من الآثار والتاريخ إلى الحداثة والحضارة التي رسمها الجيل الحالي من أجل المستقبل، نتجول من جديد في ربوع أبوظبي عاصمة الرياضة العالمية، نشاهد معالمها، نكتب سطوراً جديدة عن معلم من المعالم السياحية التي تخطف الأنظار والأضواء ودائماً ما تكون قبلة لكل الزائرين للعاصمة. اخترنا أن نتوجه إلى متحف اللوفر أبوظبي عنوان الحضارة، والثقافة، فقد خطف الأضواء من متحف اللوفر في باريس، فهو أول متحف عالمي في العالم العربي يجسد الانفتاح على الحضارات في قلب المنطقة الثقافية في السعديات، ليكون رحلة عبر الحضارات والثقافات المختلفة، ويرصد اللوفر أبوظبي بأسلوبه المعماري المتفرّد محطات تاريخ البشرية عبر مجموعات فنية غنية بالتحف الأثرية والأعمال الفنية المعاصرة. ويسرد الصرح الكبير الذي يفخر بجذوره وهويته الإماراتية تاريخ الفنون من منظور جديد في عالمنا اليوم، كما يقدم تجربة إنسانية مشتركة تتجاوز حدود الجغرافيا على عكس المتاحف الغربية، حيث سيأخذ زوّاره على متن رحلة تسافر بهم عبر مختلف الحضارات والثقافات من حقب ما قبل التاريخ، وصولاً إلى العصر الحالي من خلال 12 قاعة عرض للمتحف، بما في ذلك القرى الأولى والأديان العالمية، بدايةً من بدايات الحضارات الصناعية وصولاً إلى عالم اليوم. واستغرق بناء متحف اللوفر الجديد 10 سنوات، وهو يضم نحو 600 عمل فني دائم العرض، بالإضافة إلى 300 عمل أعارتها فرنسا للمتحف بشكل مؤقت، وتم افتتاحه في نوفمبر 2017، ويعد المتحف أول حلقة في سلسلة مشاريع ثقافية ضخمة تهدف من خلالها حكومة الإمارات إلى إنشاء واحة ثقافية في جزيرة السعديات بأبوظبي. هنا يجد عشاق الفنّ ملاذهم بين الأعمال الفنية ذات الأهمية التاريخية والثقافية والاجتماعية القادمة منذ القِدَم حتى الآن من الماضي إلى الحاضر، حيث تم تصميمه ليحتضن مختلف التعبيرات الفنية من كافة الحضارات والثقافات التي نشأت منذ فجر التاريخ وحتى وقتنا الحاضر. وابتدع المهندس جان نوفيل الحائز على جائزة بريتزكر للهندسة المعمارية، تصميم متحف اللوفر الذي يغطي مساحة 9200 متر مربع من صالات العرض الفنية، بما فيها صالة العرض الدائمة وصالة المعارض المؤقتة. تشتهر الأخيرة باستعارتها لأعمال فنية من العديد من المتاحف الفرنسية الشهيرة، مثل متحف اللوفر، ومتحف أورسيه، ومركز بومبيدو، ويضم المتحف 55 غرفة، بما في ذلك 23 صالة عرض دائمة، ولا يوجد واحدة منها تشبه الأخرى على الإطلاق. وتقدم صالات العرض أعمالاً من جميع أنحاء العالم، ولكبار الفنانين الأوروبيين، مثل فان جوخ وغوغين وبيكاسو، والأميركيين مثل جيمس أبوت ماكنيل، ويسلر، وحتى الفنان الصيني الحديث آيي ويوي، وهناك شراكة مع مؤسسات عربية أعارت المتحف 28 عملاً ثميناً، ومن بين القطع الأثرية الموجودة والتي لا تقدر بثمن تمثال لأبو الهول يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد، وقطعة من النسيج تصور شخصيات في القرآن. واستعان المعماري نوفيل ببعض العناصر الحضارية التي تميّز الدولة في كل ربوعها، فأنشأ قنوات مائية مستوحاة من الأفلاج تمر من خلال المتحف، مستمداً إلهامه من العمارة العربية التقليدية، كما بنى القمة الهندسية متيحاً للإضاءة الطبيعية باختراقها إلى داخل المبنى، والتي استوحاها من مرور أشعة الشمس عبر سعف أشجار النخيل المتداخلة التي كان يتم استخدامها في سقف المنازل التقليدية، فتُشكّل رقصة جميلة بين الظل والنور وتكوين أشكال وألوان آية في الجمال، ويأتي نمط السقف المعقد نتيجة للتصميم الهندسي نفسه، والذي يتكرر بأحجام وزوايا مختلفة ضمن عشر طبقات، خمس منها خارجية وخمس داخلية، الأمر الذي يعطي القبة شكلاً دقيقاً وفنياً مبدعاً، وتحمي القبة الشبكية الزوار من حرارة الشمس العالية وتسمح في الوقت نفسه بنفاذ الضوء إلى جميع الغرف ومنحها الإضاءة والوهج الطبيعي. يعد المتحف ثمرة اتفاق تعاون بين حكومتي الإمارات وفرنسا، والذي بموجبه تمت إعارة اسم متحف اللوفر الباريسي لمدة 30 عاماً وستة أشهر. وتحت مظلّة هذه الشراكة الاستراتيجية، ويسلط الضوء على أوجه التشابه والتبادلات الناشئة عن التجربة الإنسانية المشتركة التي تتجاوز حدود الجغرافيا، والجنسية والتاريخ، كما يعرض أعمالاً فنية، ومخطوطات، وموضوعات تتميز بأهميتها التاريخية والثقافية والاجتماعية، وتأتي الأعمال المعروضة في المتحف من مجتمعات وثقافات متنوعة من جميع أنحاء العالم، ويتم تسليط الضوء بشكل خاص على الموضوعات العالمية والمشتركة بهدف إبراز الأوجه التي تتلاقى فيها التجارب الإنسانية التي تتجاوز حدود الجغرافيا والأعراق والتاريخ.
مشاركة :