تداولات الأسواق خلال العام المغادر راوحت حظوظها بين النجاح والانهيار، بل حتى الاحتراق، ونقدم هنا جملة من التفاصيل أوردها فريق كبير من محرري صحيفة "فاينانشيال تايمز"، من أسواق عالمية رئيسة. زيادات سعر الفائدة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كانت رياحا معاكسة رئيسة لسوق السندات العالمية خلال معظم فترات العام، لكن أحد الأركان ظل صامدا بشكل جيد؛ ألا وهو سندات الحكومة الأمريكية قصيرة الأجل. سندات الخزانة المستحقة لأقل من عام حققت عائدا بنسبة 1.7 في المائة هذا العام، وذلك وفقا لمؤشر بلومبيرج باركليز. وبالنسبة إلى بعض صناديق التحوط، قدمت السندات الإيطالية واحدة من أكثر الصفقات المسيلة للعاب في السنة. حقق (بريفان هاوارد)، صندوق لصاحب المليارات آلان هاوارد وصندوق ديسكفري كابيتال لروبرت سيترون مكاسب كبيرة، عندما سجلت عائدات السندات الإيطالية لأجل سنتين أسوأ يوم تداول لها منذ عقود في أواخر أيار (مايو) الماضي، وسط مخاوف من أن البلاد ستخفف علاقاتها بالاتحاد الأوروبي، وتشطب الديون. وفي أكتوبر الأحمر، يبدو أن التراجع المفاجئ في الخريف في الأسواق العالمية كان ضربة بالنسبة إلى كثير من صناديق التحوط، لكنه لم يكن قياسا على جميع المستويات، حيث إن بعض الصناديق التي راهنت على تراجع الأسعار نالت الجوائز. سوق النفط: الاتجاهات الأحادية فيليب ستافورد من لندن حتى أكثر مستثمري النفط خبرة وتمرسا جاهدوا من أجل تحديد وقت تقلبات السوق في عام 2018. ومع ارتفاع النفط إلى أعلى مستوى له منذ أربع سنوات عند 86 دولارا للبرميل في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، رأى بيير أندوران، صاحب صندوق التحوط المختص في شؤون الطاقة - الذي صنع اسمه عن طريق ركوب موجة التقلبات الدورية للنفط الخام – أن النفط كان يبدو كأنه في طريقه نحو سنة أخرى وفيرة. لم يكن وحيدا في ذلك التصور، حيث أظهرت بيانات البورصات والبيانات التنظيمية أن جملة من المستثمرين يراهنون كثيرا على أن العقوبات الأمريكية على إيران، ستعمل على تشديد السوق إلى درجة أن الطريق الوحيدة أمام الخام لن تكون سوى الارتفاع. الآن ثبت أن الرهان المفترض لسير النفط في اتجاه واحد قد فشل. ومع تزايد قلق إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حيال ارتفاع أسعار النفط، قررت واشنطن عدم تشديد العقوبات على إيران. في الوقت نفسه، بدأت البيانات الرسمية تظهر أن طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة كانت تنمو بسرعة أكبر حتى مما توقع المستثمرون. وكانت النتيجة هبوطا قاسيا بنسبة 30 في المائة في الأسعار خلال شهرين فقط، ما ترك كثيرا من صناديق التحوط - بما في ذلك صندوق أندوران كابيتال مانجمنت – يعاني الخسائر. بحلول كانون الأول (ديسمبر) الجاري، لجأت “أوبك” وروسيا إلى صفقة لخفض إنتاج النفط لوقف مزيد من تراجع الأسعار. ومع عدم ظهور علامات تذكر على التباطؤ من الآلة الضخمة للنفط الصخري الأمريكي، قد يكون عام 2019 في حالة مماثلة للحديث “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين” بالنسبة إلى مستثمري النفط الباحثين عن انتعاش الأسعار. سندات الخزانة قصيرة الأجل: نقطة مضيئة روبن ويجلزويرث من لندن زيادات سعر الفائدة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كانت رياحا معاكسة رئيسية لسوق السندات العالمية خلال معظم فترات العام، لكن أحد الأركان ظل صامدا بشكل