اتفاق المصالحة الفلسطينية إستراتيجية أم تكتيك؟

  • 5/1/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يحق للشعب الفلسطيني أن يعبّر عن تفاؤل مشوب بالحذر إزاء اتفاق وفدي حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية الذي أمكن التوصل إليه في غزة الأسبوع الماضي، فالاتفاق الأخير ليس إلاّ تكرارًا لاتفاقيات سابقة كانت تُبرم ويُحتفى بها رسميًّا وشعبيًّا، ثم لا تلبث أن تصطدم بجدار الفشل. لكن التحدّي الأكبر أمام اتفاق المصالحة هذه المرة هو أن الفشل -لا سمح الله- سيخدم إسرائيل بأكثر ممّا تحلم به، فهو من جهة سيؤكد للعالم حقيقة ظل قادة تل أبيب يرددونها طيلة فترة المفاوضات تنص على غياب الشريك الفلسطيني في عملية السلام، في إشارة واضحة إلى أن الرئيس أبو مازن مع وجود حكومتين فلسطينيتين في رام الله وقطاع غزة لا يمثل الشعب الفلسطيني كله، وهو من جهة أخرى سيثبت أنه يتعذّر صنع السلام مع الفلسطينيين الذين فشلوا على مدى 7 سنوات من صنع السلام بين بعضهم البعض، ومن جهة ثالثة سيمنح تل أبيب فرصة إضافية لمزيد من التوسع والبناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والمضي قدمًا في مخطط تهويد القدس والإجهاز على عروبتها. ويعني ذلك كله في المحصلة أن اتفاق المصالحة هذه المرة وضع القيادة الفلسطينية أمام خيار واحد هو خيار النجاح، لاسيما بعد وصول المفاوضات مع إسرائيل إلى طريق مسدود، وبعد فقدان حماس لغالبية حلفائها في المنطقة، وبعد أن أصبح الشعب الفلسطيني يضع المصالحة كاختبار أخير لمصداقية فتح وحماس، بعد أن وصل إلى المرحلة التي لم يعد يستسيغ فيها استمرار تلاعب قيادتي الفصيلين بعواطفه وإيهامه بأن الانقسام انتهى. يعيش أبناء قطاع غزة معاناة كبيرة؛ بسبب الظروف الراهنة من احتلال وحصار وانقسام، بالإضافة لإغلاق معبر رفح، الرئة التي يتنفس منها الناس في تحركاتهم الحياتية من وإلى قطاع غزة، وتكرار قطع التيار الكهربائي لفترات طويلة، وشح المياه الصالحة للشرب وانقطاعها من حين لآخر، وتكدس أكوام القمامة في الشوارع والحواري، وذلك إضافة إلى مشكلة الصرف الصحي، ونسبة البطالة المتصاعدة حيث وصل عدد العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات إلى 120 ألفًا. والاعتداءات شبه اليومية التي تشنها إسرائيل على مدن وقرى القطاع. أهمية الاتفاق لا شك أن الاتفاق جاء مفاجئًا ليس للإدارة الأمريكية وإسرائيل فقط، وإنما أيضًا للفلسطينيين أنفسهم، وتحديدًا لأهل القطاع، لاسيما بالنظر إلى السرعة والمرونة التي تحلّى بها الطرفان هذه المرة. وجاء التوقيت ليضفي أهمية أخرى للاتفاق الذي جاء قبيل اجتماع المجلس المركزي وقبيل 29 أبريل الموعد الذي حدده وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لانتهاء المفاوضات التي عمل على إحيائها قبل 9 أشهر، وبعد بضعة أيام فقط من تقديم الرئيس الفلسطيني محمود عباس لطلبات الالتحاق بـ15 اتفاقية وعهدًا دوليًّا تابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة، وأيضًا على إثر رفض إسرائيل الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، والإعلان عن بناء 700 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية. الأمر الذي اعتبره المراقبون بأنه بمثابة بداية لهجمة فلسطينية دبلوماسية، وتفعيل للبدائل والخيارات