تشير الموازنة القياسية الجديدة إلى أن السعودية تتجه لإبطاء سعيها لخفض العجز المالي في الموازنة من أجل إنعاش النشاط الاقتصادي، لكن حقائق الواقع تشير إلى أنها لا تملك هامشا كبيرا لتعزيز النمو إلا بالنجاح في تحسين مناخ الاستثمار بدرجة كبيرة لزيادة استقطاب الاستثمارات الأجنبية. الرياض - تتزايد أهمية خلق فرص عمل لتبرير الإصلاحات التي أطلقها قبل عامين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي يسعى لتنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن صادرات النفط، وفي ظل مستوى قياسي للبطالة بين السعوديين عند 12.9 بالمئة. ويبدو ذلك واضحا في ميزانية العام المقبل التي أعلنت هذا الأسبوع، حيث تضمنت زيادة الإنفاق بنسبة 7 بالمئة. وقال مسؤولون إن نسبة الزيادة ستعزز النمو في القطاعات غير النفطية من الاقتصاد وستسمح بالبدء في خفض معدلات البطالة اعتبارا من العام المقبل. لكن حتى هذه الزيادة المتواضعة في الإنفاق ستأتي على حساب كلفة ضخمة، حيث تظهر الميزانية خفضا كبيرا في الوتيرة التي تقلص بها الرياض عجز الميزانية، والذي تعهدت بالتخلص منه تماما بحلول عام 2023. ولثلاث سنوات، حتى قبل أن تسجل الرياض عجزا ضخما في الميزانية عند 98 مليار دولار في عام 2015، أي ما يعادل نحو 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، كانت السياسة المالية تركز إلى حد كبير على طمأنة الأسواق بخفض العجز. وقالت وزارة المالية هذا الأسبوع إن العجز انكمش هذا العام إلى 36.27 مليار دولار، أي ما يقدر بنحو 4.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، من 61.3 مليار دولار في عام 2017. 35 مليار دولار العجز المتوقع في موازنة العام المقبل أي ما يعادل 4.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي غير أن ميزانية عام 2019 تتوقع انكماش العجز بهامش بسيط فقط إلى نحو 35 مليار دولار، أي ما يعادل 4.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقال الكثير من المحللين المستقلين إن بيانات الإنفاق والإيرادات في الموازنة تشير ضمنا إلى أن العجز سيرتفع في واقع الأمر. وتوقع بلال خان، وهو خبير اقتصاد إقليمي لدى ستاندرد تشارترد، عجزا نسبته 5 بالمئة في العام المقبل، بينما توقعت مونيكا مالك الخبيرة الاقتصادية لدى بنك أبوظبي التجاري عجزا يتجاوز 7 بالمئة. وتوقع جيسون توفي، الخبير الاقتصادي المتخصص في شؤون الأسواق الناشئة لدى كابيتال إيكونوميكس، أنه إذا لم تتعاف أسعار النفط من المستويات الحالية، قد يقترب العجز من 10 بالمئة في عام 2019، وهو رقم قد لا تستطيع المملكة تحمّله في الأجل الطويل. وسيجعل ذلك الرياض في مواجهة خطر عدم تحقيق المستوى المستهدف لعام 2023، والمتمثل في القضاء على العجز، بهامش كبير، وهو ما قد يجدد مخاوف الأسواق بشأن متانة الأوضاع المالية للبلاد، أو التعرض لضغوط لتبني إجراءات تقشف قاسية في الفترة من 2020 إلى 2023 لتحقيق المستهدف. لهذه الأسباب، فإن المجال متاح أمام السعودية لتبني سياسة مالية تهدف إلى تحقيق النمو محدود. وقال خبراء اقتصاد إن الرياض لن تكون قادرة على التخلي عن إجراءات التقشف تماما العام المقبل لأن ذلك سيبقي نمو القطاع غير النفطي متباطئا. وقال توفي “بينما قد يكون هناك بعض التخفيف المالي في النصف الأول من العام المقبل، نعتقد أن التقشف من المحتمل أن يُستأنف في النصف الثاني من 2019”. ونما القطاع غير النفطي في السعودية بنسبة 2.3 بالمئة فقط في العام الحالي، وهو نمو أبطأ كثيرا من أن يكون له أثر على خفض البطالة في بلد يزيد تعداد مواطنيه بمعدل سنوي يقترب من 2 بالمئة.وكانت الرياض حددت في البداية موعد 2020 لضبط الميزانية، لكنها أرجأت الموعد إلى 2023 قبل عام في ظل معاناة الاقتصاد. وفي الأشهر الأخيرة، لم يتخل المسؤولون عن الموعد النهائي، لكنهم سعوا للتقليل من أهميته. وفي أواخر أكتوبر الماضي، وبعد اكتمال الكثير من التخطيط لميزانية 2019، أبلغ وزير المالية محمد الجدعان رويترز بأن الرياض ستضبط ميزانياتها في الأجل المتوسط، لكنها ستقبل ببعض العجز بعد 2023 إذا لزم الأمر لتحفيز الاقتصاد. وفي مؤتمرات صحافية بعد إعلان الميزانية قال مسؤولون سعوديون إنهم مازالوا ملتزمين بضبط الميزانية، لكنهم لم يذكروا عام 2023 بالتحديد. وتشير بعض الجوانب في الميزانية إلى أن سياسات التقشف ستستمر. وقال الجدعان إنه لا ينوي تغيير السياسة المتعلقة بالرسوم التي تفرضها المملكة على توظيف الأجانب وإصدار تصاريح الإقامة لذويهم. ومن المنتظر أن ترتفع الرسوم العام المقبل، وهو ما سيزيد الضغوط المالية على القطاع الخاص الذي ضغط من أجل تأجيل الزيادات. وأحجم المسؤولون أيضا عن استبعاد إمكانية زيادة أسعار الوقود في السوق المحلية. وبموجب السياسة المعلنة من قبل، قد يجري رفع أسعار الوقود، بما في ذلك البنزين والديزل والكيروسين، في عام 2019. وقد تكون زيادة أسعار الوقود في الأسواق المحلية هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن للرياض من خلالها أن تحقق توقعات زيادة الإيرادات بنسبة تسعة بالمئة، في ظل ترجيح الكثير من الاقتصاديين أن أسعار النفط العالمية لن ترتفع كثيرا في العام المقبل وقد لا ترتفع على الإطلاق.
مشاركة :