الأنبار: مناف العبيدي رحلة مليئة بالمخاطر والمتاعب سلكها النازحون من أهالي مدينة الفلوجة، 50 كيلومترا (كلم) شرق مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، التي تشهد قتالا عنيفا بين القوات الحكومية ومسلحي تنظيم داعش باتجاه العاصمة بغداد عبر مدينة كربلاء. رحلة تستغرق أكثر من 20 ساعة مع انتظار ساعات أخرى لموافقات الدخول إلى مدينة كربلاء ثم الاتجاه إلى بغداد، بينما في الظروف العادية لا تستغرق الرحلة سوى 45 دقيقة لقطع مسافة 60 كيلومترا بين الفلوجة والعاصمة. يقول أبو عبد الله، 53 سنة، الذي بدا الشحوب على وجهه إثر التعب من الرحلة الشاقة لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد باستطاعتي البقاء أكثر في مدينة الفلوجة، فرغم أنني أسمع عن معاناة أهلنا النازحين في مناطق النزوح، فإنني قررت الرحيل لعدة أسباب؛( أهمها حالة الرعب التي أصابت أطفالي، وانعدام الخدمات، وغياب أبسط مقومات الحياة». وأضاف: «اتجهت بعائلتي صوب المنطقة الغربية عبر طرق وعرة ومليئة بالمخاطر، من بعدها وصلنا إلى منطقة صحراوية قاحلة تسير فيها السيارة التي تقلنا لمدة ساعات طوال، ثم تتجه بنا إلى المناطق الجنوبية لنصل بعدها إلى حدود مدينة كربلاء، ثم ننتظر إلى أن يسمح لنا بالدخول، ومن ثم تجه إلى العاصمة بغداد». جلال، 37 سنة، من سكان مدينة الرمادي قال: «فقدنا الأمل في إمكانية استعادة الأمن في مدن الأنبار، خصوصا الرمادي. خلال عام واحد تنقلت بين 5 مناطق في الأنبار، لذا قررت أخيرا مغادرة المحافظة بشكل نهائي». وتابع: «لدي ابنتان مريضتان تحتاجان إلى رعاية خاصة صرت أفتقدها في مدينة الرمادي التي تعاني أصلا من انعدام تام للخدمات وشح في المواد الغذائية والطبية». وعن رحلته، يوضح: «من مدينة الرمادي اتجه بنا سائق السيارة الذي اتفقت معه لإيصالنا للعاصمة بمبلغ مليون دينار عراقي (نحو ألف دولار)، أي 20 ضعف الأجرة العادية، وسلكت السيارة طرقا لم أعرفها رغم أني من أبناء الأنبار.. طرقا وعرة ومزارع وأريافا ومناطق خطرة، ثم اتجه صوب الفلوجة غربا، ومنها إلى جنوبها عبر منطقة صحراوية قرب ناحية عامرية الفلوجة، ثم إلى بغداد عبر جسر (بزيبز)، 30 كلم شرق الفلوجة، حيث تنتهي الرحلة لتبدأ معاناة أخرى في إيجاد مكان في أحد مخيمات النازحين، ومرارة العيش وقسوة الحياة والمستقبل المظلم المجهول». في السياق نفسه، قال صباح كرحوت، رئيس مجلس محافظة الأنبار، لـ«الشرق الأوسط» إنهم ناشدوا محافظ كربلاء عقيل الطريحي ورئيس مجلس المحافظة، فتح الطرق أمام مئات العائلات النازحة العالقة حاليا في الصحراء بلا طعام ولا ماء. وتعاني كربلاء، المحاذية للأنبار، قلقا أمنيا بعد أن ضربتها موجة تفجيرات، الأمر الذي دفعها إلى حفر خندق على امتداد 120 كيلومترا من النخيب إلى النجف للحيلولة دون تسلل الإرهابيين. وقدر رئيس مجلس الأنبار هذا القلق، إلا أنه ناشد عقيل الطريحي، محافظ كربلاء، السماح للنازحين بالدخول إلى كربلاء، وقال كرحوت: «إن هناك ضغطا كبيرا من قبل عناصر تنظيم داعش للتمدد إلى مناطق جديدة. وإن الوضع الإنساني للنازحين في الأنبار كارثي بسبب تداعيات المعارك التي تخوضها القوات الأمنية والعشائر ضد مسلحي التنظيم في أكثر من منطقة». النائب في البرلمان العراقي ورئيس لجنة المهجرين فيه، رعد الدهلكي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأهالي في المدن التي تشهد عمليات عسكرية «يعيشون كارثة إنسانية حقيقية؛ حيث يتعرضون للقصف بمختلف الأسلحة، وإذا ما أرادوا الخروج، فإنهم يجدون أمامهم عقبات كثيرة وطرقا مغلقة، لذا يلجأون إلى طرق صحراوية خطرة». ولفت الدهلكي إلى وجود «مئات الأسر مع أطفالهم ونسائهم يفترشون الصحراء قرب مدخل محافظة كربلاء من جهة الأنبار». وطالب الدهلكي «الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية بالنظر إلى الحالة الإنسانية لهذه الأسر بعين العطف وتقديم المساعدات الفورية لها».
مشاركة :