2019.. مئوية الروائي الكبير إحسان عبدالقدوس

  • 1/1/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كان إحسان عبدالقدوس، الذى يتوافق يوم ميلاده مع أول أيام العام الجديد، والذى تحتفل مصر هذا العام بمئوية ميلاده، ليس مجرد رجل جمع بين فنون الكتابة فى براعة لفتت إلى تميّزه؛ بل شكّل هو نفسه ظاهرة اجتماعية ملفتة، استحقت على مدار سنوات الاهتمام والدراسة والبحث، بعد الانتشار الواسع لكل ما أبدع؛ فقد كانت دور النشر تتلقف قصصه ورواياته التى نشرت مسلسلة فى الصحف والمجلات كى تعيد نشرها فى كتب، وتهافت صناع السينما ومبدعى المسرح على تحويل أعماله إلى أفلام ومسرحيات ومسلسلات إذاعية ثم تليفزيونية. ومثّل أدب «عبدالقدوس» نقلة نوعية متميزة فى الرواية العربية، إذ نجح فى الخروج من المحلية إلى حيز العالمية، وترجمت معظم رواياته إلى لغات متعددة؛ فبينما كتب أكثر من ٦٠٠ رواية وقصة، تحولت منها ٤٩ رواية لأفلام، و٥ روايات تحولت لنصوص مسرحية، و٩ روايات أصبحت مسلسلات إذاعية، و١٠ روايات تحولت لمسلسلات تليفزيونية؛ إضافة إلى أن ٦٥ من رواياته ترجمت إلى الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والأوكرانية، والصينية.الأديب المتمرد على الكلاسيكيةتعمد عبدالقدوس فى الكثير من أعماله فى القصة التطويل والإسهاب فى التفصيلات، يراها البعض مُخالفة لقواعد هذا الفن الكلاسيكية أدركها هو جيدًا؛ لكنه تجاهلها انسياقًا وراء رغبته فى مخاطبة أكبر عدد ممكن من المتلقين لإبداعاته الأدبية، كان يعلم أن فيهم البسطاء، ومحدودى الثقافة، وهؤلاء -طبقًا لما أوجزه عبدالله فى ورقته البحثية- يحتاجون شرحًا وإيضاحًا، وإطالة وتفصيلًا، ولا يناسبهم الرمز المجرد والإيماء أو التركيز والتكثيف، ولذا كان حريصًا كل الحرص على الوصول إليه.كذلك ففى الكثير من الأوقات واجه عالم عبدالقدوس الروائى الكثير من الرفض، ووجهت إليه اتهامات من قبيل أنه يصور عالمًا ماجنًا، وأن النساء فى عوالمه قد افتقدن الشرف؛ بينما أكد من انخرطوا فى أعماله أن الكثير من هؤلاء النساء فى حالة صيرورة، وهن يبحثن عن مصير أفضل، وأغلبهن يتمكن من الوصول إلى بر الأمان؛ فيما ارتبطت نساء عديدات فى أعمال عبدالقدوس بحركات التحرر الوطنى العربى، مثلما فعلت «نوال» فى رواية «فى بيتنا رجل»، وهى نموذج الفتاة المصرية الفقيرة ابنة الأسرة المحافظة التى تعيش على هامش المجتمع؛ كذلك جاءت «فاطمة» فى «الرصاصة لا تزال فى جيبي»، التى كان اغتصابها من قِبل رجل متوحش، هو الدافع لابن العم أن يلتحق بالتجنيد ليتعلم إطلاق النيران، كى يقتل عباس الذى اعتدى على عرض ابنة عمه. أمّا الساقطات فى عوالم عبدالقدوس فقد جئن ضحايا للظروف، أشهر هؤلاء الساقطات «نعمت البلتاجوني» فى «آه يا ليل يا زمن»، والتى كانت من أسرة كبيرة تملك آلاف الأفدنة لكن تضطرها الظروف للسفر إلى بيروت كى تعمل ساقية فى إحدى الحانات، وحتى بعد عودتها إلى القاهرة مع أحد رجال ثورة يوليو، لا تستطيع أن تكون امرأة عادية، فكل ما كانت تعيش به هنا هو الحقد والغيظ.نظارة السينما السوداء الكاشفة للواقعلعب عبدالقدوس كذلك دورًا بارزًا فى صناعة السينما المصرية، خاصة فى مطلع النصف الثانى من القرن العشرين، فكما أخذت عن قصصه ورواياته عشرات الأفلام، شارك بدوره فى كتابة السيناريو والحوار للكثير منها، ربما كان أبرزها لجيل الألفية «لا تطفئ الشمس» التى عادت لتطل علينا من خلال عمل درامى فى موسم رمضان ٢٠١٧، و»إمبراطورية ميم» الذى لا يزال يجذب آلاف المشاهدين حتى الآن. فى كتابه «إحسان عبدالقدوس بين الأدب والسينما» الصادر عن الدورة الأربعين من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، تناول الكاتب والناقد سامح فتحى، الأعمال الروائية والقصصية للأديب الراحل، والتى تحولت إلى أفلام سينمائية، وبلغ عددها ٤٩ رواية، مع عقد مقارنة نقدية بين العملين الأصلى والسينمائى. تضمن الكتاب رؤية نقدية لأبرز الأفلام المأخوذة عن قصص وروايات عبدالقدوس، مثل «الوسادة الخالية» الذى صدر روائيًا عام ١٩٥٥ ثم تحول إلى عمل للسينما عام ١٩٥٧، من إخراج صلاح أبوسيف، بطولة عبدالحليم حافظ ولبنى عبدالعزيز، والذى يرى فتحى أنه لم يبالغ أو يتكلف، وجاء مطابقًا لواقع حال السواد الأعظم من المحبين فى تلك الحقبة من الخمسينيات. فيما أوضح كذلك أن رواية «لا أنام» شكّلت نقلة نوعية فى أسلوب إحسان وطريقته الروائية، حيث تناول خلالها بإفراط الحياة الشخصية لأبطاله حتى لو اصطدمت مع الناموس الأخلاقى السائد فى المجتمع وقتها، والتى تحولت إلى فيلم فى العام نفسه ١٩٥٧، وأخرجه صلاح أبوسيف أيضًا، والذى يعد قاسمًا مشتركًا فى العديد من روايات إحسان، وكتب السيناريو السيد بدير وصلاح عز الدين، وحوار صالح جودت، بطولة فاتن حمامة ويحيى شاهين ومريم فخر الدين وهند رستم ورشدى أباظة.

مشاركة :