الجنادرية.. وجهة نظر «مختلفة»

  • 12/26/2018
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

ما إن انطلق المهرجان الوطني للتراث والثقافة حتى تسابقت إدارات العلاقات العامة للجهات الأمنية تحديداً بتوجيه دعواتها عبر رسائل المحمول النصية إلى المواطنين والمقيمين، فأنت تفتح عينك صباحاً لتقرأ: يسرّ (المديرية العامة للسجون، أو وكالة أو وزارة الداخلية، أو مكافحة المخدرات، أو الدفاع المدني، أو الأمن العام، أو الجوازات، أو إدارة مكافحة المخدرات، أو النيابة العامة) دعوتكم، وأنت إلى هذه اللحظة تحاول مراجعة وضعك الأمني كـ «رد فعل» مباشر وطبيعي قبل استكمال نص الرسالة، ثم لا تصل الناس رسائل مماثلة من الجهات المعنية بشكل مباشر عن التراث والثقافة، وهذا يعني أن علاقات وزارة الداخلية وقطاعات الأمن العام تعمل منفردة، وأنها لا ترتبط بأي إدارة إعلامية موحدة وموجهة من إدارة المهرجان تقوم بتوجيه هذه الرسائل من خلال خطة إعلامية واضحة ومحددة بأساليب مدروسة لديها الكفاءة العالية لجذب الزوار. ليس هذا فحسب، فقد أردت من هذا المدخل الاستفتاحي لتبيان العشوائية الإعلامية التي خرجت من أيدي منظمي المهرجان، وهذا له دلالته الواضحة التي ألقت بظلالها على التنظيم برمته، وجعله نسخة مكررة لكل الدورات السابقة مع بعض التغييرات والإضافات الشكلية التي تضاعف من الأعباء المالية على الجهة المنظمة، ولنا أن نسأل عن مصروفات المهرجان والعوائد منه سنوياً؟ يدفعني لهذا السؤال «برنامج التحول الوطني»، الذي يسعى لتحقيق دخول وعوائد تدعم مشروعات الوطن المدرجة في قائمة برنامج التحول، الذي أوصلنا إلى معدلات عالية من الشفافية؛ خصوصاً فيما يتعلق بالمال العام، وبناءً عليه فإن من المفترض أن يضخ المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) عائداً لا بأس به لصندوق الاستثمارات، ونحن على يقين تام أن 13 مليوناً، هي إحصاء زوار المهرجان السنة الماضية، قد تحدث الفرق وتضخ دخلاً جيداً لخزينة الدولة، ولنا أن نسأل كيف؟ لن أتحدث عن الأرباح التي تجنيها المطاعم ومحال بيع الملابس والتحف والعطورات وبسطات الأسر المنتجة، التي لا تزال تعاني من عشوائية التنظيم، وبما أننا اليوم لسنا كالأمس فقد أصبحنا معلقين برؤية تحولية حضارية شاملة تسعى إلى إحداث الفرق على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وفق جدول زمني محدد، فإنه لا مناص من السؤال عن جدوى تكرار فعاليات المهرجان من دون عائد نفعي مادي ومعرفي حقيقي! فمن حضره السنة الماضية لن يعود إليه هذه السنة إلا لتزجية وقت الفراغ ومشاركة جموع الناس في صخب الزحام والجلوس على الأرصفة لتناول (البليلة واللقيمات)! ولنا أن نسأل عن الفائدة المرجوة من اقتطاع حيز كبير يُخصص للمؤسسات الحكومية لعرض طوابع أو ملصقات أو مقتنيات قد لا تهم كثيراً من الزائرين، بينما يكفي حصر مقتنيات كل هذه المؤسسات في ممر واحد لينطلق الزائر في رحلة التجول التي ربما لا يكفيها يوم واحد، ولنسأل عن الفائدة المرجوة لإقحام وكالات السيارات لتسويق بضاعتها داخل أروقة مهرجان التراث والثقافة، أليس من الأجدى تخصيص مواقع لها خارج أرض المهرجان، حتى لو كان ثمة عائد مادي منها؟ ولكي نكون منصفين نقول هناك جهود مبذولة يُشكر عليها الحرس الوطني، ولكن: ماذا لو وجهت توجيهاً جيداً يخدم الوطن بشكل احترافي. لذلك، عليهم أولاً إشراك كل الهيئات المعنية بالثقافة والترفيه والتراث لبناء تصوّر جديد للمهرجان، بدءاً من فقرات حفل الافتتاح بما فيها الأوبريت المكرر في شكله ومضمونه، أليس من الأجدى الاشتغال على عروض ملحمية يتداخل فيها الشعر والنثر والإيقاع والنغم والرقص، ونحن لدينا كل الإمكانات الكفيلة بإنجاحه من كتّاب مبدعين ومخرجين محترفين يستطيعون بناء هذه الملحمة على أكمل وجه، ثانياً وكما أسلفت وذكرت أنه لا يمكن لنا تحقيق فائدة مرجوة ما لم نؤسس لمهرجان تتوافر فيه مواصفات الجودة على مستوى عالمي يعكس روح ثقافتنا وتراثنا الأصيل، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا برؤية استثمارية تتنافس عليها الشركات، ماذا لو شيدت الجنادرية داخل صالات مغلقة، وقسّمت جهاتها على مناطق المملكة لتعرض تراثها وفق أعلى التقنيات التي تستخدم فيها الخدع البصرية؟ ماذا لو خصصت للفنون الفلكلورية والغنائية وحتى السينمائية قاعات تستقبل زوارها في ساعات محددة وفق برنامج معدّ، بحيث يكون الدخول لها بتذاكر مدفوعة الثمن؟ ماذا لو خصص سوق للمقتنيات التراثية يضم كل المناطق المشاركة بعضها يفضي إلى بعض وفق تصاميم أسواق المناطق القديمة؟ ماذا لو تجاوزنا الفعاليات الثقافية المنبرية المكررة واستبدلناها بورش عمل مفتوحة يشارك فيها زوار المهرجان من الجنسين ولمختلف الأعمار؟ ماذا لو قدمت عروض مسرحية شعرية وروائية مستلهمة من إبداعات السعوديين وترصد جائزة «محرزة» لأفضل عرض تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً؟ ماذا لو اكتفى الحرس الوطني بهذا القدر من التنظيم مع الشكر الجزيل لكل الجهود التي بذلت عبر 33 سنة ماضية، وسلمت ملف المهرجان للجهات المعنية مباشرة بالتراث والثقافة والفن كي تعيد صياغته وفق رؤية استثمارية احترافية عصرية. كوت: المهرجان من دون عائد نفعي مادي ومعرفي حقيقي فمن حضره السنة الماضية لن يعود إليه هذه السنة إلا لتزجية وقت الفراغ ومشاركة جموع الناس في صخب الزحام والجلوس على الأرصفة لتناول البليلة واللقيمات

مشاركة :