الشارقة: علاء الدين محمود شهد قصر الثقافة في الشارقة، مساء أمس، انطلاقة فعاليات الدورة الرابعة عشرة من مهرجان الإمارات لمسرح الطفل الذي تنظمه جمعية المسرحيين، ويستمر حتى 27 من الشهر الجاري، بحضور إسماعيل عبد الله، رئيس مجلس إدارة الجمعية ورئيس المهرجان، وأحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح في دائرة الثقافة، وأحمد الجسمي نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية، وحبيب غلوم مدير المهرجان.في بداية حفل الافتتاح تم عرض فيلم توثيقي حول المهرجان منذ بداياته، وأهم المراحل التي مر بها، والتطورات التي شهدها، والإنجازات التي حققها، حتى وصوله إلى دورته الحالية، ووجه القائمون على المهرجان تحية للراحل الدكتور يحيى الحاج، لإسهاماته في المسرح الإماراتي، ووصفوا المهرجان بأنه يستكمل أحلام الحاج الكبيرة.وأعلن المهرجان عن فوز فرقة مسرح رأس الخيمة بجائزة الفرقة المسرحة المتميزة في هذا العام، وهي الجائزة التي تقدمها الجمعية لأحسن فرقة أداءًَ وحضوراً ومساهمة في الأنشطة المحلية والخارجية، كما أعلن عن أسماء لجنة التحكيم، وهم: د. حبيب غلوم، ومحمد سعيد السلطي، وسمير خوالدة، ومحمد الغص، وعدنان سلوم، فضلاً عن لجنة تحكيم من الأطفال التي تتكون من: الريم عبدالله سيف الشامسي، سارة طاهر محمد عبد الله، وشهد محمد حسن آل علي، وسوف تعاين لجنة التحكيم سبعة عروض تتنافس على جوائز هذه الدورة، وهي: «مملكة الفئران» لمسرح الفجيرة، «مدينة الألوان» لمسرح دبي الشعبي، «أكوانيا» للمسرح الحديث بالشارقة، «المهرجان» لجمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح، «آرتف» لجمعية دبا الفجيرة للثقافة والفنون، «اللعبة» لمسرح بني ياس، و«مصنع البطاطا» لمسرح دبي الأهلي.وكرم المهرجان شخصية العام لهذه الدورة، الفنان حميد سمبيج، وجرى عرض فيلم توثيقي يستعرض مسيرة سمبيج الطويلة مع المسرح، والحافلة بالإنجازات، والتي تكللت بآثار فنية بارزة في تاريخ المسرح الإماراتي.حصل سمبيج على دبلوم المعهد العالي للمسرح في مصر، وله تجربة مميزة في الإشراف على أنشطة المسرح المدرسي، وهو حاضر في معظم المهرجانات المحلية، وقد مارس أنشطة فنية متعددة، في التمثيل والإخراج في المسرح الجامعي، وتلقى عدة تكريمات في مهرجانات وطنية كبيرة، ومن أشهر الأعمال التي شارك فيها: «الله يكون في العون»، و«مأساة بائع الدبس الفقير»، و«رأس المملوك جابر»، و«جميلة»، و«قبر الولي» و«غاب القط»، و«كلهم أبنائي»، و«غشمرة»، و«أنت لست مارا»، و«لا تقصص رؤياك»، و«غصة عبور»، و«المجنون»، كما شارك ممثلاً في مسرحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، وفي الكثير من مسرحيات الأطفال، وهو عضو دائم في مجلس إدارة مسرح الشارقة الوطني.وجاء عرض الافتتاح بعنوان «اللعبة» من إنتاج مسرح بني ياس، تأليف وإخراج الفنان مرعي الحليان، وهو يحمل كل مقومات العمل الفني الجمالي المكتمل، حيث خدم المخرج عرضه بكل التقنيات المعروفة، ليقدم عملاً متميزاً حقق شرط الفرجة، حيث تجاوب معه الجمهور كثيراً، ورغم طول مدة العرض التي تخطت الساعة، إلا أن الملل لم يتسرب إلى نفوس الأطفال وبقية الحضور، حيث ظلوا مشدودين إليه، وذلك للحيل والأساليب التشويقية المتمثلة في التوظيف الخلاق المبدع لعناصر السينوغرافيا، والمزج بين مسرح العرائس ووسائل العرض الكلاسيكي، ورغم وجود بعض الأفكار والرؤى الفلسفية التي ربما تصعب على الأطفال، إلا أن الحلول الإخراجية أسهمت في تمرير تلك الأفكار عبر قوة الأداء التمثيلي، وتوظيف العناصر والمفردات المسرحية.