الكتابة تحت أسماء مستعارة، ليست بالظاهرة الجديدة، فقديماً.. استخدم الفيلسوف الفرنسي «فرانسوا ماري أرويه»، اسماً مستعاراً شهيراً وهو «فولتير»، حتى أن الناس لم تعد تعرفه سوى بهذا الاسم، والمعروف أن الروائي الإنجليزي الشهير «جورج إليوت» كان في واقع الأمر امرأة اسمها الحقيقي «ماري آن إيفانس»، ويقال إن السياسي الأمريكي الشهير «بنجامين فرانكلين» قد استخدم في كتاباته ما يقرب من المئة اسم مستعار!، لكن في عصر السماوات المفتوحة والإنترنت والعولمة، هل ما زال هناك ضرورة للكتاب أن يتخفّوا تحت خمار الأسماء المستعارة؟، ألم يعد التخلص من القيود الرقابية أمراً سهلاً؟، «ثقافة اليمامة» استطلعت آراء عدد من الكتاب والشعراء العرب حول الموضوع. الإبداع.. بالاسم الحقيقي! الروائية اللبنانية «د.نرمين الخنسا» قالت ل «ثقافة اليمامة»: «لا شك أن هناك أسباباً عديدة للكتابة تحت أسماء مستعارة، ولعل هذا الأمر مرده إلى ما يواجهه الكتاب في مجتمعات دولهم العربية من قيود، ولا سيما منهم النساء الكاتبات اللواتي يواجهن تحديات أكبر وقيوداً أكثر في هذا المجال، ورغم أننا نعيش في عصر السماوات المفتوحة والعولمة، إلا أن هذه الظاهرة لم تتلاشَ، بل على العكس، هي اليوم في ازدياد مضطرد، وهي اليوم أصبحت ظاهرة أكثر تعقيداً، خاصة في ظل الثورات والنزاعات السياسية، لكن في رأيي الشخصي أظن أنه لا حاجة لنا للكتابة تحت أسماء مستعارة، فلا قيمة للإبداع ولا صدى له إلا بالاسم الحقيقي للكاتب». أما الروائي الجزائري «مولود بن زادي» فيقول: «في عام 1989 بالجزائر، دفعت الرقابة العسكرية الضابط «محمد مولسهول» إلى الكتابة سراً تحت اسم «ياسمينة خضرة» وهو اسم زوجته التي وقفت بجانبه، ونال به شهرة عالمية، لكن في هذا العصر باتت الكتابة رسالة تتطلب الصدق والشجاعة.. شجاعة تحث الأديب على مواجهة مجتمعه، والدفاع عن أفكاره وعن حقه في التعبير عن نفسه بغير قيود، وباسمه الحقيقي». «القشعمي» رصدها فى المملكة! في المملكة.. أكثر الكتاب السعوديين استعمالاً للأسماء المستعارة نذكر منهم عبدالقدوس الأنصاري والذي وقع ب14 اسماً مستعاراً، والقائمة تطول وتكثر، ولعل هذا ما دفع بالشاعر والكاتب السعودي «محمد عبدالرزاق القشعمي» لإصدار كتابه (الأسماء المستعارة للكتّاب السعوديين)، معتبراً أنّه يكرّم فيه أصحاب الأسماء المستعارة عبر الكشف عن هويّاتهم الحقيقية، وقد أصدر من الكتاب طبعة ثانية، أضاف فيها 50 اسماً إلى لائحته السابقة، فكانت النتيجة أنه رصد نحو 450 اسماً مستعاراً على مدى قرن من تاريخ الكتابة فى المملكة، وقال في مقدمته: «أقول إن كشف المستور من تلك الأسماء ليس القصد به الفضح أو التشهير بصاحبه، بل ذكره وشكره، فله الفضل في الجهر بالقول والرأي في وقت لا يستحب الجهر به، فمثلاً الدعوة لتعليم البنات قبل إقرارها بشكل رسمي..». التخفي خلف أسماء نسائية! ذكرنا في المقدمة أن الروائي الإنجليزي الشهير «جورج إليوت» كان في واقع الأمر امرأة، لكن من الغريب أنّ هناك بعض الأدباء الرجال الذين تخفّوا تحت أسماء نسائية!