عند جنوب شرق آسيا، ثمّة بلاد تجتمع فيها عراقة تاريخ وجمال مكان. إنها فيتنام، التي تسحر بمفاتن طبيعتها الخلابة أصحاب الألباب إلى الحد الذي لن يخطر ببالك ولو لبرهة أن هذه البقعة من الأرض شهدت حروباً طويلة «هلهلت» اقتصادها وبناها التحتية ونسيجها الاجتماعي حتى صنّفتها مؤسسات دولية حينذاك بأنها الأفقر عالمياً.إحساس غريب انتابني حين بدأت طائرة الخطوط الجوية الإماراتية تحلّق على ارتفاع منخفض فوق سماء العاصمة هانوي، استعداداً للهبوط، حيث كانت النظرة من النافذة الصغيرة تحكي قصصاً كبيرة عن البلد التي تعيش في ذاكرة «هوليوود» أفلاماً تظهر قبح حرب شنّها الأميركيون في ستيينات القرن الماضي، وتصوّر حضارة وتراثاً وأساطير ضاربة في عمق التاريخ.لقد حوّل أصحاب القبعات المخروطية البلد الذي كانت رائحة الموت والفقر والخراب تنتشر في كل زاوية منه إلى مروج خضراء تنبض بالحياة، ليصبح أحد النمور الاقتصادية الآسيوية، وجعلت منتجاته عالية الجودة تغزو أسواق دول صناعية كبرى مثل الصين والولايات المتحدة، ودفعته لتحقيق معدلات نمو بلغت في الربع الأول من العام الحالي نحو 7.3 في المئة، وهو الأعلى منذ 10 سنوات.لقد تركت الأيام الخمسة التي قضاها وفد إعلامي كويتي ما بين شمال فيتنام وجنوبها انطباعات إيجابية جداً، وربما لن تكف هذه الأسطر لنقل الصورة كاملة لإقناعك بزيارة فيتنام لكن فلتثق أن «من سمع ليس كمن رأى».هانويبدأت رحلتنا من الشمال، من العاصمة هانوي، وجه فيتنام المشرق، حيث ترسم البحيرات المترامية على أطرافها لوحات فنية يعجز عن إبداعها فنان، مدينة تعجع بالحياة وتحتضن إرثاً كبيراً من الحضارة والثقافة، في معبد الأدب الذي يشغل مكان أقدم جامعة، إلى جانب متحف التاريخ الوطني، والمتحف الوطني للسلالات (الأعراق)، والمتحف الوطني للفنون الجميلة، ومتحف الثورة، وليس ببعيد عنها ضريح الزعيم المعروف قائد الاستقلال، هوشي منه، ومعبد بحيرة هان كيم الذي شيّد على جزيرة صغيرة ليخلد ذكرى السلحفاة الذهبية التي خطفت سيف الملك في القرن الـ 15 الذي مكّنه من طرد الصينيين لتعيده للإله في أعماق البحيرة فسميت بحيرة السيف العائد.ولعل الأمر الذي لفت انتباهي لدى تجولنا في أسواق هانوي، حيوية الشارع الفيتنامي الذي يشكل مسرحاً لكل أنواع النشاطات، فمن صانع حلوة هناك إلى بائع فاكهة هنا، وبينهما طاه ينتج ألذّ الأطباق المحلية، إذ يسهر الجميع على الأغاني الشعبية التي يشدو بها الأطفال وهم يلعبون ألعابهم التراثية مع آبائهم في شوارع المدينة المعروفة بتأثّر أبنيتها بالطراز الفرنسي، بعيداً عن صخب التكنولوجيا والإنترنت والهواتف الذكية.