الفلسطينية التي طالما تحدث عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس. ورغم محاولة واشنطن التقليل من أهمية الاتفاق بالقول، وفق ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» في 23 أبريل الماضي بأنها خطوة تكتيكية من جانب أبو مازن للضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات. إلاّ أن براعة أبو مازن السياسية تتضح في قوله بأنه ليس هناك تناقضًا على الإطلاق بين المصالحة والمفاوضات، وقوله أيضًا «نحن ملتزمون تمامًا بإقامة سلام عادل وشامل على أساس مبدأ حل الدولتين». عوامل النجاح لا يوجد جديد في اتفاق المصالحة الجديد، لأنه ينص على تفعيل الاتفاقيات السابقة (مكة، صنعاء، القاهرة، الدوحة) لكن يمكن القول إنه يقوم على 3 ركائز عبر خريطة طريق محددة (تأليف حكومة التوافق «خلال 5 أسابيع»، تحديد موعد للانتخابات التشريعية والرئاسية «خلال فترة لا تقل عن 6 أشهر»، وتفعيل الإطار القيادي الموحد. ولعله من المعروف أن الملف الأمني يشكل العقبة الكبرى في جولات المصالحة السابقة، وواضح أن من أهم عناصر استقرار الحكومة الانتقالية القادمة ونجاحها في أداء عملها هو التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولأن معظم هذه الأجهزة مؤطرة تنظيميًّا، فإن الأمر يتطلب التزام كل من فتح وحماس بدعم الحكومة الانتقالية، والتأكيد على الجميع باحترام قراراتها، والالتزام بمهامّها الأساسية التي يأتي على رأسها فرض واحترام سيادة القانون، والابتعاد عن كل مظاهر الفلتان الأمني الذي كان السبب الرئيس وراء الاقتتال المؤسف، والانقسام الحاد الذي حدث في 14 يونيو 2007. وينبغي الإشارة هنا إلى أن اتفاق القاهرة الموقع في مايو 2011 وضع آلية لعمل الأجهزة الأمنية في المستقبل، وإعادة تشكيلها. وتتمثل المهام الرئيسة وأولويات تلك الحكومة في إعداد دستور جديد، وسرعة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتئام المجلس التشريعي، مع ضمان أن تكون القضايا المطروحة للنقاش -كما تقتضي طبيعة جغرافيا الوطن وديمغرافيته- أن يكون هناك ثقل وزاري معقول في قطاع غزة، وأن تعطي الأولوية لدعم مشروعات البنية التحتية التي دمّرتها إسرائيل في عدوان (2008-2009). ردود الأفعال تباينت ردود الأفعال الدولية والعربية حيال اتفاق المصالحة الفلسطينية، لكن المحصلة جاءت في صالح تأييد الاتفاق والترحيب به، باستثناء عدد قليل من الدول تتصدرها إسرائيل والولايات المتحدة. ورحبت المملكة بالاتفاق الذي جاء انطلاقًا من اتفاقية مكة المكرمة. واعتبر مجلس الوزراء في اجتماعه الاثنين 28 من أبريل عن أمله في أن يكون الاتفاق خطوة مهمة لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، والقرار الفلسطيني من أجل مستقبل القضية الفلسطينية. كما رحب الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف الزياني بالاتفاق الذي وصفه بأنه خطوة في المسار الصحيح لتحقيق الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، بما يعزز الموقف الفلسطيني في مفاوضات السلام، مؤكدًا المواقف الثابتة لدول المجلس بدعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني. كما أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي بدوره عن ترحيبه الشديد بالاتفاق، معبرًا عن أمله في أن يتم الالتزام بتطبيق ما جرى الاتفاق