، كالكاتب الكبير إحسان عبدالقدّوس، الذي خطّ عشرات المقالات الموجهة للمرأة تحت توقيع «زوجة أحمد»، أما الكاتب أحمد السباعي (شيخ الصحافة) فكتب في بعض الأحيان باسم «فتاة الحجاز» و«خديجة»، والشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي وقّع بعض قصائده باسم «ليلى»، والقاص إبراهيم البيروتي وقّع رواياته باسم «ميّ الصغيرة». اسم المرأة..عيب! المعضلة الأكبر التي تواجه المرأة الكاتبة/الشاعرة.. هي كتابة اسمها الحقيقي على منتوجها الأدبي والإبداعي، حيث كتبت ميّ زيادة بعدد من الأسماء المستعارة، منها عائدة وإيزيس كوبيا وغيرها، أما «بنت الشاطئ» فهي الكاتبة «عائشة عبدالرحمن»، وحتى اليوم ما زالت بعض النساء الكاتبات/الشاعرات يتمنعن عن النشر بأسمائهنّ الصريحة، بعض الأسباب تعود إلى ممانعة الأهل أو القيود الاجتماعية التي تعتبر اسم المرأة «عيباً»! القاصة السعودية «شيمة الشمري» تقول: «وضع المرأة في مجتمعنا ضبابي، ولعل هذا ما دعاها إلى التخفي تحت اسم مستعار كي تنطلق وتعبر دون قيود، الآن نحن في مرحلة أفضل وإن لم تخطُ المرأة بنفسها خطوة إيجابية لتحقيق ذاتها.. فمن يفعل؟! للأسف في مواقع التواصل نرى الكثير من الأسماء المستعارة، وما نأمله هو أن تظهر الشاعرة والكاتبة باسمها وتمارس حقها في البوح والكتابة»، فيما ترى الكاتبة «سهير المصادفة» أن «ليس هناك كاتبة حقيقية تكتب الآن تحت اسم مستعار، ربما الأمر لدى بعضهن حيلة للشهرة أو الوجود، كانت الكتابة بأسماء مستعارة لها مبرراتها في بداية القرن العشرين أثناء محاولة خروج المرأة من حصار المجتمع، أما الآن فهي فرضية مضحكة كما أرى!». يخبرنا الشاعر السعودي «فيصل أكرم»، بأنه: «في كل زمان ومكان تظل ثمة أمور تضطر الكاتب أن يوقعها باسم مستعار.. حتى ولو كان اسمه الحقيقي معروفاً كعلم؛ وذلك لضرورات تفرضها الظروف أحياناً»، ولعل هذا ما جعل الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية السودانية، محمد بشير أحمد، أن يكتب مقالاً يعترف فيه بأنه هو الذي كان يختبئ وراء اسم «عبدالعزيز حسين الصاوي» طوال ربع قرن من الكتابة حول القضايا الفكرية والسياسية، في المملكة.. يخبرنا التاريخ بأن عدداً من السعوديين، من بينهم بعض الأمراء، كتبوا تحت أسماء مستعارة، فالأمير عبدالله الفيصل كتب تحت اسم «المحروم»، والأمير خالد الفيصل هو «دائم السيف»، والأمير سعد بن سعود هو «منادي». الأميرة المغربية فاطمة أخت الملك الحسن الثاني، كتبت مجموعة من المقالات تحت اسم «باحثة الحاضرة»، أما «غادة الصحراء» فهي الأميرة مشاعل بنت عبدالمحسن آل سعود، وقال عنها بكري شيخ أمين في الحركة الأدبية في المملكة السعودية: «غادة الصحراء» اسم رمزي لفتاة يبدو أنها من الأسر الرفيعة.
مشاركة :