يحيى حقي..سنوات من الكتابة بأسماء مستعارة

  • 12/22/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة : الخليج يواجه الباحث في أعمال يحيى حقي مشكلة كبرى، اعترف بها هو نفسه، فقد كان كثيرا ما يوقع على مقالاته وكتاباته بأسماء مستعارة، فمرة يوقع باسم «بيب» أو «قصير» أو «عبد الرحمن بن حسن» أو «عابر سبيل» أو«شاكر فضله» وعلى الباحث أن يلهث وراء هذه الأسماء في العديد من الدوريات، لكن لماذا هذه الرموز؟ يجيب يحيى حقي قائلا: «فعلت هذا لأنني كنت أؤمن في تلك العهود بأن الكاتب يكفيه أن يقحم رأيه على قرائه، وأن يقحم نفسه عليه فوق البيعة أو لعلي توهمت أن وراء التستر حرية تتيح لي أن أخوض كما أشاء في سيرة أصدقائي أو أنبش عش زنابير دون أن يسيح دمها، سمها إن شئت تواضعا وحكمة أو جبنا وقلة وثوق في النفس». يوضح محمود علي في كتابه «يحيى حقي.. الأعمال المجهولة والمنسية» إلى هذه الأسباب، أسبابا أخرى، منها أنه كان يخشى على نفسه من الاتهام بأنه «أصاب الأدب»، وهي مهنة من لا مهنة له، وذلك على حساب مستقبله كمحامٍ، أو لم يسبق لمحمد حسين هيكل أن وقع روايته«زينب«باسم» فلاح مصري»، وربما كان هذا أحد دوافعه في أن يسجل خواطره بعد أن صار للأديب مكانته في المجتمع، خاصة أن تجارب جيله من رواد القصة القصيرة لا نعرف عنها الكثير، بل إنه يتساءل عن معاصره«عيسى عبيد» في كتاب«فجر القصة القصيرة» من هو؟ وما خبره؟ وما مصيره هو وشحاتة عبيد؟كان عباس خضر يرى أن أعمال يحيى حقي المبكرة «تمثل طور بدء حائر يحاول الكاتب فيه أن يعرف طريقه»، والواقع أن بعضا من هذا الإنتاج المبكر بدأ يأخذ طريقه للنشر، على استحياء، وكان يحيى حقي قد اختار ثلاثا منها في مجموعة «دماء وطين»، وعلى هذا كما يقول أحد النقاد ستظل أي دراسة لتطور أدب يحيى حقي القصصي ناقصة حتى تكون البدايات الحقيقية في تناول الباحثين، من هنا تأتي أهمية البحث عن الجذور، الكتابات الأولى التي شكلت جزءا مهما من مسيرة يحيى حقي، وسوف نجد أن تراثه ليس مقصورا على القصة القصيرة فقط، بل على المقالات والترجمات التي يكشف عنها محمود علي في هذا الكتاب لأول مرة، المنسي منها والمجهول، والتي ربما ضاعت من ذاكرة الكاتب الكبير نفسه. أول هذه الأعمال المنسية رواية «العفريت»، وهي رواية مترجمة، أنجزها يحيى حقي في سن السابعة عشرة قبل التحاقه بمدرسة الحقوق يقول:«بدأت أكتب في سن مبكرة حوالي السادسة عشرة، ومعظم تلك المرحلة تجارب ساذجة لم أهتم بجمعها والاحتفاظ بها»، ربما لهذا لم يذكرها ضمن بواكير أعماله الأدبية، تقول مقدمة «العفاريت»: إنها مأخوذة عن الإنجليزية بقلم يحيى حقي ذات أربعة فصول وفي تعريفه بها:رواية الكاتب الإنجليزي بولر ليتون الذائع الصيت وطبعت لأول مرة عام 1859 ولا يزال كتاب الإنجليز يعتبرونها أعظم قصة كتبت عن العفاريت، لأن مؤلفها لم يكتب تخيلا، بل نتيجة أبحاث كثيرة قام بها بنفسه، وقد قال آرثر كونان دويل الكاتب المعروف:«إنها خير ما كتب عن العفاريت».لعل عنوان الرواية - كما يرى محمود علي - يعيد إلينا بعض ذكريات طفولة يحيى حقي نفسه عن حكايات العفاريت والست عزيزة، وما كانت تثيره في نفسه من تساؤلات فلسفية وعلمية بعد ذلك، وفي مقالته«هذا العالم الخفي المجهول» المنشورة في كتاب«كناسة الدكان»، نراه يفصح عن هذه المخاوف والدهشة إزاء عالم الجن والعفاريت، وكانت الصحافة تروج لهذا النوع من الكتابات، تلبية لرغبات القراء، فقد توقفت المجلة في أحد أعدادها عن النشر، ثم عادت لتواصل نشر بقية قصة العفاريت وتعتذر للقراء، أكثر من هذا أن ذلك العالم المجهول عاود يحيى حقي ثانية عام 1926 بنشره في صحيفة «الفجر» قصة «السخرية أو الرجل الأسود» معلنا أنه كتبها تحت تأثير قراءته لإدجار آلان بو الكاتب الأمريكي الشهير بهذا اللون.مع نهاية العشرينيات من القرن الماضي كان يحيى حقي يشتغل بالمحاماة في الإسكندرية، ونشر سلسلة مقالات «في المحكمة» وهي المقالات الوحيدة آنذاك التي وقعها باسمه الحقيقي وهو يحيى حقي المحامي، وتمثل هذه المقالات خبراته الأولى كمحامٍ شاب المحكمة بالنسبة له تختصر العالم بما فيه من ضروب المنازعات واصطدام الأهواء المختلفة، كيف عرف يحيى حقي طريقه إلى الصحافة لنشر سلسلة مقالاته في المحكمة، يقول في كتابه «خليها على الله»: «كان من بين الخطط الاستراتيجية التي وضعتها بحنكة غير المجرب أن أراسل الصحيفة الوحيدة التي تصدر في مدينة الإسكندرية وهي صحيفة وادي النيل».تظل القصة القصيرة هي هوى يحيى حقي الأول، كما يعترف في «كناسة الدكان»، ويأتي إجمالي إنتاجه المنسي منها نقدا وتأليفا في صورتين: الأولى وهي الغالبة تمثل القصة القصيرة والثانية يضعها تحت عنوان فرعي«صور من حياة»، كما في «العسكري»و«الخزنة عليها حارس»، ويضم هذا الكتاب عددا من القصص المنسية مثل«صور من حياة (حلقتين) عبد التواب السجان - نهاية الشيخ مصطفى - الوسائط يا فندم».

مشاركة :