عليه في غزة وفق البرنامج الزمني المتفق عليه. ورأى الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي السيد إياد مدني أن الاتفاق يشكل ركيزة أساسية وخطوة هامة نحو إعادة الوحدة والتماسك للشعب الفلسطيني، وتمكينه من مواجهة التحديات الخطيرة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي. ورغم سوء علاقة مصر بحماس، إلاّ أنها سارعت بالترحيب بالاتفاق فور الإعلان عنه حيث أعرب وزير الخارجية الدكتور نبيل فهمي عن أمله في أن يسهم هذا الاتفاق في إنهاء الانقسام، وأن يصب إيجابيّاً في صالح دعم الموقف الفلسطيني في مفاوضات السلام الرامية إلى الحصول على كافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 تكون عاصمتها القدس الشرقية. وأكد فهمي على استمرار مصر في ممارسة دورها التاريخي والقومي في مساندة الشعب الفلسطيني، منوِّهًا بالجهود التي بذلتها عبر السنوات الماضية لإتمام عملية المصالحة بين مختلف الفصائل الفلسطينية، والتي تمخضت عن توقيع اتفاق القاهرة في مايو عام 2011، وهو ما كان محور لقاء الوزير مع عزام الأحمد قبل توجهه مع وفد فتح والفصائل الفلسطينية إلى غزة. وكان عضو المكتب السياسي في حماس موسى أبو مرزوق صرح في حديث لفضائية الأقصى، مساء الاثنين، إن السلطات المصرية ستفتح المعبر بعد تشكيل لجان أمنية معترف بها من حكومة التوافق الوطني لتشرف عليه، موضحًا أنه سيكون دوليًّا لكافة سكان القطاع، إضافة إلى أنه سيعمل على مدار 24 ساعة، لافتًا إلى أن العلاقات مع مصر ستشهد انفراجًا فور تشكيل الحكومة. وجاءت ردود الفعل الصادرة عن إسرائيل عقب إعلان الاتفاق بشكل هستيريا أصابتها في الصميم؛ لأنها رسمت مخططاتها على الانقسام الفلسطيني واستمراره وزيادته، لكنها فوجئت بسرعة الإنجاز والمرونة التي أبداها طرفا الانقسام؛ لتبدأ منذ اللحظات الأولى بعد ولادته في محاولة إجهاضه والرهان على فشله. وجاءت ردود الفعل الإسرائيلية على الاتفاق بعد دقائق من توقيعه عندما قامت إسرائيل بقصف قطاع غزة في رسالة واضحة المعنى تعكس رفضها القاطع للاتفاق. ولم يلبث أن أفصح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل صريح وواضح عن تجميد التفاوض مع السلطة الفلسطينية، والقول: «على عباس أن يختار إمّا السلام مع إسرائيل أو التصالح مع حماس»، فيما دعا أحد الوزراء الإسرائيليين إلى تكثيف الاستيطان ردًا على الاتفاق. ودعا نتنياهو الأحد، في المقابلة مع شبكة «سي ان ان» الأمريكية رئيس السلطة محمود عباس إلى تمزيق اتفاق المصالحة مع حركة حماس، والاعتراف بـ»إسرائيل»، والعودة لما وصفها بـ»المفاوضات الحقيقية». تصريح الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي وصف الهولوكوست بأنها «جريمة بشعة»، لم يرق لنتنياهو.. وكان سؤاله لعباس: هل «يريد السلام مع حماس أم مع إسرائيل»؟ مضيفًا إن الرئيس الفلسطيني «لا يمكنه أن يحصل على هذا وذاك». رد الفعل الأمريكي على اتفاق المصالحة لخّصه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بكلمتين «اتفاق غير مفيد»، وبالطبع هو غير مفيد لإسرائيل، لكنه مفيد جدًّا للفلسطينيين. وبالرغم من وقع الصدمة الذي أصاب الإدارة الأمريكية على إثر توقيع الاتفاق مع حماس لكن من غير المتوقع أن تتخلّى تلك الإدارة عن العملية التي استهلكت من وقت وجهد كيري الكثير، وهو ما