مهاب نصر ما إن تطأ قدماك هذا المعرض حتى تتبين خصيصة كثيرا ما افتقدت في أعمال فنية معاصرة، إنها بكلمة واحدة «الصدق». لا البراعة ولا التجريب في هذا المعرض الاستعادي مطلقان من أجل طموح الفنان الفردي، بل تشعر وراء هذا الطموح نفسه رغبة في الإسهام في مجال عام، في صياغة رؤى مجتمع من دون مباشرة أو افتعال. اندماج مخلص لكل فنان مع الطريق الذي انتهجه في رسم عالمه. تلك روح زمن آخر اندمجت فيه الحركة الفنية والثقافية عموما ضمن حركة نهوض اجتماعي شامل ومتطلع. كانت لفتة مؤثرة أن تدعو قاعة بوشهري، التي بادرت بإقامة المعرض واحتضانه، أن تدعو واحدا من أهم الداعمين لحركة التشكيل الكويتي، وكيل وزارة الإعلام الأسبق سعدون الجاسم الذي التفت حوله كوكبة الفنانين الذين حضروا بدورهم افتتاح المعرض، مستعيدة عطر الماضي الذي بدا الآن وكأنه حلم. حضر المعرض السفير المصري لدى الكويت طارق القوني، والمهندس علي اليوحة الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. استعادة التاريخ يد تمسح الغبار عن إحدى منحوتات الفنان سامي محمد. ربما تلخص هذه الحركة فحوى معرض الرواد، استعادة حميمة للذكرى والتاريخ. يشكل رواد المرسم الحر العمود الفقري للمعرض، مقدما بانوراما واسعة تشهد على تجارب في التصوير والاسكتشات والأعمال النحتية. بالإمكان هنا تبين اتجاهات التطور ومجاراة الحداثة أحيانا، كما محاولات تصوير البيئة المحلية بعمق يعكس حيوية البيئة وسكانها وأدوات عيشها وأرديتها التقليدية. يستعيد المعرض تجارب أيوب حسين المضيئة، وتجارب الأعمال التي تجمع بين رصد الواقع والحس التعبيري والرمزي في لوحات جاسم بوحمد. ثمة مستوى من الجرأة في الطرح والتناول الجمالي ربما يصعب أن نراها الآن خاصة في الأعمال النحتية كما في أعمال الفنان عيسى صقر. نستعيد أيضا تجريبية الفنان عبدالله الصقار، والتأثيرات الفرعونية في أعماله، ثم اتجاهاته السريالية، كذا نلمح الحس الرمزي النقدي العنيف لدى الفنان خليفة القطان. بالإضافة إلى زخارف الفنانة سعاد العيسى، ولوحات الفنانة صبيحة بشارة برشاقتها. صورة أخرى عن ماضي الكويت تطالعنا في لوحات الفنان محمد الدمخي، التي تنقل بصدق البيئة الشعبية المحلية، وحياة البحر، منشغلة بتعبيرات الوجوه ونقل طبقات الواقع الحية، وهو ما يختلف عن رؤية الفنان عبدالله سالم بتجريديتها العصرية، من خلال تكوينات توحي بملمس كتل معدنية متداخلة كأنها تشير إلى حسية الواقع وتحليله إلى عناصر مادية خالصة. يبرز المعرض أيضا اجتهاد هذا الجيل من الرواد في دمج البيئة المحلية ومضامين الواقع الاجتماعي المعيش ومشكلاته في قلب المدارس التشكيلية المعاصرة. فالبحث عن الخصوصية كان يمر من خلال هذه الرؤية المركبة التي تتضح في أعمال الفنان خزعل القفاص النحتية، حيث ينتقل التراث المحلي إلى مستوى آخر أكثر عمقا وتطورا من خلال التعبير الجمالي عنه. حشد كبير من رواد الفن جاء ليلتف حول هذه اللحظة الاستثنائية. الماضي حاضر هنا وكأنه شهادة ضمنية صامتة، ليست في حاجة إلى التعبير بأكثر من الكتلة واللون. ما يشير إليه المعرض، ولو بشكل غير مباشر، هو نوع الطموح الذي اتسم به كل من الفنان والمسؤول الثقافي، تلك المبادرات لم تفصل الفن عن نهضة شاملة تتيح مكانا للفرد ولدوره في صياغة حياة مجتمعه دون التخلي عن فرديته، بل ربما من خلال هذه الفردية بالذات.
مشاركة :