جيد: ألا وهو سندات الحكومة الأمريكية قصيرة الأجل. سندات الخزانة المستحقة لأقل من عام حققت عائدا بنسبة 1.7 في المائة هذا العام، وذلك وفقا لمؤشر بلومبيرج باركليز. كذلك فإن صندوق رايز Rise، وهو صندوق متداول في البورصة يستهدف الاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة باستخدام مشتقات الخزانة، قد حقق عائدا بنسبة 4.5 في المائة. قد يبدو هذا الأداء متوسطا، لكنه يأتي خلال فترة فقدت فيها السندات العالمية نحو 1.8 في المائة من قيمتها، وانخفضت سندات الشركات بنسبة 3.5 في المائة، فيما فقدت سندات الأسواق الناشئة أكثر من 6 في المائة - ما يجعل 2018 من أسوأ الأعوام المسجلة للدخل الثابت. قروض الرفع المالي: الفوز يعني الفوز روبن ويجلزويرث من لندن هناك مجال آخر لسوق السندات استفاد من زيادات أسعار الفائدة من البنك المركزي الأمريكي هذا العام، وهو ما يطلق عليه “قروض الرفع المالي”. عادة ما يتم إصدار مثل هذه القروض إلى شركات ذات مخاطر عالية، غالبا لتمويل عمليات الاستحواذ. على خلاف السندات، التي تدفع أسعار فائدة ثابتة، فإن تكلفة قروض الرفع المالي يمليها معيار مرجعي متقلب - بشكل ساحق هو سعر الفائدة بين المصارف في لندن “ليبور”. قد تعد شركة قوية بدفع 3.5 نقطة مئوية فوق سعر الفائدة بين المصارف في لندن لمدة ثلاثة أشهر، في حين قد تضطر الشركات الأكثر دسامة إلى دفع 6 نقاط مئوية فوق سعر الفائدة المرجعي. زيادات أسعار الفائدة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي والميزانية العمومية المتقلصة رفعت سعر الفائدة بين المصارف في لندن إلى ثلاثة أشهر من 1.57 في المائة قبل عام إلى نحو 2.74 في المائة. مؤشرا ستاندارد آند بورز وإل إس تي أيه S & P/LSTA لقروض الرفع المالي انخفضا بأكثر من 2 في المائة منذ أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بسبب المخاوف من كثرة الغثاء في سوق قروض الرفع المالي - التي تضخمت إلى 1.3 تريليون دولار في عام 2018 - وتلاشي التوقعات برفع أسعار الفائدة في عام 2019. ارتفع مقياس قروض الرفع المالي الآن بنسبة 0.7 في المائة في عام 2018. هذا مخيب للآمال، لكنه لا يزال أحد أفضل العروض في فئة الأصول الرئيسية هذا العام. «بيتكوين»: الاصطدام بالواقع فيليب ستافورد من لندن المستثمرون الذين يستخدمون المشتقات في تعاملات عملة “بيتكوين” على المكشوف، حققوا سنة مربحة للغاية. ظهرت منتجات مثل العقود الآجلة والعقود مقابل الفرق في العام الماضي للسماح لمزيد من المستثمرين للاستفادة من سعر “بيتكوين” المرتفع. كان أول ظهور للعقود الآجلة لـ “بيتكوين” من قبل مجموعة سي إم إي CME، أكبر بورصة للعقود الآجلة في العالم، في الأسبوع الذي سبق عيد الميلاد قبل عام، ما كان علامة على ارتفاع سعر “بيتكوين” إلى أكثر من 19 ألف دولار. ومنذ ذلك الحين تراجعت العملة الرقمية بنسبة 80 في المائة خلال فترة الشهور الـ 12 التي مرت بينهما، إلى نحو أربعة آلاف دولار. من غير المرجح استفادة كثير من المستثمرين من ذلك. شركات الوساطة وبيوت المقاصة التي لا تزال تتحسس طريقها في سوق متقلبة، طالبت المستثمرين بمستويات عالية من الهامش لحماية تداولاتهم. كما أن عدد الصفقات في العقود الآجلة لـ “بيتكوين” في بورصتي سي إم إي CME وسوق شيكاغو للمحاصيل CBOE مجتمعا، كان أقل من عشرة آلاف عقد، الأمر الذي لم يشهد تغيرا يذكر منذ بداية العام. وقال ستيفن إنيس، رئيس قسم التداول الآسيوي