أكده العديد من المراقبين. فقد ذكر آرون ديفيد ميلر، مفاوض السلام الأمريكي السابق بهذا الصدد: «ربما يكون هناك بطء في سير الأمور، لكن العملية ستستأنف في مرحلة ما»، مضيفًا «ليس هناك ما يدعو الولايات المتحدة للانسحاب. سيكون هذا غباء بصراحة». كما أن التخلّي عن مساعي التوصل لاتفاق سلام سيكون بمثابة اعتراف من واشنطن بفشل سياستها الخارجية، لاسيما مع فشل سياستها في سوريا وأوكرانيا، وموقفها المتراخي من إيران بشأن ملفها النووي. وقال أوباما يوم الجمعة الماضي إن الخطوة الفلسطينية قد تعني أن الأمر يحتاج «وقفة» في المحادثات. ورغم أنه وصف ما حدث بأنه حلقة في سلسلة خيارات (من جانب واحد) اتخذها الجانبان في الأسابيع الأخيرة، وأضرت بفرص السلام، إلاّ أنه أعطى بصيص أمل في أن يتمكن الجانبان من التغلب على انعدام الثقة المتبادل. لكن اللافت أن الإدارة حملت إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات قبل توقيع الاتفاق (من خلال شهادة كيري أمام الكونجرس في السابع من أبريل، واعتباره أن الفشل جاء نتيجة إعلان إسرائيل عن بناء 700 وحدة استيطانية في القدس الشرقية)، وأيضًا بعد الاتفاق، وهو ما اتضح في تحذير الوزير كيري عشية انتهاء فترة التسعة أشهر التي حددت لتلك المفاوضات من أن تصبح إسرائيل «دولة فصل عنصري» في حال لم تتوصل إلى اتفاق سلام قريبًا مع الفلسطينيين. ولم يتوقف الغضب الأمريكي على تصريحات أوباما وكيري، بل تجاوزه إلى اتخاذ قرارات وتهديدات للسلطة الفلسطينية، حيث هددت الولايات المتحدة بـ»إعادة النظر» في المساعدات التي تقدمها للفلسطينيين، إذا شكّلت منظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها حركة فتح، حكومة، مع حركة المقاومة الإسلامية «حماس». وقال مسؤول أمريكي كبير: «إن أية حكومة فلسطينية يجب أن تلتزم بلا غموض وبوضوح بنبذ العنف والاعتراف بدولة إسرائيل، وقبول الاتفاقات السابقة، والالتزامات بين الطرفين» في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية. واستطرد: «إذا شكلت حكومة فلسطينية جديدة فسنقيمها اعتمادًا على التزامها بهذه الشروط وسياساتها وتصرفاتها، وسنحدد أية انعكاسات على مساعدتنا حسب القانون الأمريكي». هذا الموقف الأمريكي يقدم مظهرًا آخر من مظاهر ازدواجية المعايير الذي تنتهجه أمريكا في سياستها الخارجية. وعلى العكس من ذلك رحبت فرنسا بالاتفاق، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية: «علمنا بالإعلان عن تشكيل حكومة توافق فلسطينية، تتألف من شخصيات مستقلة، ويعلم الجميع أن فرنسا تدعم دائمًا المصالحة الفلسطينية، تحت قيادة الرئيس محمود عباس، وتنظيم انتخابات في الأرض الفلسطينية». كما أعربت باريس عن استعدادها الكامل للعمل مع حكومة فلسطينية ترفض اللجوء للعنف، ومع عملية السلام، وتقبل كل الاتفاقات خاصة تلك التي وقعت مع إسرائيل، والالتزامات المتعلقة بتلك الاتفاقيات، ويجب أن تتركز كل الجهود الآن لاستمرار ونجاح عملية السلام». كما رحبت إيطاليا بالاتفاق، وقالت وزيرة الخارجية فيديريكا موغاريني: «إن اتفاق المصالحة الفلسطيني هو حوار إيجابي يداوي جرحًا فلسطينيًّا استمر لزمن طويل». وأضافت: «إن المصالحة تضع أسسًا لانتخابات ديمقراطية بين الفلسطينيين، وإن الحكومة الجديدة عليها احترام الاتفاقات». كما رحبت العديد من دول العالم