ليس صعباً، وأنت سائح تمشي في شوارع المدينة أو تجلس في مطعم أو تمرّ في أزقتها القديمة، أن تلمس البساطة والتواضع والرغبة في مساعدتك بالتعرف على مدنهم، وحضارتهم وتاريخهم الذي يعتزون به. خليج هالونغقادنا طريق تنتشر على جنباته حقول الأرزعلى طول مسافة 160 كيلومتراً، إلى خليج هالونغ، إحدى عجائب الدنيا الطبيعية السبع، حيث حملتنا سفينة سياحية تقليدية في جولة لاستكشاف البقعة الخلابة من الطبيعة التي أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، وبدأ مرشدنا السياحي دوغ يستعرض مفاتن هذه المنطقة التي تحتوي على أكثر من ألفي جزيرة صغيرة تتكون من جبال كلسية، مجوفة من داخلها وتحتوي على شبكة كهوف تأسر الألباب.ويروي دوغ ما يحفظه عن السكان المحليين من أسطورة عن جزر هالونغ الصخرية، تقول إنه ومنذ آلاف السنين حين أتى الصينيون لاحتلال فيتنام، قام الإمبراطور بإرسال تنين ليساعدهم على مواجهة الصينيين، فقام هذا التنين بنفث آلاف اللآلئ، والتي تحولت إلى صخور لتمنع الصينيين من التقدم.هوشي منهلعل الانطباع الأول الذي يطبع في ذهن زائر هوشي منه بجنوب فيتنام على ضفة نهر سايغون، هو الحماس والإثارة من المدينة التي تجمع عراقة الماضي السحيق والمستقبل الواعد والتطور الاقتصادي، إذ يظهر ذلك جلياً في المتاحف والمعابد والكنائس والمحال الخشبية والأبراج وناطحات السحاب الحديثة كبرج «بيتيكسكو» المالي والمطاعم الكبرى، ودور الأوبرا، والأسواق الشعبية.كن متأكداً وأنت تحاول الوصول إلى مكتب البريد العام، سيشد انتباهك كثرة الإعلانات ومحال الماركات العالية المشهورة، وستصادفك مئات من الدراجات النارية تجوب الشوارع في جميع الاتجاهات في مشهد مهول تكاد تظن للحظة أنها تدار بـ «الريموت» لدقة وحذاقة سائقيها.«Cu Chi» كسرت شوكة أقوى الجيوشخلال الحرب في فيتنام، عاش الآلاف من الناس في منطقة «Cu Chi» الفيتنامية في شبكة معقّدة من الأنفاق السرية تحت الأرض، والتي استخدمها مقاتلو الفيتكونغ لإخفاء آثارهم أثناء القتال، فضلاً عن استخدامها في النقل والإمداد وبعضها مخابئ للأسلحة وأماكن المعيشة لمقاتلي حرب العصابات، وقد لعبت دوراً رئيسياً في انتصارهم وكسرهم لشوكة أقوى جيوش العالم.لقد وقعت الولايات المتحدة في حيرة من أمرها بعد أن فقدت مئات من جنودها في هذه المناطق المغطاة بأشجار معمرة، حيث كانت أصوات رصاصات تُسمع ليلاً في محيط خيام معسكراتهم، ليكتشفوا في صباح اليوم التالي جثثاً لضبّاط قتلوا ليلاً، ما دفعها إلى تدمير هذه الغابات وحرقها بقنابل النابالم، لكنهم ومن وسط هذه الغابات ومضت فوّهات مسدسات الفيتناميين بعزيمة لا تلين، وعادوا إلى الحياة مرة أخرى.حرب تفرّق وحذاء يجمععلى الرغم من أن الحرب الضروس فرقت بين فيتنام والولايات المتحدة إلا أن أحذية «نايك» و«أديداس» قد جمعتهما اقتصادياً، إذ عملت «أديداس» ومنذ مطلع العام 2010 على تخفيض خط إنتاجها في الصين لأنه بات مكلفاً بسبب ارتفاع أجور اليد العاملة هناك، ولاسيما الماهرة منها، ووجهت نظرها نحو فيتنام، إذا إنها تنتج في فيتنام ضعف ما تفعل في الصين، كما أن «نايك» حذت حذو منافستها لتعزيز أرباحها.