بيروت - عادت أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية إلى نقطة البداية بعد فشل صيغة التسوية التي عمل من أجلها اللواء عبّاس إبراهيم المدير العام لجهاز الأمن العام اللبناني. وكان “الثلث المعطّل” في الحكومة والجهة التي تتحكّم به وراء تعطيل التسوية التي قضت بتمثيل النواب السنّة الستة التابعين لـ“حزب الله” في الحكومة عبر وزير من خارج الكتلة التي شكلوها على أن يكون هذا الوزير من حصّة وزراء رئيس الجمهورية ميشال عون في الحكومة. وذكرت مصادر سياسية أنّ الخلاف على الموقف الذي سيتخذه هذا الوزير في حال حصول تصويت داخل مجلس الوزراء كان وراء انفراط عقد التسوية التي سعى إليها مدير جهاز الأمن العام. وكشفت أن الوزير في الحكومة المستقيلة جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني الحر” أصرّ على أن يكون جواد عدره المحسوب على حصة ميشال عون في الحكومة عضوا في تكتل “لبنان القوي”. ويشكل “التيار الوطني الحرّ” العمود الفقري لتكتل يحمل اسم “لبنان القوي” يضم نوابا ووزراء حاليين ووزراء سابقين محسوبين على ميشال عون وخطه السياسي. وأوضحت المصادر السياسية أن هدف باسيل يتمثل في جعله يمتلك أحد عشر وزيرا في الحكومة، أي ما يسمّى “الثلث المعطّل” الكفيل بإسقاط الحكومة في أي وقت بمجرد تقديم الوزراء الذين ينتمون إلى هذا الثلث استقالاتهم. وأشارت إلى أنّ التطوّر الأخير على صعيد تشكيل الحكومة اللبنانية أدى إلى غضب رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي كان طرح اسم رجل الأعمال جواد عدره ليكون الوزير السنّي الذي يمثل نواب حزب الله السنّة في الحكومة. وقالت إن برّي الذي يتزعّم حركة “أمل” مستاء إلى حد كبير من باسيل. وأوضحت مصادر قريبة منه أنّه مستعد للذهاب بعيدا من أجل منع صهر رئيس الجمهورية، الذي يعدّ نفسه ليكون رئيس الجمهورية المقبل، من الحصول على “الثلث المعطل” في الحكومة.وذكرت المصادر السياسية أنّ رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري ليس على عجلة من أمره في تحديد موقف من الخلاف القائم بين برّي وباسيل والذي يخفي رغبة لدى “حزب الله” في عدم حصول صهر الرئيس الجمهورية على “الثلث المعطّل”. وأشارت في هذا المجال إلى أن السبب الذي يدفع الحريري إلى الوقوف موقف المتفرّج من التطورات الأخيرة يعود إلى أنّه يعرف تماما أنّ حكومته المقبلة التي سيتولى فيها حزب الله وزارة الصحّة ستواجه صعوبات في تعاطيها مع المجتمع الدولي، خصوصا مع الإدارة الأميركية. إضافة إلى ذلك، فإن الحريري ليس متحمّسا لتشكيل حكومة يكون فيها “الثلث المعطّل” في إمرة شخص مثل جبران باسيل بدأ يتصرّف، على الرغم من أنّ رصيده الوحيد هو زواجه من ابنة ميشال عون، كالزعيم المسيحي الأوحد للمسيحيين في لبنان. ولاحظت أن الحريري التزم موقف الصامت من التطورات الأخيرة على الصعيد الحكومي وذلك من منطلق أن “الصمت يبدو أحيانا أكثر تعبيرا من الكلام”. ويكرّس الصراع على الحقائب الوزارية حالة انعدام الثقة بين عامّة اللبنانيين والطبقة السياسية. وخرج، الأحد، متظاهرون إلى شوارع بيروت احتجاجا على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وسوء الأوضاع المعيشية في بلد لم تتمكن القوى السياسية فيه منذ سبعة أشهر من الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة. ويعاني لبنان، البلد ذو الموارد المحدودة، من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية وعلى رأسها الكهرباء والمياه، وتعاني بنيته التحتية من الترهل وهي بحاجة ماسة لإعادة تأهيل. وخلال الأيام الماضية، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي دعوة للتظاهر ضد الطبقة السياسية والفساد في مؤسسات الدولة. وأمام مقر رئاسة الحكومة في وسط بيروت، هتف المتظاهرون مطالبين بإصلاح النظام ومحاربة الفساد ووقف هدر المال العام، وارتدى عدد محدود منهم السترات الصفراء، احتذاء بالاحتجاجات التي تشهدها فرنسا منذ أسابيع. وتوجه المتظاهرون لاحقاً إلى شارع الحمراء، وأغلقوا الطريق الرئيسية ووقعت صدامات محدودة مع قوى الأمن اللبنانية التي منعتهم من مواصلة طريقهم. وقالت هناء (43 عاما)، إحدى المتظاهرات، لوكالة فرانس برس “هناك فساد وسرقة لأموال الدولة، وليس هناك حتى طبابة، ومن ليس مسجلا في الضمان الاجتماعي يموت على أبواب المستشفيات”. وأضافت “تحكمنا طبقة سياسية من السارقين والفاسدين والذين يحكمون بالتعصب الطائفي”. ورفع المتظاهرون شعارات عدة تطالب بـ”أبسط الحقوق”، منها إعادة العمل بقروض الإسكان المتوقفة منذ نحو عام، وتوفير المياه والكهرباء، كما طالبوا بضمان الرعاية الصحية لجميع المواطنين، بعدما أثارت قضية وفاة طفل الأسبوع الماضي لعدم تمكنه من تلقي العلاج اللازم موجة غضب بين العديد من اللبنانيين. كما خرج متظاهرون أيضا في مدينتي طرابلس بشمال لبنان والنبطية في جنوبه.
مشاركة :