رجل كان يعمل بدار الأوبرا الخديوية القديمة، على أريكته في ميدان «الأوبرا» أمام تمثال إبراهيم باشا وسط القاهرة، يظهر عليه التعب، ويبدأ في التمدد على الأريكة ليأخذه النعاس ثم النوم، يحلم بأنه يخاطب إبراهيم باشا، فقال له: «مساء الخيرات إبراهيم باشا، تسمح أسألك سؤالا مهما؛ هل تعرف قيمة المكان الذي تقف فيه؟!». تلك هي البداية اللاقطة للأنظار في العرض المسرحي الدرامي في دار الأوبرا المصرية، الذي قدم عرضا تاريخيا عن «دار الأوبرا الخديوية» التي بناها الخديوي إسماعيل عام 1869م، بالتزامن مع حفل افتتاح قناة السويس، الذي حضره ملوك الدول الأوروبية في ذلك الحين. أدى دور «الراوي» الفنان الشاب باسم شكري، وأدت الفنانة الدكتورة إيمان مصطفى عبدالدايم (مدير عام فرقة الأوبرا) دور «عايدة»، وكتبت حوار العرض المؤلفة آمال حجازي، بإشراف مباشر من رئيسة دار الأوبرا المصرية الدكتورة إيناس عبدالدايم. تبدأ أحداث العرض عندما يحلم «الراوي» بأنه يتحدث إلى تمثال إبراهيم باشا، وأثناء الحديث معه تظهر صورة «الأوبرا» القديمة، ويبدأ بسرد أحداث تاريخية منذ افتتاح الخديوي إسماعيل للأوبرا القديمة عام 1869م إلى أن احترقت فجر 28 أكتوبر عام 1971م. ويتخلل هذا الحوار بعض أغاني الأوبرا الشهيرة، التي قدمت على مسرح «الأوبرا» في الماضي، ليصل الرجل في النهاية إلى نتيجة هامة؛ أن مصر كانت ولا تزال منبر إشعاع حضاري للفن والثقافة، فكما كانت دار الأوبرا القديمة مركزا حضاريا للفنون الرفيعة من كل أنحاء العالم، تستكمل دار الأوبرا المصرية الجديدة دورها الريادي كمنبر للفن والفنانين. وفي لمحة تاريخية عن دار الأوبرا الخديوية، فإن الخديوي إسماعيل أمر ببنائها، وتتسع لـ850 متفرجا، وتم البناء في ستة أشهر فقط، ووضع تصميمها المهندسان الإيطاليان «أفوكاني» و«روس». وعن المقر الجديد لدار الأوبرا المصرية (المركز الثقافي القومي)، فإنها بنيت في أرض «الجزيرة» بالقاهرة، عام 1988م، بدعم من الحكومة اليابانية للحكومة المصرية، لتكون بديلا عن «دار الأوبرا الخديوية» التي كان مقرها حي «الأزبكية»، وكانت منارة ثقافية لما يزيد عن 100 عام.وقامت هيئة التعاون العالمية اليابانية بالتنسيق مع وزارة الثقافة المصرية بتصميم مبنى ينسجم مع ما يحيط بالدار من مبان، واتسم التصميم بالطابع المعماري الإسلامي الحديث، وتشمل مساحة الإنشاءات 22772 مترا مربعا، بينما يقع المبنى ذاته على مساحة 13855 مترا مربعا منها، بارتفاع 42 مترا كحد أقصى. وحتى يكون المكان الجديد لدار الأوبرا المصرية طبيعيا متميزا، اختير الجزء الجنوبي من منطقة «الجزيرة» وسط القاهرة؛ وذلك لوفرة ماء النيل في المنطقة، وكثرة الأشجار في الحديقة المحيطة، واستغرق التصميم والبناء نحو 34 شهرا، بدئ في مارس 1985م وانتهى في مارس 1988م، وتم الافتتاح في أكتوبر 1988م. ولعبت دار الأوبرا المصرية دورا مهما في إثراء الحركة الفنية في مصر، حيث تضم: فرقة باليه أوبرا القاهرة، وأوركسترا القاهرة السيمفوني، والفرقة القومية للموسيقي العربية، وفرقة الرقص المسرحي الحديث، إضافة إلى الصالونات الثقافية، ومعارض الفن التشكيلي، والمهرجانات الموسيقية الصيفية لفرق الهواة، وعرض أعمال كبار الفنانين والفرق العالمية باتجاهاتها المختلفة. وتضم «دار الأوبرا المصرية» ثلاثة مسارح: الكبير (1200 مقعد)، الصغير (500 مقعد)، والمكشوف (600 مقعد)، ويضم عدة مراكز ثقافية، هي: قصر الفنون (معرض ضخم للأعمال الفنية التشكيلية، ومكتبة فنية تهتم بالفنون التشكيلية)، مركز الهناجر للفنون (قاعة عرض ومسرح صغير للعروض الحرة)، نقابة الفنانين التشكيليين، مكتبة الأوبرا الموسيقية (ملحق بها قاعة للعرض الفني)، مركز الإبداع الفني التابع لوزارة الثقافة المصرية، متحف الفن المصري الحديث، المسرح الكبير الخاص بالعروض الأوبرالية والغنائية الضخمة (1200 مقعد)، المسرح الصغير (500 مقعد ويختص بعرض الندوات والأمسيات الثقافية، والعروض الفنية الصغيرة وغير الرسمية)، المسرح المكشوف (600 مقعد، وخصص للعروض الصيفية والشبابية).
مشاركة :