وجه بائس أكثر قبحا

  • 12/30/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لملمت الكرة الإيطالية أوراقها وشتاتها لتودع عاما كئيبا حزينا كان مليئا بالإخفاقات. مرت سنة 2018 لتترك أثرا بالغا ربما لن يندمل بسهولة، إذ كان الجرح غائرا ومؤلما للغاية. لقد مرّ هذا العام دون أن يكون للمنتخب الإيطالي أي وجود في مونديال روسيا الأخير. هذا المنتخب الذي تخبّط لسنوات عديدة، صعق الجميع سواء في إيطاليا أو خارجها بعد أن فشل للمرة الأولى منذ ستين عاما في ضمان التأهل لكأس العالم. لقد لخصت هذه النكسة كل تفاصيل السقوط الكبير الذي عرفته الكرة الإيطالية مقارنة بمثيلاتها في دول الجوار. لقد عرّت هذه الصدمة كل ملامح التدهور المستمر للكرة الإيطالية. فحتى على مستوى مسابقات الأندية، لم يعد لكبار الدوري الإيطالي أي حضور مؤثر في المشهد الأوروبي، ليتواصل غيابها (الأندية) عن منصات التتويج في المحافل الهامة. لكن هذه الوضعية السوداوية التي ميّزت سنة 2018 بالنسبة للكرة الإيطالية، رفضت أن تنتهي دون أن تسجل حدثا أشد وطأة من سوء النتائج حتى تصبح الصورة بذلك أكثر بشاعة وقبحا. فعندما كان الجميع في إيطاليا يستحثّ هذه السنة الكئيبة كي تنتهي بسرعة، أطل “غول” التمييز العنصري برأسه من جديد كي يثبت مرة أخرى أن الكرة الإيطالية سقطت في مستنقع “عفن” يصعب الخروج منه بسرعة. وما حدث منذ أيام في ذات مباراة بين إنتر ميلان وضيفه نابولي ليس سوى إثبات جديد أن الكرة الإيطالية لم تقدر بعد على التخلص من “عقدها”، بل هي ربما مازالت غير مهيّأة كي تنتفض وتنفض غبار إخفاقات السنوات الطويلة. ربما الأقسى والأكثر خطورة من سوء النتائج هو الاستهانة بالذات الإنسانية. الأكثر إيلاما وألما هو معاملة الآخر بشيء من الازدراء والعنصرية، لكنّ بعضا من الجماهير الإيطالية لم يدرك هذا الأمر. البعض منها لم ينتبه إلى أن الرقي في كل الأمور والتطور في شتى المجالات يتوقفان أساسا على الرقي في السلوك والأخلاق قبل كل شيء. بعض جماهير الإنتر لم تشذ عن القاعدة فانخرطت بدورها في هذا المسار الهالك. لم تتورع على القيام بتصرفات حمقاء ومقززة بحق المدافع السنغالي لنادي نابولي كاليدو كوليبالي. استفزته ودفعته للخروج عن هدوئه. كانت ممارسات وقحة كشفت هذا الوجه البائس في أسوأ تجلياته القبيحة. خرج كوليبالي مطرودا من تلك المباراة. خرج بعد أن حاول رد الفعل فأقصاه الحكم وتعرض للعقوبة لمباراتين. لكن من يعاقب المذنب الحقيقي؟ من يقدر على اجتثاث هذا “الغول” من العقول؟ من يقدر على نشر القيم النبيلة في الكرة الإيطالية؟ فذلك هو طريق الخلاص الذي قد يساعد حتما على استعادة الهيبة والكبرياء. حاول القائمون على نشاط الدوري الضرب بعصا قوية، فتم حرمان جماهير الإنتر من مساندة فريقها في مباراتين. كما وقع التهديد بتجميد نشاط الدوري إلى نهاية الموسم، أما الإنتر فقد هدد بدوره بتسليط عقوبات قاسية للغاية ضد كل المذنبين. عدد من نجوم اللعبة في العالم ساندوا كاليدو مثل نجم اليوفي كريستيانو رونالدو وهداف ليفربول محمد صلاح. لكن هل تكفي كل هذه الخطوات لتلميع الصورة وتجميل هذا الوجه البائس القبيح؟ لا نعتقد ذلك حتما، فتاريخ الكرة الإيطالية مليء بالتجاوزات والممارسات العنصرية، وعدة أحداث خلال السنوات تؤكد ذلك. ففي سنة 2005 مثلا تعرض الإيفواري ماركو زورو لهتافات عنصرية من قبل جماهير الإنتر، وكادت المباراة تتوقف بسبب هذه الممارسات. وتكرر المشهد ذاته مع الكاميروني صامويل إيتو عندما تقمص زي الإنتر وتعرض لوابل من الهتافات البغيضة ذات مباراة ضد كالياري.. لاعبون أفارقة كثر تعرضوا لمثل هذه الاستفزازات القبيحة على امتداد السنوات الأخيرة. لكن الأمر مسّ أيضا أحد أبناء البلد. فماريو بالوتيلي، نجم المنتخب الإيطالي في المواسم الماضية، كان ضحية مثل هذه التصرفات الهوجاء في عدة مناسبات، إلى درجة أنه انخرط في بكاء حار ذات مباراة جمعت بين فريقه السابق الميلان بنابولي، قرر على إثرها الرحيل إلى وجهة أخرى بعيدا عن القبح المستشري في الملاعب الإيطالية. الآن بدأ البعض في إيطاليا يعي خطورة الوضع. الآن بدأ هؤلاء يدركون أن مثل هذه التصرفات لم تعد مجرد تصرفات معزولة، بل هي ربما انعكاس لما يعتري الكرة الإيطالية من هوان وتراجع على جميع المستويات. فإذا سقطت الأخلاق وغابت القيم غابت النتائج وتراجعت بدورها، والعكس صحيح. اليوم وليس غدا، على جميع صناع القرار في المشهد الكروي بإيطاليا اتخاذ تدابير أكثر إيلاما وصرامة. يجب التخلص نهائيا من هذا “الغول”، ولمَ لا الاستئناس بالتجربة الإنكليزية؟ ففي الدوري الإنكليزي “قامت الدنيا ولم تقعد” بعد حادثة الاعتداء العنصري على لاعب السيتي رحيم ستيرلينغ من قبل بعض محبي تشيلسي، حيث تم اتخاذ قرارات بمعاقبة هؤلاء المذنبين كي يكونوا عبرة لمن يعتبر. وإن أراد القائمون على الكرة الإيطالية بدء عام جديد يكون عنوان بداية الإصلاح، فعليهم قبل كل شيء نزع هذا الوجه القبيح وإن تطلب الأمر سلخه نهائيا بقرارات ثورية بالأساس.

مشاركة :