إن المشهد السريالي البائس والمضحك والمحزن الذي يظهر على الساحة نتاج كافة الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تدعي تارة أنها تقاوم، وتارة أخرى أنها تجاهد، لهو أبلغ وأعظم شهادة على الإفلاس الذي هي فيه؛ فالحراك الدموي الممارَس من قبل ميليشيات حزب الله الإرهابي التكفيري في سوريا دخل سنته الخامسة الآن ولا يزال زعيم هذا التنظيم الإرهابي التكفيري حسن نصر الله يقول إنه «مقاوم» في سوريا، وهو في واقع الأمر لا يفعل شيئا سوى ممارسة دور المرتزقة في الدفاع عن نظام مجرم، وأصبح بالتالي بندقية رخيصة للإيجار. الشيء نفسه من الممكن أن يقال عن الجماعات الإرهابية التكفيرية المختلفة الموجودة في مصر اليوم، والمسماة «أنصار بيت المقدس» التي توجد على بعد أمتار قليلة من الحدود مع إسرائيل «العدو الصهيوني الغاشم»، ولكنها لا تجرؤ على الاقتراب منه، ولا من جنوده، وتفضل القيام بعمليات إرهابية وقتل ضباط وجنود الجيش المصري بشكل غادر وخسيس، وتسميها بكل وقاحة «جهادا». هذا هو المشهد الذي على العالم العربي أن يواجهه اليوم لجماعات خطفت الدين وتعبث بأهم مبادئه. لقد تم إعلان الحرب على أكبر الدول العربية؛ مصر، من قبل الجماعات المتشددة، فالإجرام الحاصل اليوم على أرض مصر من قبل الجماعات التكفيرية المتشددة والإعلانات والبيانات المصاحبة لهذا الحراك الدموي بات منه هدف وغاية واضحة هي إسقاط الدولة المصرية بإنهاكها وتدميرها، وليس بخاف حجم «التأييد» الإعلامي الصريح من إحدى أكبر الفضائيات العربية، التي باتت تغطيتها لأحداث ما تصر على تسميته بـ«الانقلاب العسكري» في مصر، وإظهار الصوت المعارض له، بمساحات عريضة جدا وغريبة للغاية، وتبث بشكل حصري وفوري شريط العملية الإرهابية الأخيرة التي حصلت في سيناء، ويستمر مع هذه الحملة الإعلامية تمويل مريب، وبالتالي أصبح المشهد لا علاقة له أبدا بدعم «الديمقراطية»، ولكنه إعلان حرب صريح لإسقاط البلد لصالح فصيل واحد بعينه، الذي هدد بصريح العبارة ذات يوم على لسان محمد البلتاجي، أحد أبرز قادته الذي قال في تعليق على الأحداث الإرهابية في سيناء التي كانت وقتها مليئة بتفجيرات واغتيالات موجهة ضد جنود الجيش المصري: «لن تقف هذه العمليات في سيناء حتى يعود عهد مرسي للحكم». وخرج من رحم «الإخوان» حركات شرسة ومتوحشة كلها تدعو «للجهاد» ضد العدو، والعدو هو الجيش المصري وليس إسرائيل التي تقع على بعد أمتار قليلة. حتى حماس كانت تصريحاتها تقدم الانتماء الإخواني على الأمن القومي، وقدمت العون لمحمد مرسي وجماعته على المقاومة نفسها. هذا المشهد الخطير وخطف العقل العربي، والعقل الديني العربي تحديدا، بهلوسة «المقاومة» في سوريا وخرافة «الجهاد» في مصر، دليل عميق وجديد وخطير على حجم المشكلة، بل الكارثة التي يغرق فيها العقل العربي في أوحال من الجهل والضلال ليصبح أسيرا لأكاذيب وأساطير حولته إلى جزء من قطيع مسير بالأغلال إلى حقول الموت، وهو المشهد الحاصل الآن. هذا القطيع لم يعد خطرا على نفسه ولا على محيطه، بل أصبح خطرا عالميا أشبه بالفيروسات والحركات المدمرة التي لا مجال للتعامل معها إلا بالتخلص منها. المشهد أصبح خطيرا جدا، ويتخطى «المشاهدة» على شاشات التلفزيون، لأنه يمتد وينتشر حتى يطال كل المدن العربية إذا لم يتم التصدي له بجدية.
مشاركة :