بالاتفاق يأتي في مقدمتها روسيا والصين، بما يعتبر مؤشرًا قويًّا على أن الإعلان عن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية سيقابل باعتراف من غالبية دول العالم، وأنه يمكن أن تحصل الحكومة الفلسطينية على الاعتراف الكامل من قبل الأمم المتحدة إذا ما تقدمت بطلب لنيل هذه العضوية، بعد إجراء الانتخابات. المطلوب فلسطينيًّا ما يدعو إلى التفاؤل هذه المرة موقف حماس الذي عبر عنه وكيل وزارة خارجية حماس غازي حمد لصحيفة «يديعوت أحرونوت» عقب توقيع الاتفاق بقوله: إن حركة حماس تقبل بدولة فلسطينية على حدود 1967. لكن أمكن الملاحظة في ذات الوقت وجود البعض في حركة حماس يعارضون الاتفاق، يأتي على رأسهم القيادي عزيز الدويك عبر التصريحات الاستفزازية التي أدلى بها مؤخرًا. لا شك أن التعجيل بتشكيل حكومة التوافق الوطني من التكنوقراط والنخب الفكرية المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والوطنية ممّن لديهم الاستعداد لتحمل أعباء المسؤولية، والقيام بمهمّة النهوض بالوطن في هذه المرحلة الحرجة من المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني سيسد الطريق أمام هذه القلة من المعرقلين، مع الأخذ في الاعتبار أنه كلّما تأخر تشكيل الحكومة وتحقيق بنود خريطة طريق المصالحة كلما أعطى ذلك الفرصة للأطراف الداخلية والخارجية التي تتربص السوء بالمصالحة، وتسعى إلى إجهاضها في السر والعلن لإفشالها. ويأتي على رأس الأولويات إطلاق معتقلي فتح في القطاع، ومعتقلي حماس في الضفة الغربية، ووقف الحملات الإعلامية والتصريحات العدائية بين الجانبين. كما أن المطلوب من كافة الأطراف الفلسطينية الفاعلة على الساحة الفلسطينية العمل على إنجاح اتفاق المصالحة هذه المرة، وذلك بالعمل من أجل أن تتعايش هذه الأطراف في مناخ الود والإخاء والتفاهم والاحترام، وأن تسود بينهم مفاهيم الديمقراطية والحريات والتعايش والتعددية الحزبية والشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة، والابتعاد في ذات الوقت عن لغة الإقصاء والتهميش والاتهام والتحريض والتخوين، والعودة إلى ثوابت السياسة الفلسطينية لكافة الأحزاب والتنظيمات، تلك السياسة التي تنأى عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والعمل من أجل دعم أواصر الإخوة والصداقة والتعاون مع كافة الدول العربية والإسلامية الشقيقة. المطلوب أيضًا كي تنجح المصالحة هذه المرة وتتحقق لها عوامل الصمود على أرض الواقع التفاف القوى الوطنية والأحزاب الفلسطينية حول برنامج سياسي موحد، مع الحاجة إلى إستراتيجية وطنية موحدة تعزز الثوابت الفلسطينية، وتعمل على تحقيق الآمال والأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني الذي ينتظر بفارغ الصبر تحقيق خطوات سريعة على الأرض، يمكن لمسها وليس فقط سماعها. بالإمكان القول في المحصلة إن الأسابيع القليلة المقبلة ستشكل الاختبار الأصعب، والتحدي الأكبر لمدى قدرة اتفاق المصالحة على الصمود، وتنفيذه على أرض الواقع، وإثبات صدقية مَن تحاوروا حوله ووقّعوا عليه، وأنه جاء بالفعل كضرورة وطنية، وليس اتفاقًا فرضته ضغوطات التطورات والمستجدات التي شهدتها المنطقة في الآونة الأخيرة، وتصاعد الأزمة مع الاحتلال، وإنّما جاء في سياق ضرورة وطنية، وإرادة شعبية، ورؤية إستراتيجية. المزيد من الصور :

مشاركة :