظمة عام 1955م باعتبارها نقطة تحول حاسمة في تاريخ أوروبا، وكان أحد الأسباب الرئيسية في دخول ألمانيا عضوية المنظمة هو انه من دون القوة البشرية لألمانيا كان من المستحيل تجنيد قوات تقليدية كافية لمقاومة الغزو السوفيتي إن حدث. ولكن في المقابل أيضا كان هذا سببا كافيا لإنشاء حلف وارسو في 14 مايو 1955م من قبل كل من الاتحاد السوفيتي، والمجر، وتشيكوسلوفاكيا، وبولندا، وبلغاريا، ورومانيا، وألبانيا، وألمانيا الشرقية، باعتباره ردا رسميا على هذا الحدث، ومن ثم تم بلورة وتحديد الجانبين المتعارضين في أجواء مناخ الحرب الباردة. لم يخل تاريخ حلف الناتو من منغصات كان أبرزها عندما تم اختراق الحلف في وقت مبكر من تاريخه بوقوع أزمة خلال رئاسة شارل ديجول لفرنسا. فقد احتج ديجول على دور الولايات المتحدة الأمريكية القوي في المنظمة معتبرا أن هناك علاقة خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين المملكة المتحدة، وفي مذكرة أرسلت إلى الرئيس دوايت ايزنهاور، ورئيس وزراء بريطانيا هارولد ماكميلان في 17 سبتمبر 1958م أراد ديجول إنشاء إدارة ثلاثية من شأنها وضع فرنسا على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر بين فرنسا وكل من أمريكا وبريطانيا فإن فرنسا التزمت بالدفاع عن أوروبا من أي هجوم يأتي من حلف وارسو المحتمل على قواتها المتمركزة في جمهورية ألمانيا الاتحادية طوال فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشيوعي. بل قامت فرنسا بتوقيع اتفاقيات سرية بين المسؤولين الأمريكيين والفرنسيين توضح كيف ستندمج القوات الفرنسية في هيكل قيادة حلف الناتو في حال اندلاع الأعمال العدائية بين الشرق والغرب.
مشاركة :