الانسحاب الأمريكي من سوريا: تكتيك أم استراتيجية؟!

  • 12/24/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

ما بين انسحاب القوات الأمريكية من العراق في ظل رئاسة «أوباما» وانسحاب القوات ذاتها من سوريا في ظل رئاسة «ترامب» خيوط صلة، من حيث الأسباب والنتائج وردود الفعل المصاحبة! وكلنا يعرف وضع تلك القوات الأمريكية مع اندلاع المقاومة العراقية أو العشائر السنية بحيث ارتأت الإدارة الأمريكية بعد أن رسَّخت الفوضى والطائفية والحكم الشيعي في العراق إلى جانب تدمير كل المؤسسات العراقية والبنية التحتية، أن مهمتها الأساسية هناك قد تم إنجازها ومن ثم تترك الساحة للقوى المحلية العراقية لكي تتصارع بنفسها، وتكمل مهمة الفوضى السياسية والطائفية! وحيث مع خروجها ظهر داعش وتمدد بإرهابه ومعها ظهرت فتوى السيستاني التي أدت إلى تشكيل الحشد الشيعي لمقاومة داعش! وعلى خلفية تلك المواجهة تم تدمير المدن السنية وتهجير سكانها سواء بالهجرة إلى الخارج أو باللجوء إلى داخل مدن عراقية أخرى بما سمي بظاهرة «النزوح» وهكذا توغل «الإرهاب الداعشي» في مساحات عراقية مختلفة، وتوغل «الإرهاب الشيعي» على يد مليشيات «الحشد الشيعي» وتم تسليم العراق بشكل أكبر لإيران ولنفوذها وسيطرتها على العراق! مع الإبقاء على أكبر قاعدة أمريكية وتوغل إسرائيلي في شمال العراق! وهكذا امتلأ الفراغ الذي تركته القوات الأمريكية، إما بداعش أو بالمليشيات الشيعية التابعة لإيران، فيما بقيت الإدارة والنفوذ الأمريكي (سياسيا وعسكريا بحسب الحاجة، ولوجستيا قائما)! وبقي نشاط استخباراتها وشركاتها مستمرا! ونهب النفط العراقي والثروات العراقية متزايدا! ‭}‬ نحن اليوم أمام نسخة أخرى من ذات «الاستراتيجية الأمريكية» مع اختلاف بعض الظروف في سوريا عن العراق! فمن ناحية وبعد تفاقم الأزمة السورية خلال «سبع سنوات» وعدم قدرة المعارضة السورية على تغيير النظام أو زحزحته ودخول روسيا بقوة على خط الصراع في سوريا، وتشابك الأجندات (الإيرانية والتركية، بل والبريطانية والفرنسية) وخروج «داعش» من الكثير من مناطق سيطرته وتمركز «قوات المعارضة» باختلافاتها في «إدلب» في ظل كل الخلط الذي حدث في سوريا خلال السنوات الماضية وتدمير أغلب المدن السورية، وهجرة السوريين «السنة» بالملايين إلى خارج بلدهم ونزوح ملايين أخرى إلى مناطق أقل توترا واشتباكا أو دمار البنية التحتية، وتزايد النفوذ الروسي تحديدا، كل ذلك جعل بالنسبة إلى استراتيجية الإدارة الأمريكية في عهد «ترامب» تصل إلى قناعة شبيهة بالقناعة حين انسحاب قواتها من العراق، وهي أن (جوهر المهمة الأمريكية في سوريا قد تحقق)! وعلى الأطراف الموجودة إكمال المهمة بعد اهتراء الأسس في سوريا! أما التخلي الأمريكي سواء عن قوات سوريا الديمقراطية «قسد» الكردية أو التخلي عن المعارضة السورية التي كانت تحظى بدعم أمريكي سابق، أو التخلي عن مهمة القضاء النهائي على «داعش» فكل ذلك غير مهم وهو شأن داخلي في سوريا! وكذلك أن نتيجة الانسحاب الأمريكي بقواتها من سوريا في الوضع الراهن بأنها ستقوي (إيران وتركيا وروسيا والنظام السوري) فذلك أيضا غير مهم، أو أنه مهم من حيث بقاء (صراع القوى) مستمرا، يضاف إليها فرنسا وبريطانيا! فيما أمريكا ستقوم بتأكيد قوتها ونفوذها وسطوتها متى ارتأت هي أن الظروف القادمة تستدعي ذلك! الانسحاب هو تكتيك إذن في إطار استراتيجي! ولنا وقفة أخرى.

مشاركة :