قدمت شركة «سينك» للإنتاج الفني والمسرحي - أول من أمس - ومن على خشبة مسرح الدسمة، عرضاً بعنوان «حقيبة ذكريات»، وهو ثالث العروض في مهرجان «الكويت المسرحي 19»، الذي يقام في الفترة ما بين 19 و29 من شهر ديسمبر الجاري، تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. المسرحية من تأليف وإخراج الدكتور بدر القلاف، في حين تولى بطولتها فرح الحجلي وناصر حبيب وموسى بارون ومشاري السعيدان ومحمد بوشهري ومشعل العيدان وجراح مال الله ومهدي فتح الله. تدور أحداث المسرحية، التي تنتمي إلى المسرح العبثي، حول تمرد الفرد على مجتمعه ومحيطه، خصوصاً عندما تتأزم حياته ويفقد الثقة بكل من حوله حتى عائلته، بعد أن يجد صعوبة بالغة في مواجهة الواقع، مُفضلاً العزلة على مخالطة البشر كافة. وهو ما يدفعه إلى العيش وحيداً في عتمة الذكريات، وجلد الذات بالأفكار السلبية التي تنتابه كلما تذكر طفله الذي فقده وزوجته ووالدته، لينزلق في بئر التهميش والتدمير لذاته قبل الآخرين. البطولة كانت شبه جماعية، وقد تفانى الجميع في خدمة العرض المسرحي على أكمل وجه. وإن كانت هناك مشاهد شبه سينمائية جُسدتْ على خشبة المسرح، لكن هذا يعد نجاحاً في حد ذاته للمخرج القلاف الذي اجتهد بتقديم عمل متكامل، وتجلى ذلك من خلال حبكته الدرامية في التأليف والإخراج. وبالرغم من تسلسل الأحداث وترابطها في بادئ العرض، إلا أن الأحداث الأخيرة افتقدت لعنصر التشويق وبدت بطيئة إلى حد ما. لكن يُحسب للممثلين الشباب براعتهم في كسر الروتين الممل في تلك الأحداث، من خلال ما قدموه من أداء لافت، أخفى بدوره كل العيوب على خشبة المسرح. أما الديكور، فإنه خدم العرض المسرحي بامتياز، وكذلك الإضاءة كانت من أبرز عناصر نجاح العمل، حيث تم توظيفها بشكل جيد، ولا نغفل عن الموسيقى التصويرية التي لعبت هي الأخرى دوراً بالغ الأهمية في العرض.الندوة التطبيقيةأعقبت العرض، ندوة تطبيقية لمسرحية «حقيبة ذكريات» في قاعة الندوات بمسرح الدسمة، أدارها الفنان البحريني يوسف بوهلول، بحضور المخرج بدر القلاف والمُعقبة الدكتورة جميلة الزقاي.بعد الترحيب بالحضور، تحدثت الدكتورة جميلة الزقاي، قائلةً: «شاهدنا عرضاً يندرج في خانة المسرح العبثي أو كوميديا المخاطر والتمرد على الواقع، حيث تتأزم حياة الفرد الذي يفقد الثقة في الآخرين، ما يجعله مؤثراً العزلة على الاندماج في الجماعة في ظل سوداوية نظرته إلى الحياة». ولفتت إلى أن النص قدم مشاهد استرجاعية، ليست بهدف التوثيق، ولكن لمحاكمة هذه الشخصية النرجسية التي بنت كينونتها على تعاسة الآخرين ولم تعرف حقيقتها إلا بعد تقدمها في العمر، «كما أن المخرج لم يتقيد بالنص الذي كتبه وتجاسر عليه، لعدم وجود عقدة تقليدية وانعدام الحل إلى جانب اللعب على الماضي والمضارع».وتابعت: «لاحظنا وجود إنارة للخيال بلغة درامية تلتزم بتكرار المفردات تكراراً عبثياً وليس شعرياً، وهناك مدلولات كثيرة تشي بالحالة النفسية التي وصلت حد الهوس والجنون، وظل صاحبها مكبلاً بذكرياته الموجعة والمريضة وعدم قدرته على مواجهة الواقع». ونوهت إلى استخدام المخرج للتقنيات السينمائية على مستويات عدة، مثل غرفة تحميض الصور واسترجاعها وتأنيث المذكر من خلال وجود الشخصية مع النسوة، مؤكدة أن الموسيقى خدمت العبث وجاءت من لحمة العمل، «فهي موسيقى حزينة لاستدعاء الماضي والتمني بالعودة إلى الطفولة والمؤثرات الصوتية المتمثلة في قطرات الماء التي تدل على القلق النفسي، والإضاءة كانت ثنائية ومنتشرة بشكل وظيفي»، مختتمةً تعقيبها بأن العرض كان جمع بين التراجيديا والكوميديا. بدوره، لم يُخف المسرحي موسى زينل سعادته بالعرض، قائلاً: «أحيي فريق العمل والمخرج على ما بذلوه من جهد طيب، فقد أمتعونا بحضورهم وتميزهم الطاغي وأدائهم الجميل، الذي ابتعد عن (الكراكترات) وكان أداؤهم شبه طبيعي وتعاملهم مع اللغة العربية بمنتهى الثقة». أما الدكتور أيمن الخشاب، فقال: «كل ما رأيناه على المسرح، بدا كما لو أنه شريط ذكريات لبطل العرض».وأثنى المسرحي طالب البلوشي على دور الممثلين وأدائهم الجميل، «وكنت أتمنى أن يشتغل المؤلف أكثر على نصه، لأنه أخرج النص على الورق أكثر مما أخرجه على خشبة المسرح». كما عبّر الفنان عبدالله ملك عن إعجابه بفريق العمل وبجمال الفكرة، مؤكداً أن هناك اشتغالات إخراجية وأداء متمكنا للشخصيات، «إلى جانب الإضاءة التي بدت مريحة للعين، لكن العرض في النهاية لم يبهرني لأنه عانى من الرتابة».
مشاركة :