في منصة أواندا Oanda لتداول العملات، “إن مجتمع “بيتكوين” يحتاج إلى منح الأسواق بعض المجال لالتقاط الأنفاس”. “تحتاج العملات المشفرة بصراحة إلى فترة ممتدة من “الأوقات المملّة”. تكمن المشكلة في أن “بيتكوين” ليست بعيدة أبدا عن دائرة الضوء، مع أن الجميع يتشدقون بقولهم “ألم أُحذرْك من قبل”، سواء كان ارتفاعا بنحو 500 دولار أو أقل”. البرازيل: طفل العودة الشعبوي جوناثان ويتلي من ساو باولو يمكن الاعتماد على البرازيل عادة لإبقاء المستثمرين في حالة توتر واستعداد، وعام 2018 لم يكن استثناء. المستثمرون المحليون الذين راهنوا على مؤشر بوفسبا Bovespa للأسهم في أواخر حزيران (يونيو) الماضي، حققوا ربحا بنحو 25 في المائة. بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب، الذين يجب أن يأخذوا العملة في الحسبان، كانت أفضل نقطة دخول لهم هي في الأسبوع الثاني من أيلول (سبتمبر) الماضي، تماما في الوقت الذي ظهرت فيه انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ومنذ ذلك الحين، ارتفع مؤشر إم إس سي آي برازيل MSCI Brazil “المعتمد على الدولار” بنسبة 22 في المائة، مقارنة بخسارة نسبتها 6 في المائة بنفس المؤشر الواسع MSCI للأسواق الناشئة. كان بيرند بيرج من صندوق وودمان لإدارة الأصول Woodman Asset Management من بين الذين اندفعوا وتوقعوا “اندفاع بولسونارو” قبل الجولة الأولى من جولتين في الانتخابات الرئاسية. وقال عندما كان جائير بولسونارو، كابتن الجيش السابق من اليمين المتشدد، قد فاز بالجولة الثانية في 28 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. “ما زلت أشعر بالسعادة تجاه التوقعات بالنسبة إلى الأسواق البرازيلية” وفقا لبيرج. وأضاف “نحن في البرازيل نعمل ضمن أفق يمتد إلى سنتين. سيأتي الاختبار الأول في حزيران (يونيو) من العام المقبل”، حيث يأمل في رؤية تقدم في الإصلاحات المالية التي طال انتظارها. “هناك كثير من الشكوك بين صناديق التحوط الأجنبية، لكن إذا حققوا إصلاحات، فستكون هناك خطوة كبيرة وسيلاحق الأجانب الأصول البرازيلية مرة أخرى”. إيطاليا: أرض صيد مربحة لورانس فليتشر من ميلانو بالنسبة إلى بعض صناديق التحوط، قدمت السندات الإيطالية واحدة من أكثر الصفقات المسيلة للعاب في السنة. حقق بريفان هاوارد صندوق Brevan Howard لصاحب المليارات آلان هوارد وصندوق ديسكفري كابيتال Discovery Capital لروبرت سيترون مكاسب كبيرة، عندما سجلت عائدات السندات الإيطالية لأجل سنتين أسوأ يوم تداول لها منذ عقود في أواخر أيار (مايو) الماضي، وسط مخاوف من أن البلاد ستخفف علاقاتها بالاتحاد الأوروبي، وتشطب الديون. وحقق كلاهما مزيدا من المكاسب في أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي، عندما صدمت الحكومة الإيطالية الأسواق عن طريق توسيع هدف العجز في الميزانية بشكل كبير. غير أن كثيرا من المستثمرين الآخرين فوتوا الفرصة. أظهرت بيانات من آي أتش إس ماركيت IHS Markit أن الرهانات ضد السندات لم تكن كبيرة في الارتفاع الحاصل في عوائد أيار (مايو) الماضي، مع وجود كثير من الصناديق التي تضع المراهنات بعد ذلك. المخاوف من مزيد من تدخل البنك المركزي الأوروبي ووجود ذكريات مؤلمة عن التداولات غير المثمرة ضد الديون الأوروبية خلال فترة التسهيلات الكمية، ردعت المستثمرين. علاوة على ذلك، فإن أكبر تحرك لم يحدث في عوائد السندات لأجل عشر سنوات، التي كان معظم المديرين