ثاني أكبر منتج للقهوة والأرزتعتبر فيتنام ثاني أكبر مصدّر للأرز بعد تايلند، وثاني أكبر منتج للقهوة بعد البرازيل، كما أنها معروفة بزراعة الشاي منذ أكثر من 2000 عام، وصناعة اللؤلؤ، كما تعتبر مصدراً كبيراً للمنتجات البحرية، والكاشيو، والبوكسيت (خام الألمنيوم).عمالقة التكنولوجياعملت كثير من الشركات المشهورة عالمياً في صناعة التكنولوجيا على افتتاح مصانع لها في فيتنام مستغلة التسهيلات التي تمنحها الدولة ورخص العمالة الماهرة والمدربة، حيث قامت شركة «إنتل» التي تعد أكبر مصنع رقائق للكمبيوتر في العالم بافتتاح مصنع في مدينة هوشي منه تبلغ قيمته نحو مليار دولار، كما حولت شركة هواتف ميكروسوفت تصنيعها إلى العاصمة هانوي تاركة الصين، وشركة «وينتيك» التي تمد «آبل» بالشاشات تقوم أيضاً بأعمالها انطلاقاً من فيتنام.وتصنّع شركة «إل جي» كل منتجاتها بدئاً من الهواتف المحمولة إلى التلفاز في هايفونغ، ثالث أكبر مدينة في فيتنام، كما أن شركة «سامسونغ» التي قدّمت لها فيتنام إعفاء ضريبياً لنحو 30 سنة قامت بتجميع مايقرب من ثلث هواتفها المحمولة هناك.ألوان... النساءتمتاز سيدات فيتنام بالوضوح التام. فلكل لون ترتديه النساء في هذ البلد الودود معنى محدد، فالمرأة التي تلبس فستاناً أبيض تُعرف بأنها تبحث عن زوج، في حين تود الفتاة التي ترتدي الأصفر أو الأزرق الإشارة إلى أنها مرتبطة عاطفياً.أما اللون الأسود، فيعني أن المرأة التي ترتديه قد فقدت زوجها، وتعيش في حالة من الحزن، بينما يعني اللون الأحمر أن صاحبته تعيش لحظات سعيدة.«الإماراتية» تدعم السياحة الفيتناميةتدعم طيران الإمارات حركة السياحة والتجارة بين الكويت وفيتنام، مع التركيز بشكل خاص على مدينة هو شي منه، حيث وقّعت اتفاقية تسويق عالمية لتعزيز السياحة إلى هذه المدينة من الكويت.وترأس رئيس اللجنة الشعبية لمدينة هو شي منه، نغوين ثان فونج، وفداً زار الكويت، بالمشاركة ووزارة السياحة ووزارة الخارجية والاستثمار ودائرة الترويج التجاري في مدينة هو شي منه وسفارة فيتنام في الكويت، وبالتعاون مع عدد من ممثلي الوزارات في الكويت وشركاء تجاريين من كلتا الدولتين، حيث أقاموا مؤتمراً حول «التجارة والاستثمار والترويج السياحي في مدينة هو شي منه». ووقعت طيران الإمارات خلال المؤتمر مذكرة تفاهم لتسهيل حركة السياحة والتجارة مع أكبر المدن الفيتنامية مساحة وأكثرها استقطاباً للسياح.ولفتت الناقلة إلى أنها تتعاون مع مركز الترويج السياحي لمدينة هو شي منه للتسويق لهذه المدينة كوجهة سياحية وتجارية.ووقّع الاتفاقية مدير «الإماراتية» في الكويت والعراق، عمر البنّا، ومدير مركز الترويج السياحي لمدينة هوشي منه، لو ترونج هيان هوا، بحضور كبار المسؤولين الفيتناميين. وقال البنّا «تعد فيتنام إحدى الوجهات الرئيسة لـ (الإماراتية) ويسعدنا دعم الأنشطة الترويجية المشتركة التي من شأنها تعزيز حركة السفر إليها من الكويت، وخصوصاً إلى مدينة هو شي منه. وتشكل هذه الاتفاقية جزءاً من مجموعة نشاطات من شأنها أن توطد العلاقة بين فيتنام والكويت».
مشاركة :