حكايات ومواقف لغوية: في بداية زواجنا كنت في المطار لاستقبال زوجتي من الجزائر قبيل صلاة المغرب، وكان يوماً مطيراً - لربما يمكث هطول المطر ليومين أو يزيد على ذلك - وفي أول سلامها قالت لي بلهجتها الجزائرية «وش راك؟»، وهي تعني «كيف حالك؟» بالعربية الفصحى، وبلهجتي الكويتية نقول «شلونك؟»، وباللهجة المصرية يقولون «ازيك؟»، وكثير من اللهجات المحلية تستخدم «كيف حالك؟» الفصيحة ولكن بانزياحات حرفية مثل بلاد الشام يقولون «كيفاك»، وهناك من يقول «كيف صحتك». نقف قليلا لتناول ثلاث كلمات بالمعالجة:- وش راك؟ الجزائرية: هناك من يرى أن «وش راك» أصلها جاء من الرؤية من الأمام تنظر للمرء وتقول له «وش راك» أي «أي شيء رؤيتك» مثلما يقولون «كيف أصبحت اليوم»، و «رأى» في المعجم:«الرؤية بالعين، وهناك رؤية بالعلم، قال تعالى:(فترى الذين في قلوبهم مرض) المائدة:52، والعرب تقول«أرَيْتكَ نفسَك»؛ أي مالك، ما أمرك، وأنا أرى أنها جاءت من «الوراء»، «وش راك» أي «ماذا وراءك» والعرب تقول إذا أقبل عليها ضيف «ماذا وراءك» أي ماذا خلفت من أخبار، ولو كانت من الرؤية؛ فالرؤية واضحة للسائل إذاً لماذا يسأل؟ أما إذا كانت من الوراء فهي تعد من الأمور المخفية؛ لذا حري بالسائل أن يسأل «ماذا وراءك» و«وش راك» أصلها العربي «أي شيء وراءك»، و«وراء» في المعجم تعني خلف وقدام، قال تعالى:«من ورائهم جهنم» الجاثية:10، أي من أمامهم، وما توارى عنك أي ما استتر عنك، قال سيبويه: «وقالوا وراءك إذا قلت انظر خلفك». - أشلونك؟: الكويتية: وهي بمعنى «أي شيء لونك»، يعيب علينا بعض الأشقاء في الدول العربية هذا الاستعمال، ولربما يصل الموضوع إلى حد السخرية، فإذا سألت أحدهم «أشلونك» يرد عليك ضاحكا: لوني أحمر أو أخضر... إلخ. والحقيقة فإن اللون يدل على حال الرجل إذا كان سعيداً أو حزيناً أو مهموماً أو ميسور الحال أو في ضائقة مادية إلخ، كل ذلك يكون واضحاً في لون وجهه، والأمثلة على ذلك كثيرة من التراث. ونحن في الكويت نقول «بيّضت وجهي» معناها أنك لم تخذلني، يعادلها في الجزائري «حمّرت وجهي»، وكثير من الدول تستخدم الألوان للوجه دلالة على الحال والهيئة، واللون في المعجم:«للون هيئة، كالسواد والحمرة، وفلان متلون إذا كان لا يثبت على خلق واحد».- ازيك؟: المصرية: وهو أيضا سؤال عن حال المرء، والزي هنا يختص في الملابس؛ ولعل ملابس المرء تدل أيضا على حال المرء إذا كان مستقراً مضطرباً ومرتاح البال، أو مشغول الذهن، غير مبال في مظهره الخارجي الذي يعكس صورة حياته اليومية. و الزي في المعجم: زي: الزّيّ: الهيئة من الناس قال سيبويه والعرب تقول: زيْ بمنزلة «كيْ»، و «زي» تستخدم بمعنى «مثل» وهي هنا أداة تشبيه. وأيضا في مصر تستعمل بمعنى «مثل»، «فلان زي فلان».استكمالاً لحكاية الموقف اللغوي: فاضطررنا إلى الخروج قاصدين السيارة في موقفها، قالت زوجتي «أنا أهز الشاريو، وأنتايا حوس على الكروسة» وهي تعني بذلك إنها سوف تقوم بدفع عربة الأمتعة وأنا سوف أبحث عن السيارة في الموقف، علما بأن الرؤية تكاد تكون منعدمة من شدة المطر، لنقف قليلاً ونناقش الكلمات المستخدمة في هذا الموقف من مثل «أهز، الشاريو، حوس، الكروسة»، وسوف نتجاوز الحديث عن «أنتايا» و «أنايا» و «أحنايا» وهي زيادة في التخصيص عبارة عن «أنت يا فهد» «أنا يا عائشة» «أحنا يا» ونحن في لهجتنا الكويتية نقول للتنبيه والتخصيص «هي أنت يا فلان» وكذلك في مصر يقولون «أنت يا ابني».