ينفتح العرض على مشهد دمية على هيئة شاب يقدم نفسه للجمهور بوصفه مسؤول المسرحية، وأنه كان ينوي تقديم العرض لكن الخلافات والحسد المستشري بين الممثلين جعله يقرر إلغاءه، وقد حضر إلى الخشبة ليعتذر للجمهور، وعندما يخرج تندفع إلى داخل الخشبة فتاة ترتدي ثوباً على شكل سلحفاة، وتدفع عربة عليها قطع من الكيك المدور، وتدخل أخرى تتقمص هيئة الزرافة وتتخاصمان فيظهر الخلاف بينهما، فالزرافة مدللة متفاخرة بطولها وجمالها، والسلحفاة تحسدها على ما هي عليه، ثم يدخل فتى يتخفى في شكل أرنب، ويقع هو الآخر في خلاف مع المرأتين، فيسخر من بطء السلحفاة وقصرها، ومن طول الزرافة، ويأتي فتى رابع على هيئة فأر ضخم تثير رؤيته الضحك، وخامس على شكل أسد عجوز يحمل جيتاراً، وهو يعزف عليه طوال الوقت لكن عزفه يتحول إلى مصدر لسخرية الفأر والأرنب والزرافة، بينما تعطف عليه السلحفاة، وتواسيه لكبر سنه وضعفه، ومن جديد يتدخل «المسؤول الدمية» معلناً أنه سوف يوقف العرض إذا لم تنه تلك الشخصيات خلافاتها، وتعمل كفريق واحد، وتحت التهديد، تعتذر تلك الشخصيات، وتقرر تجاوز مشاكلها، وإقامة علاقة محبة وود بينها جميعاً، ثم تقرر العمل معاً في صناعة وبيع الكيك، فتتولى الزرافة خبز العجين، والفأر جلب السكاكر من السوق، والسلحفاة استقبال الطلبات وتجهيزها، ويتولى الأرنب إيصالها إلى أصحابها، واستلام النقود منهم، ويسير العمل بطريقة جيدة تجعلهم يربحون، ويتقاسمون الأجر، ويفكرون في توسيع المشروع، لكن الثعلب يتدخل فيفسد القلوب، ويعيدها إلى التباغض والحسد، ما ينتج عنه انسحاب الزرافة والفأر والأرنب من العمل، فتبقى السلحفاة والأسد العجوز وحدهما لا يستطيعان فعل شيء، ويغري الثعلب الزرافة والأرنب والفأر بالعمل معه، في مخبزه الجديد، لكنه يستغلهم أبشع استغلال، ويكتشفون أنهم خدعوا، وأنهم خرجوا من جنة السلحفاة إلى جحيم الثعلب، وتجد السلحفاة والأسد في طلب أصدقائهما، وفي النهاية يعثران عليهم مطمورين تحت أنقاض مخبز الثعلب المتهالك، وقد قاربوا على الموت، فيذهبان بهم إلى مخبزهم القديم، وهناك يستأنفون العمل، ويستعيدون أحلامهم الكبيرةونلاحظ ذلك النقاش الحاد الذي جرى بين مقدم العرض والحيوانات، عندما احتجوا على ظهور الثعلب في حياتهم رغم أنه لم يكن جزءاً من العرض، حيث إن حياتهم كانت تسير في خير ومحبة، بعد أن تخلصوا من الحسد، وصاروا يحبون ويحترمون بعضهم بعضاً، ويحبون الآخرين، لكن مدير العرض يوضح لهم أن الحياة لا تسير هكذا، فلابد من وجود التحديات والصعاب التي تختبر وتمتحن هذه المحبة، حينها يتشكل لدى الإنسان الحافز لمواجهة الحياة، فالعرض يقدم الكثير من القيم والدلالات بشكل غير مباشر. هذه النقلات والحوارات التي شهدها العرض لتعزيز فكرته، أسهمت كثيراً في نجاحه، فإلى جانب الحلول الإخراجية، والاستخدام المميز لعناصر السينوغرافيا، فإن من أكبر نقاط قوة العرض هو الحضور الباهر للممثلين من خلال حركتهم في المسرح، ولغتهم العربية الفصحى السليمة، والمهارة الكبيرة في مخارج الحروف. ولعب كل من بدور الساعي «السلحفاة»، وخميس اليمامي «الأسد العجوز»، وبدر البلوش «الثعلب»، وحميد عبد الله «الفأر»، ومحمد اسحاق «الأرنب»، وسمية الداهش «الزرافة»، الدور الأبرز في عرض فرجوي حقيقي. تطور كبير قال إسماعيل عبد الله ل«الخليج»، إن المهرجان يشهد تطوراً كبيراً، نتيجة الإقبال الجماهيري، لذلك فإن المشتغلين بالمسرح سعداء بهذا الجمهور، ويشعرون بالفرح نتيجة لنضوج التجربة. اليوم يستطيع المسرحيون في الإمارات أن يراهنوا على ما لديهم من مسرح متميز للطفل، تخلص من الترهل وسلبيات البدايات الأولى، حيث إنه يسير في خطى الاحتراف، بما يضمه من طاقات مميزة في الإخراج والكتابة والتمثيل وفي كل مفردات العرض المسرحي، وذلك أمر يسعد ويثلج الصدر، ويشير إلى ما وصل إليه المهرجان من مستوى رفيع لم نكن لنصل إليه لولا التوجيه المستمر لصاحب السمو حاكم الشارقة، وكذلك دعمه المادي السخي الذي ظل يبذله للمهرجان حتى بلوغه هذا المستوى الرائع.
مشاركة :