يراقبونها، بل حدث في عوائد السندات لأجل عامين. وقال تيم ويلكنسون، رئيس البحوث الاستثمارية في أوروم للأبحاث، “إن صناديق التحوط كانت تتطلع إلى التقلبات في فرق الهوامش بين ألمانيا وإيطاليا”، لكنه أضاف “هذه صفقة من الصعب تداولها”. أكتوبر الأحمر: فوز رهانات متشائمة لورانس فليتشر من لندن التراجع المفاجئ في الخريف في الأسواق العالمية كان ضربة بالنسبة إلى كثير من صناديق التحوط، لكنه لم يكن قياسا على جميع المستويات، حيث إن بعض الصناديق التي راهنت على تراجع الأسعار نالت الجوائز. صندوق كريسبين أودي كسب 7 في المائة هذا الشهر، ما ساعد شركة أودي لإدارة الأصول على أن تصبح واحدة من أفضل صناديق التحوط أداء خلال العام، بعد أن عملت رهانات متشائمة مماثلة على توليد هبوط مؤلم بنسبة 50 في المائة في عام 2016. صندوق التحوط الزميل فاناسارا كابيتال حقق أيضا 10 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. التوقيت سر التحوط السعيد كاتي مارتن من كانبيرا سواء عن طريق الحظ أو عن طريق الحكم، وضعت شركة بيستيت Pictet لإدارة الثروات بعض التحوطات على نحو يدل على الحنكة في عام 2018. وقال كبير الإداريين الاستثماريين سيزار بيريز رويز في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز “إنه اشترى عقودا للحماية من الهبوط في الأسهم في كانون الثاني (يناير) الماضي وتشرين الأول (أكتوبر) الماضي، على حد سواء، قبل انهيار الأسواق”. وأوضح قائلا “اشتريناها لأن التقلب كان منخفضا”. وقال “إنه لم يكن لديه أي حدس حقيقي بأن الأسواق كانت على وشك السقوط. وإلا لكان قد باعها على الفور. على أن التباين بين الأسواق غير المستقرة والتقلبات الرخيصة صنع مزيجا لا يقاوم”. وأضاف أنه “من المرجح أن يتزامن العام المقبل مع اندفاعات مماثلة إلى الأعلى والأسفل”، ووصف عام 2019 بأنه عام سيجمع ما بين الثور والدب والكنغر في الحظيرة، أي المراوحة بين الارتفاع والانخفاض وما بينهما. تركيا: لا موضع لضعاف القلوب كاتي مارتن من إسطنبول قبل فترة طويلة من كانون الثاني (يناير) 2017، كتب بول ماكنمارا، مدير صندوق سندات الأسواق الناشئة التابع لمجموعة جي إيه إم GAM في “فاينانشيال تايمز”، أن تركيا “مرشحة للأزمة”، مشيرا إلى أن حملة قمع المعارضة التي تقف ضد الحكومة، وعدم الارتياح الرسمي من “لوبي أسعار الفائدة” المشبوه، يشكلان مخاطر جسيمة للعملة. كان ذلك، بالنسبة إليه، مركزا مفضلا من حيث تخفيف النسبة الاستثمارية. استغرق الأمر بعض الوقت حتى يتبلور الوضع، لكن انفجار الأصول التركية في عام 2018 كان مذهلا. في الحملة الانتخابية للانتخابات في أيار (مايو) الماضي، وصف الرئيس رجب طيب أردوغان أسعار الفائدة بأنها “أم كل الشرور”، ما أضر بقوة بالليرة التركية. أُجبر فريق من المستشارين الصديقين للسوق على الطيران بسرعة إلى لندن، لتخفيف أثر الخطاب على مديري الصناديق الذين شعروا بالتخوف في لندن. على أن الرئيس أردوغان لم يتراجع، حيث أوقع الليرة في أزمة كاملة. لم تتحسن الأوضاع إلا حين استجمع البنك المركزي الشجاعة لفرض زيادة كبيرة في أسعار الفائدة في أيلول (سبتمبر) الماضي، ما جعل الوضع تحت السيطرة. في تلك المرحلة، كتب ماكنمارا أن تقلبات الأسواق الناشئة غالبا ما تتبعها “حالات انتعاش وحشية”. ثم غيّر موقفه في الوقت الذي بدأت فيه الليرة تحقق انتعاشا مثيرا للإعجاب. نقطة مضيئة في سنة قاسية بالنسبة إلى الأسواق الناشئة.
مشاركة :