لا يمكن أن تكون هذه إشارة جيدة إلى حالة الصحة السياسية في بلادك عندما يعلن الأساقفة، كما فعلوا في بريطانيا، أنهم "سيدعون الله من أجل الوحدة الوطنية - والشجاعة والنزاهة والوضوح لسياسيينا". لو كان هناك ما يستدعي تشكيل حكومة وحدة وطنية أكثر من أي وقت مضى، فمن المؤكد أنه الآن، إذ لم يتبقَ سوى 100 يوم تقريبا على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وليس هناك خطة ثابتة لجعل خروجها منظما. كثيرون يواصلون قراءة طقوس الجنازة على اتفاق الانسحاب الذي أبرمته رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي. لكن الحقيقة تبقى أنه ليس هناك أي اتفاق انسحاب آخر محتمل، لأنه لا يمكن أن يكون هناك أي اتفاق آخر، عدا على تعديلات هامشية وتافهة في غالب الأمر. فات الأوان كثيرا على الجدال، كما لا يزال يفعل بعضهم، لمصلحة "الجدار الاستنادي" – الحل الاحتياطي لتجنب حدود مادية في إيرلندا - عن طريق دفع السؤال إلى محادثات العلاقات المستقبلية، أو الإصرار على تحديد موعد نهائي، أو على آلية خروج من طرف واحد. جميعها تتطلب درجة من الثقة بأن المملكة المتحدة لن تسيء استغلال مساحة المناورة هذه، التي لا وجود لها لأن سلوك المملكة المتحدة أدى إلى تآكلها منذ فترة طويلة. "الخيار الوحيد غير التافه الذي ربما يبقى متاحا هو ما إذا كانت خطة الجدار الاستنادي مُحددة لإيرلندا الشمالية، أو على مستوى المملكة المتحدة، وربما يُمكن الحفاظ على هذا الخيار بشكل أكثر وضوحا وتأجيله للمستقبل". بالتالي، كانت رئيسة الوزراء على حق تماما عندما قالت في خطاب تدافع فيه عن اتفاقها أمام البرلمان "كثير من الجوانب الأكثر إثارة للجدل في هذا الاتفاق - بما في ذلك خطة الجدار الاستنادي - هي ببساطة حقائق لا مفر منها للحصول على خروج بريطانيا الذي تم التفاوض عليه "..." إذا كانت لدينا الإرادة للغايات، يجب أن تكون لدينا أيضا الإرادة للوسائل". من الخطأ حتى التفكير في هذا الأمر على أنه "اتفاق ماي" إلا بقدر إشرافها عليه وفي الغالب، على عكس كثير من منتقديها، تفهمت القيود وتقبلتها. اتفاق الانسحاب هو ببساطة ما سيبدو عليه أي خروج من الاتحاد الأوروبي تم التفاوض عليه، بغض النظر عمن يضع توقيع المملكة المتحدة على سطر التوقيع المنقط. أولئك الذين يطالبون بنوع معين من اتفاقية التجارة المستقبلية - "النرويج بلاس" Norway plus، أو "كندا بلاس"، أو سياسة حزب العمال التي تتحدث عن وجود اتحاد جمركي دائم يتبع لوائح السوق الموحدة عن كثب - يرتكبون خطأ فئويا. لن يتم التفاوض على أي من هذه الخيارات طويلة الأجل إلا بعد خروج بريطانيا، وفقط إذا تم توقيع اتفاق انسحاب "أي الصفقة المطروحة" أولا وتم ختمه. الخيارات التي تواجه البلاد الآن هي في الواقع ثلاثة فقط. أحدها هو خروج بريطانيا الذي تم التفاوض عليه، الذي سيأخذ شكل اتفاق الانسحاب الحالي أو ما يشبهه تقريبا، وسيفتح الطريق أمام إنهاء المحادثات حول العلاقات الدائمة