«الاقتصادية» من الرياض قالت مصادر في قطاع الصناعة والحكومة الإيرانية أمس "إن شركتي كارجيل، وبنجي وغيرهما من التجار العالميين أوقفوا صفقات إمدادات الأغذية مع إيران، لأن العقوبات الأمريكية الجديدة أصابت الأنظمة المصرفية اللازمة لتأمين المدفوعات بالشلل. وبحسب "رويترز"، فإن الغذاء والأدوية وغيرها من الإمدادات الإنسانية معفاة من العقوبات الأمريكية. ويعاني الاقتصاد الإيراني بشدة منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من الاتفاق النووي الدولي المبرم مع طهران في 2015، وإعادة فرض عقوبات على طهران خصوصا في القطاع النفطي، لكن العقوبات الأمريكية التي تستهدف كل شيء من مبيعات النفط إلى الشحن والأنشطة المالية صرفت كثيرا من المصارف الأجنبية عن القيام بأعمال مع إيران بما في ذلك الصفقات الإنسانية. ورغم تعاملاتها السابقة مع طهران في ظل جولات العقوبات السابقة، أوقف كثير من المصارف الصغيرة تعاملاته معها هذه المرة. وأفاد مصدر أوروبي مطلع على الوضع طلب عدم نشر اسمه "ليست هناك فرصة حقيقية في الحصول على المال باستخدام الآليات المطبقة حاليا وكثير من التجار الدوليين عاجزون عن القيام بصفقات جديدة في الوقت الحالي". وذكرت مصادر تجارية غربية وإيرانية أن مجموعتي كارجيل وبنجي الأمريكيتين وأولام السنغافورية من بين الشركات التي لم تتمكن من إبرام صفقات تصدير جديدة للقمح والذرة والسكر الخام وغيرها من السلع، لأن المصارف الغربية لا يمكنها تحويل مدفوعات الصفقات مع إيران. وتعتمد إيران كثيرا على المواد الغذائية الأساسية المستوردة ولديها سنوات من الخبرة في الالتفاف على العقوبات الأمريكية والغربية الأخرى التي أصبحت أكثر صرامة تدريجيا بين عامي 2012 و2015 إلى أن توصلت إيران إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، وتم رفع عقوبات كثيرة عام 2016 بعد إبرام الاتفاق. وفي ظل جولات العقوبات السابقة لجأت إيران إلى عدد قليل من المصارف الأجنبية التي ظلت تعمل بمنزلة همزة وصل للمدفوعات في سبيل استمرار واردات الغذاء وأشكال أخرى من التجارة. لكن كثيرا من هذه القنوات المتمثلة في المصارف الأجنبية أغلقت في ظل هذه الجولة، وأشار ثلاثة مسؤولين إيرانيين إلى أن مسائل مصرفية هي السبب في وقف تجارة الأغذية وغيرها. وقال مسؤول في قطاع الصناعة والتعدين والتجارة في إيران "إن حفنة من المصارف الأوروبية الصغيرة التي ليست لها تعاملات تذكر مع الولايات المتحدة ما زالت تعمل مع إيران ولا تتعامل إلا في صفقات على نطاق ضيق". وأضاف المسؤول "نجري محادثات مع الأوروبيين لتوسيع هذه الشبكة من المصارف والمؤسسات المالية.. لكن شركات كثيرة بينها كارجيل وبنجي أبلغتنا في الوقت الحالي بوجود صعوبات مصرفية ستجبرها على وقف تعاملاتها مع إيران". وفي أيار (مايو)، أعلن بنك التجارة والاستثمار السويسري، وهو أحد المصارف الذي كان يشارك في صفقات لها علاقة بالأمور الإنسانية، أنه علق كل التعاملات الجديدة مع إيران. وأدرجت واشنطن البنك التجاري الأوروبي الإيراني ومقره ألمانيا على قائمة سوداء في الشهر الماضي لتغلق بذلك مؤسسة تقول مصادر مالية "إنها تعاملت مع إيران على نطاق محدود بين عامي 2012 و2016". وعاد عدد من المصارف الغربية التي بدأت العمل مع إيران منذ عام 2016 أدراجها، وفي حزيران (يونيو)، أكد بنك أوبر النمساوي، أحد أوائل المصارف الأوروبية التي تتوصل إلى اتفاق على تعاملات جديدة مع إيران، أنه أوقف تعاملاته معها. وحذت مصارف أخرى حذوه بما في ذلك "بنك دانسكه" الدنماركي، و"بنك دي.