«حفظ وجهي سائقو سيارات الأجرة، الذين يتجولون في طرقات حيّنا. إلى أين؟ يسأل السائق. فأرد: الأحمدية. وفي مرات: الكويت. يومئ برأسه، ويقول: الأولاد مجدداً.. مشكلة في المدرسة؟ فأرد بدوري: لا مشكلة، فقط، تفقد روتيني. أمضيت أكثر من ثلاثين سنة من حياتي أكرر هذا المشهد. ليس من السهل أن تكون الواحدة منا أمّاً لعشرة صبيان وبنات، جميعهم في المدارس. وأنا بطبعي محبة للعلم. لأنني حرمت منه، وتزوجت صغيرة جداً. تزوجت صغيرة من رجل يكبرني كثيراً. كان الزمن مختلفاً والعادات مختلفة. الزوجة لا تتعرف إلى زوجها قبل إتمام القران. كل شيء يتم بتدبير من العائلة. كم هو محظوظ جيل اليوم. أرى وأسمع شباناً وشابات يتذمرون من أشياء كثيرة. لا ينتبهون إلى النعم التي يحظون بها في هذا الزمن. نعم، ربما كانت الحياة في أزمنة سابقة أكثر هدوءاً، لكنها أيضاً كانت أكثر قسوة. لقد اختبرت هذه القسوة جيداً وأعرف معناها ولم أشأ أن يختبرها أبنائي، ذلك أردت أن أسلحهم بالعلم، حتى يكون لديهم القدرة على الاختيار بعقل راجح والقرار بإرادة صلبة. حين تتسلح بالعلم، لن يجبرك أحد على أن تفعل أمراً لا ترضى عنه. لن يسيرك أحد بل ستقود بنفسك دفة الأمور. كنت أتنقل كل أسبوع بين «مدرسة الكويت»، حيث تدرس البنات وبين «المدرسة الأحمدية»، حيث يدرس الصبيان. ينظر إليّ المدرس ويبتسم. يقول: لم أقابل في حياتي أماً تلهث وراء أبنائها في المدارس كما تفعلين. وكنت أرد: برد الله قلبك يا أستاذ. طمني عنهم؟ «زين»؟ وكان يبتسم ويقول: «زين يا عوشة.. زين». كنت أفرح وأخاف في الوقت ذاته. فلو قال لي أي شيء بخلاف ذلك، لم أكن بأي حال، قادرة على تغيير أي شيء. لن يكون بوسعي أن أسد أية ثغرة يعانون منها، فأنا غير قادرة على تدريسهم. أيضاً الأب كبير في السن، ويتكل في هذا الشأن علي وحدي. وبالطبع لم يكن لدي القدرة أن استعين بأي مدرس خاص في البيت. وحتى لو توفر لي المال، فأي مدرس كان ليرتضي أن يدخل إلى بيت صغير فيه عشرة أولاد وبنات. تعبت كثيراً في حياتي. ضحيت من أجل فلذات كبدي. كافأتني الحياة بوفاء البعض من أبنائي، لكن، ليس الجميع. يقولون إن البنات «أحن» (أكثر حناناً) من الأولاد. هذا صحيح، بالنسبة إليّ. أنظر إلى وجوههن. بعضهن لا يزال في البيت معي. البعض تزوج ولم يوفق وعاد إلى البيت. حين أخرج إلى السوق برفقتهن، لا يصدق الناس أنني الأم. يقولون لي: أنت فعلاً لا تزالين في صباك. ابتسم. على الوجه صبا، ربما، لكنْ في القلب عمر طويل. كما لو أن ألف «سبورة» (لوح في غرفة الصف) أحتاج إليها لكي أعبر عن مشاعري وأستعيد الأوقات الصعبة. أحمد الله بالرغم من كل شيء، أنني أعيش اليوم في زمن، يقدر فيه أولياء الأمور حياتنا وما مررنا به. تأخذني بناتي إلى شاطئ البحر. أنظر من خلف زجاج سيارة الأجرة، كما كنت أفعل دوماً. لقد تغيرت المدينة. الشوارع والأبنية. وتغيرت أنا. لكنني إلى اليوم ما زلت دوماً أنتظر «أن يكون كل شيء.. زين». عوشة علي محمد 66 سنة ربة منزل علمتني الحياة 1 ـــ لا تندم على الإحسان الذي فعلته فهو الأثر الباقي لك 2 ـــ العلم هو السلاح الذي بوسعه أن يحدد مصيرك 3 ـــ فارق العمر الكبير بين الرجل والمرأة في الزواج أمر شائك 4 ـــ الرضا ضروري وإلا تشتت روحك في أفكار سوداء 5 ـــ الأمر «الزين» سيأتي حكماً مهما تأخر يأتي في حلمي 1 ـــ أكتب على لوح الطباشير بقلم الزينة الأحمر 2 ـــ أبحث عن أولادي في ملعب المدرسة وراء الشجرة والجدار 3 ـــ أستقل سيارة أجرة إلى البيت لكنها تأخذني للصحراء 4 ـــ أطرز لبناتي وروداً على مناديل ويعلقنها على النافذة 5 ـــ يسعل زوجي باستمرار لكن صخب الأولاد أعلى من سعالهطباعةEmailÙيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :