«إمارة البحرين» خلال القرن السادس عشر في ضوء الوثائق العثمانية

  • 12/22/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يُعتبر القرن السادس عشر منعطفا مهما في تاريخ المنطقة ، وبالتحديد في تاريخ الكيانات التي نعرفها الآن ، في ضوء الصراع الذي اندلع بين القوى الدولية والإقليمية الصاعدة (البرتغالية والعثمانية والصفوية) للسيطرة على الخليج بالذات . وفي هذا السياق تُعتبر الوثائق العثمانية مصدرا أساسيا للتعرّف على مصير الكيانات في ضوء الصراع بين القوى المذكورة ، وهو المشروع الكبير الذي اشتغل عليه المؤرخ المتخصّص في التاريخ العثماني د.فاضل بيات ، الباحث في مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة باستانبول(ارسيكا) التابع لمنظمة التعاون الإسلامي ، حيث أصدر منذ أسابيع المجلد السابع من العمل الضخم "البلاد العربية في الوثائق العثمانية" . وقد حرص د. بيات منذ الجزء الأول على تخصيص كل مجلد لموضوع محدد ، ولذلك جاء هذا المجلد ليخدم الباحثين عن "منطقة الخليج في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي". ونظرا لاتساع مفهوم "الوثائق العثمانية" فقد اعتمد د. بيات على "دفاتر المهمة" التي كانت تتضمن الأحكام السلطانية الموجهة إلى الولاة والقضاة في أرجاء الدولة العثمانية ، والتي تتناول مختلف الأمور الإدارية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية ، بناء على ما يرده من تقارير من تلك الأرجاء . وعلى الرغم من العنوان العام لهذا المجلد (منطقة الخليج في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي) إلا أن هذا المجلد يتمتع بقيمة خاصة لما يقدّمه من جديد عن "إمارة البحرين" في ذلك الوقت ، الكيان الوحيد المستقل أو شبه المستقل في تلك الفترة الذي أصبح فجأة بين القوى الثلاثة المتصارعة على المنطقة ، حيث نالت هذه الأمارة لوحدها في هذا المجلد حوالي خمسين صفحة تتعلق بالنصف الثاني للقرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي . وفي الحقيقة إن وثيقتين على الأقل مما لدينا في هذا المجلد وردت في "منشآت السلاطين" لكاتب الديوان السلطاني فريدون أحمد بك التي تضمّنت ما ورد للسلاطين العثمانيين من رسائل وما أرسلوه من رسائل إلى الحكام والولاة ، وكتب عنها المؤرخ الكويتي فيصل الكندري في 1995 ، ولكن الوثائق الجديدة التي تُنشر لأول مرة تعطي صورة أدق للعلاقة بين الدولة العثمانية وإمارة البحرين التي مرّت في عدة أطوار . وتعود الوثيقة الأولى ، التي وردت في "منشآت السلاطين" ، إلى سنة 962 هـ/ 1554م كما يعتقد د. بيات لأنه يرتبط بحدث مهم ألا وهو المعركة التي حدثت آنذاك بين الأسطولين العثماني والبرتغالي في بحر العرب واضطرت السفن العثمانية الباقية إلى التوجه إلى ميناء سورات بالهند وترك المدفعية هناك والتوجه برا إلى استانبول . ففي هذه الرسالة الموجهة من السلطان العثماني سليمان القانوني إلى "حاكم البحرين أحمد خان" يبدو أن حاكم البحرين يحظى بتقدير خاص كما يقول د. بيات ، حيث أن السلطان أضاف إلى اسمه لقب "خان" وأراد الاستئناس برأيه حول مصير المدافع الموجودة في الهند : هل من المناسب نقلها إلى البحرين ومن هناك إلى مصر ؟ وتنتمي الوثيقة الثانية (التي وردت أيضا في "منشآت السلاطين") المؤرخة في 27 ذي الحجة 966 هـ/ 30 أيلول 1559م إلى الطور الأول من العلاقات الجيدة ، خاصة وأن السلطان يطيّب خاطر حاكم البحرين نظرا لأن والي الإحساء قام آنذاك بمحاولة للسيطرة على البحرين وضمّها إلى الولاية دون علم أو أمر من السلطان . ولكن الوثائق الجديدة التي يوردها د. بيات في العثمانية مع ترجمتها العربية تعبّر أكثر عن الطور الثاني الذي اتّسم بتردي العلاقة بين الطرفين ، مما جعل الدولة العثمانية تفكر وتستعد للهجوم على البحرين منذ 975 هـ/ 1568 م كما تشير الوثائق المنشورة . ففي هذا القسم لدينا عدة وثائق تثبت التوتر والتربّص العثماني لوضع البحرين تحت السيطرة المباشرة عن طريق والي الإحساء : جمع المعلومات عن الداخل والأوضاع العسكرية في البحرين وإيجاد السبل لفتحها . ومن ذلك لدينا وثيقة تعود إلى 981هـ/ 1573م تتضمن تقريرا لقاضي الإحساء عن الأوضاع العامة في البحرين ورد فيه الحديث عن "وجود 300 قرية متصلة ببعضها ومن السهولة فتحها" ، إلا أن الباب العالي لم يقتنع بذلك وأرسل أمرا إلى والي الإحساء للتقصي بشكل خفي عن أوضاع البحرين والتأكد عن كيفية فتحها والوقت المناسب لإرسال الجنود وعددهم الخ. وبعد سنتين (983هـ/1575م) لدينا رسالة من والي الإحساء إلى السلطان تكشف عن اتصالات سرية مع بعض الأشخاص الذي يمكن الاعتماد عليهم في المنامة في حال قررت الدولة العثمانية فتح البحرين . ومن شعبان 983 هـ/ نوفمبر 1575م لدينا وثيقتان مهمتان ، تتحدث الأولى عن عدم الاستهانة بقدرات البحرين وتشير الثانية إلى طلب والي الإحساء لأسلحة ومستلزمات عسكرية لفتح البحرين . ويستمر هذا الترصّد والاستعداد لإرسال حملة لفتح البحرين ، حيث تكشف وثيقة أخرى تعود إلى 14 شوال 983 هـ/ 16 يناير 1576م عن أمر إلى والي بغداد تطلب منه خزن المواد الغذائية وعدم إرسال البارود خارج الولاية والاحتفاظ به استعدادا للحملة على البحرين . وتكشف بقية الوثائق عن استمرار هذا الموقف العثماني ، المتمثل في الإعداد لحملة عسكرية على البحرين في الوقت المناسب ، حتى مطلع القرن الحادي عشر الهجري . ففي وثيقة تعود إلى 22 رمضان 1003 هـ/ 31 أيار 1595م ترد رسالة من والي الإحساء إلى السلطان يطلب فيها الموافقة على إرسال الحملة لفتح البحرين ، ولكن ردّ السلطان جاء بأمره بالتمهل "والقيام بذلك في حالة توفي الظروف المناسبة فقط". إن هذه المعلومات المستقاة من الوثائق العثمانية التي تنشر لأول مرة ، والتي تتعلق بالموقف العثماني من إمارة البحرين في النصف الثاني للقرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي ، تكشف عن أهمية المشروع الكبير الذي خصّص له المؤرخ د. بيات العشرين سنة الأخيرة ليوفر للمؤرخين مصدرا مهما عن تاريخ المنطقة ، وهو الذي لا يكتمل سوى بمقارنته مع المصادر البرتغالية والفارسية بطبيعة الحال .

مشاركة :