شهدت البحرين في 30 نوفمبر مؤتمراً بعنوان «قمة لشباب 2018» نقاشاً حيوياً يتعلق بمستقبل الشباب وآفاق مسيرته الابداعية في كل المجالات، الرياضية الثقافية والعلمية والتعليمية، فمرت بخاطري تجربة حياة شبابية كاملة مررت بها مثلما مر بها الكثير من شباب البحرين من جيلي، غير أن تجربتي الذاتية مع الشباب ومن خلالهم متعددة، فقد كانت تجربتي رياضية وثقافية وسياسية، ولكل جانب من تلك المجالات متعتها وجمالها وخبرتها، غير أن المجال السياسي كان مفعم بالمغامرة والمخاطر، فألغام السياسة تقودك للاقبية وللمنفى والاغتراب الحقيقي، فهل تستحق تلك الحياة التوقف عندها قليلاً لكي نقول كلمتنا الاخيرة قبل الوداع المحتمل والمفاجئ لمثل أعمارنا، فبعد أيام قليلة احتفل بسبعينيات العمر ولا يمكنني تخيل أنني سأصل هذه التاريخ من عمري، فقد كان يسكنني دوماً شعور بأنني سأموت قبل الاوان. ما الذي تعلمناه من الحياة من سني الشباب في جيلنا وزمننا؟ حيث لا أريد أن أقوم بمقارنة بين شباب اليوم وشبابنا، فلكل جيل زمن وخصوصية، وبما أن المقارنة وصراع الاجيال كما عالجها الروائي الروسي تورغينيف في رواية الابناء والاباء، بجمالية ومضمون ادبي رائع، تمثل حقبة روسيا الخارجة من زمن النخاسة وبروز الافكار الليبرالية والحداثة بعد عام 1830، فكان لابد أن يتصارع ويختلف ويتحاور أبناء تلك العائلات الغنية والوسطى في تربة روسيا بجامعاتها الحديثة وأفكارها المثيرة للسلطات القيصرية. حول ذلك الصراع بين الأجيال كتب ايضا في بداية القرن العشرين كارل مانهايم، لتتأكد لنا أن مقولة الصراع بين الأجيال ليس دائما هو اختلاف في النظرة والاعمار والزمن، وإنما بالضرورة هناك اختلاف في الافكار والمجتمع ومنابت تلك الجماعات الشبابية، وما هي جذورها الاجتماعية؟. كان على جيلي كشباب أن نبحث عن الإجابات لأسئلة شغلتنا حول الكون والمجتمع والناس، وكان الكتاب والقراءة خارج المنهج المدرسي محور هام في حياتنا، ولربما الانخراط في منظمات سياسية يومها «مدرسة بحد ذاتها» لا يمكن نكران دورها في تثقيفنا السياسي باهم الكتب والروايات، التي ظلت تشعل في أرواحنا الحماس والايمان بالتضحية من أجل أفكارنا المناهضة لفكر مجتمع متخلف ولقيم الاستعمار المعادي لطموحاتنا الوطنية ولقناعتنا الراسخة، ان الافكار المتخلفة الرجعية لن تتيح لنا ولا للشباب التقدم والازدهار والتفكير الخلاق والمبدع، والبحث عن تلك المبادرات اليومية في قلب وعقل الشباب المتفجر حماساً ورغبة نحو تغيير الحياة السائدة. كان مفهوم ومقولة «التغيير» ملازمة مستمرة لكل جيل وهي تبدو حلماً ولكنها لن تكون عصا سحرية في تغيير الواقع المعقد. كنا نحلق بحلمنا بعيداً وبأجنحة من نور نحو مستقبل زاهٍ يسابق ويفوق في تطلعاته واقعه وزمنه بمسافات كبيرة، فمن كان بامكانه يومها يحتمل نقاشات ساخنة عن تلك الافكار «الهدامة» هكذا تم نعت الفلسفة والنظريات وعلوم الاجتماع والاقتصاد في تلك الكلمة، مختزلين حقيقة المعرفة بكلمة شيطانية مخيفة ومحاصرة. اليوم بالرغم من عبور قطار حياتي الشبابية نصف قرن في خضم تجارب سياسية ورياضية وثقافية، ابتسم في داخلي وأنا منزو في هدوء الكون في بيتي وحوشي، مستعيداً كل خطوة ومغامرة ورحيل نحو القارات ولقاء شخصيات وزيارة بلدان والحديث مع قامات سياسية كبيرة، ورؤية أشخاص مهمين، ولكن السرية كانت تقتضي عدم التقاط صور معهم في تلك اللقاءات والمؤتمرات التاريخية، وكم تأسفت لاحقاً لعدم التصوير مع الروائي الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز وفيديل كاسترو وأمين عام تودة علي قاوري وابراهيم نقد السوداني والرجل البرتغالي العظيم الفارو كونهال، فهناك من الامور التي جعلتنا نخجل من جهة ملتزمين بسرية العمل من جهة اخرى، ان نحجب عدستنا عن حق انساني لنا في توثيق ذاكرتنا للمستقبل. لا فائدة الآن من الحسرة فكل ما تبقى هو الكتابة عن ذكرى زمن الشباب في تلك المهرجانات الطلابية والشبابية وغيرها، والتي كانت تعقد كل اربع سنوات في الدول الاشتراكية سابقاً، بتنظيم وتعاون بين اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي واتحاد الطلبة العالمي، الاول مقره في بودابست على ضفاف الدانوب الازرق والآخر كان مقره مدينة براغ الساحرة.
مشاركة :