- أهز: تستخدم في اللهجة الجزائرية والمغاربية «تونس والمغرب» بمعنيين؛ الأول: بمعنى «الرفع» ترفع شيئا من على الأرض، والآخر بمعنى «الدفع» دفع الشيء، ونحن في لهجتنا الكويتية نستخدمها بمعنى «التحريك» يميناً وشمالاً، مثل «هز سرير الطفل حتى ينام»، و«هزّ». في المعجم:«هزز: الهزُّ: تحريك الشيء»، قال تعالى:«وهزي إليك بجذع النخلة» مريم:25، أي حركي، والعرب تقول: «هزّ، وهزّ به؛ إذا حركه، وهـُزّي: بمعنى جرّي، والهز والهزيز في السير: تحريك الإبل في خفتها، يهتز: أي يسرع. والهـِز: بكسر الهاء هو النشاط والارتياح».- الشاريو: الشاريو هي لفظة فرنسية «Chariot»، تطلق على عربة الشراء في الأسواق والمجمعات التجارية والجمعيات التعاونية، والأسواق الحرة في المطارات، وأيضا تطلق على حمل أمتعة المسافرين، وأنا أدّعي بأن اللفظة من أصول عربية جاءت من الشراء، فهي اللفظة الوحيدة التي تطلق على عربة الشراء. و«شرى» تجدها في المعجم في جذر «شري» بالياء، وهي بمعنى باع، خلاف استخدامنا اليوم للكلمة، والعرب تقول: أنت تبتاع أنت تشتري، وأنت تشري أنت تبيع، قال تعالى: «وشروه بثمن بخس دراهم معدودة» يوسف:20، أي باعوه، يقول الجوهري في قوله تعالى:«اشتروا الضلالة» البقرة:16، أصله «اشتريوا» فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، فاجتمع ساكنان الياء والواو، فحذفت الياء وحركت الواو بحركتها لما استقبلها ساكن. وما يهمني هنا اسم الآلة «شاريو الفرنسية» اكتست معنى البيع والشراء، وكذلك الحركة، فجاء في المعجم: «يقال لزمام الناقة إذا تتابعت حركاته لتحريكها رأسها في عَدْوِها: قد شري زمامها، والشري، يكون بيعا واشتراء، والشاري والمشتري، والشاري البائع، وشرى الفرس في سيره واستشرى أي لج، الشري: الناحية. الشري: الطريق. الشريان وهي العروق النابضة».- حوس: تستخدم بدول شمال أفريقيا بمعنيين بمعنى البحث وبمعنى التنزه، وغالبا ما تسمعها بالصاد «حوص»، وهذا التبادل طبيعي بين حرفي الصاد والسين، قال تعالى: «فلست عليهم بمصيطر» الغاشية: 22، وتقرأ «فلست عليهم بمسيطر»، وفي المعجم: الحوْس: كل موضع خالطته ووطئته، فقد حسته وجسته، قال الشاعر:«أحوسُ في الظلماء بالرمح الخطِلْ، والتحوّس: الإقامة مع إرادة السفر». ونحن في الكويت نستخدمها في مجال ضيق مثل «اشفيك تحوس» أو «حايس بعمرك»، في نطاق ضيق نستخدمها في البحث حينما نقول «حوس يمكن تلقاها هني أو هناك» أو «حست الدنيا كلها وما لقيتها» مبالغة في البحث وعدم العثور على ضالته، وأيضا نستخدمها في الكويتي في البعثرة مثل «هذه الدار حوسة» و«دخل علينا وحاسنا حوس»، أما في مجال البحث فنقول «ندور» وهي شائعة الاستعمال أكثر من «فتش» المستخدمة أيضا في اللهجة الكويتية، و«دور» في المعجم: دار يدور واستدار يستدير بمعنى إذا طاف حول الشيء وإذا عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه... وللحديث بقية.* كاتب وباحث لغوي كويتيfahd61rashed@hotmail.com- بمناسبة اليوم العالمي للاحتفاء باللغة العربية
مشاركة :