في مرحلة ما في المستقبل. الثاني هو خروج بريطانيا بدون التوصل إلى اتفاق. والثالث هو البقاء في الاتحاد الأوروبي. وبما أن الشكل الذي يجب أن يتخذه اتفاق الانسحاب كان متوقعا منذ فترة طويلة، فإن السياسيين الذين صوتوا لتفعيل المادة 50 ويطالبون الآن بإجراء استفتاء آخر هم مذنبون إما بنفاقهم وإما بانعدام كفاءتهم، أو كليهما. بالتالي، الطريقة الوحيدة المعقولة للخروج من الاتحاد الأوروبي هي إقرار اتفاق الانسحاب الوحيد الممكن من أجل الانتقال إلى الجزء الصعب من المهمة، وهو تحديد الأهداف بشأن العلاقة الدائمة الجديدة والتفاوض عليها. بحسب ما هو الحال، ماي ليس لديها أصوات كافية بين حلفائها لفعل ذلك، ونواب المعارضة ضده. وقد تكون حكومة الوحدة الوطنية هي السبيل الوحيدة لتغيير ذلك. زعيم حزب العمال، جيرمي كوربين، يريد قبل كل شيء إجراء انتخابات عامة فورية. هناك علامات تدل على أن ماي تريد ذلك أيضا. فهذه، على أي حال، فرصتها الوحيدة للبقاء في السلطة لفترة أطول. لذلك هناك صفقة يمكن التوصل إليها، بحيث يأتي كوربين لدعم الاتفاق في مقابل إجراء انتخابات عامة. المشكلة هي كيف يمكن أن يثق بمثل هذا العرض، إن كان سيتم. ستعطي حكومة الوحدة الوطنية الجواب. حكومة الوحدة الوطنية هذه سيكون معترفا بها لفترة قصيرة. سيتم تشكيلها بشكل صريح فقط لمساعدة البلاد عند خروجها من الاتحاد الأوروبي، وسيتم حلها بعد فترة قصيرة لإفساح المجال لانتخابات عامة - ربما ليتزامن ذلك مع الانتخابات المحلية في إنجلترا وإيرلندا الشمالية في الثاني من أيار (مايو). لن يكون من مصلحة أي طرف تمديدها إلى ما بعد ذلك على أي حال، لذا الوعد بإجراء انتخابات سيكون ذا صدقية. لن يكون لحكومة الوحدة الوطنية سوى نقطتين في جدول أعمالها تتعدى نطاق الواجبات. أولا، إقرار اتفاق الانسحاب. ثانياً، الوعد والتمهيد لحملة انتخابية يسعى فيها كل حزب إلى تفويض شعبي لمقترحاته الخاصة لعلاقة طويلة الأمد. من الناحية المثالية، يمكن تعديل البيان السياسي الذي اتفقت عليه المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي للاعتراف بشكل أكثر وضوحا بأن المملكة المتحدة لم تحدد بعد خيارها بشأن العلاقة المستقبلية، وأنها ستسعى إلى ترسيخ مثل هذا الاختيار في أي انتخابات. بما أن البيان السياسي ترك المجال مفتوحا بالكامل للعلاقات التجارية الواقعية التي يمكن أن ترجوها المملكة المتحدة، فإن هذا يمكن تحقيقه. مثل هذا التعديل سيعطي أيضا كوربين حجة للحفاظ على ماء وجهه بأنّ هذا ليس هو "اتفاق ماي الفاشل" الذي سيدعمه، بل محاولة لجعل البلد ينجح في بدء المحادثات التجارية الفعلية التي لم يتم فيها استبعاد سياسة حزب العمال الخاصة باتحاد جمركي دائم. من المسلم به أن كل هذا يبدو غير واقعي بشكل كبير. وكذلك يبدو كل شيء آخر. بالنظر إلى أن البلد يجازف بخروجه من الاتحاد الأوروبي على أمل النجاة بأي حال، فربما يجب أخذ كلمات الأساقفة على محمل الجد.
مشاركة :