زد" الألماني، وقال "بنك كيه.بي.سي" البلجيكي في حزيران (يونيو)، "إنه سيقصر التحويلات الخاصة بإيران على التجارة الإنسانية". ولم يكشف البنك عما إذا كان سيواصل تحويل هذه المدفوعات لكنه "يراجع سياسته بوتيرة منتظمة في ظل الاحترام الكامل لكل القوانين ذات الصلة". وأوضح "بنك إيه.بي.إن أمرو" الهولندي أنه قام بتسهيل تحويلات لها علاقة بالغذاء والرعاية الصحية والمعدات الطبية والزراعة على نطاق محدود ومع زبائن محددين، لكنه ذكر أيضا أن "الإجراءات التقييدية الأخيرة على المصارف الإيرانية تمثل تحديا". ويعتقد مصرفيون أنه من الأسهل على كثير من البنوك الأجنبية إنهاء أي نشاط إيراني بدلا من محاولة الخوض في القواعد الخاصة بالعقوبات الأمريكية والمخاطرة بارتكاب خطأ ومواجهة جزاءات. وأفاد مصدر أوروبي في القطاع المالي شارك في السابق في معاملات إيرانية أن "هناك حذرا كبيرا الآن.. القواعد التي تخص الأغذية والتعاملات الإنسانية الأخرى معقدة.. مثلا إذا تم شحن البضائع إلى موزع إيراني، يبيعها بدوره لكن ليس مباشرة لمشتر نهائي، فإن المصارف ستعتبر على نحو متزايد أن مثل هذه العملية تجارية وليست إنسانية". وقال متحدث باسم وزارة الخزانة الأمريكية "إن واشنطن قدمت تصاريح واستثناءات واسعة من العقوبات سمحت ببيع أمريكيين وغير أمريكيين سلعا زراعية أساسية وأغذية وأدوية ومعدات طبية إلى إيران". وتعمل سويسرا على قناة مدفوعات للأغراض الإنسانية لكنها لم تحدد إطارا زمنيا للأمر، ومع ذلك ما زالت المصارف على حذر. وأشار مصدر أوروبي آخر له أنشطة تجارية في إيران إلى أنه "حتى الصفقات التي تم إبرامها بالفعل في وقت سابق من هذا العام تأثرت وحتى السفن التي تنقل بضائع لا تستطيع تفريغ شحناتها لأنه لا يمكن إجراء المعاملات الخاصة بالمدفوعات أو لأن الأمر يستغرق وقتا طويلا". وأظهرت بيانات من يوم 21 كانون الأول (ديسمبر) على منصة معلومات الشحن "مارين ترافيك" أن 16 سفينة تنتظر لإفراغ حمولتها من السلع الأساسية والبضائع، التي تشمل مواد غذائية، منذ أسبوعين على الأقل عند ميناءين في إيران، وتنتظر أربع من هذه السفن منذ تشرين الأول (أكتوبر). من جهة أخرى، أعدمت إيران أمس تاجرا يعرف باسم "سلطان القطران" أدين بتهم التزوير والتهريب واسع النطاق للمنتجات النفطية وسط أوضاع اقتصادية متردية. وحميد رضا باقري درمني هو ثالث رجل أعمال يتم إعدامه منذ إطلاق الحملة ضد الفساد الصيف الماضي. وأدين درمني بتهم "الإفساد في الأرض"، أخطر تهمة في إيران، لحصوله على عشرة تريليونات ريال "أكثر من مائة مليون دولار بسعر الصرف الحالي" عبر "الاحتيال والتزوير والرشا". وأوقف درمني أولا في آب (أغسطس) 2014 وواجه اتهامات بتزوير وثائق عقارية للحصول على قروض مصرفية. ثم استخدم شركات كواجهة لإنتاج أكثر من 300 ألف طن من القطران أثقل منتجات النفط ويستخدم في عملية رصف الطرق وهو يشكّل أحد أكثر الأعمال التجارية ربحية في إيران. وتزعم السلطات الإيرانية أن لدرمني أيضا صلات برجل الأعمال بابك مرتضى زنجاني الذي ينتظر تنفيذ حكم الإعدام بحقه بعد إدانته باختلاس 2.7 مليار دولار بينما كان يساعد الحكومة على تفادي العقوبات الدولية. وأكّد القضاء الإيراني أنّ درمني حصل على القروض بتسهيل من محمود رضا خاوري مدير المصرف المركزي السابق الذي أدين بالفساد غيابيا العام الفائت بعد هربه إلى كندا في بداية أزمة اختلاس كبرى هزت إيران.
مشاركة :