التدابير الضريبية الإضافية: يمكن الاستعانة بتدابير أخرى لحماية المصادر الضريبية وتوسيع نطاقها. ومن هذه التدابير، تنفيذ الإصلاحات الكفيلة بالتصدي للتهرب من ضريبة دخل الشركات، والحد من المنافسة الضريبية الدولية المدمرة للأطراف الداخلة فيها، وإن كانت قد تتطلب كذلك تعاونا دوليا وثيقا لضمان فعاليتها. فقد سجل متوسط معدلات ضريبة دخل الشركات الفعلية تراجعا كبيرا على مدار العقود الأخيرة في مختلف أنحاء العالم، كما أن هذه المعدلات عادة ما تكون أقل من المعدلات القانونية بسبب الإعفاءات والخصومات والتخطيط الضريبي. وتفيد التقديرات الأخيرة أن التكاليف على المدى الطويل المترتبة على تحويل الأرباح إلى البلدان ذات المعدلات الضريبية المنخفضة تراوح بين 1 و1.5 في المائة تقريبا من إجمالي الناتج المحلي في الاقتصادات النامية "دراسة 2016 Crivelli, de Mooij, and Keen". من الممكن تحقيق مكاسب كبيرة في الإيرادات عن طريق إلغاء الحوافز الضريبية، كالمناطق الحرة والإعفاءات والسماح الضريبي المؤقت. والمجال يتسع أيضا في معظم اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية لزيادة إيراداتها من الضرائب العقارية، التي تمثل مصدرا عادلا وكفؤا للإيرادات، وإن كانت إمكاناتها متواضعة نسبيا. وأخيرا، تمثل إيرادات الموارد الطبيعية في بلدان كثيرة مصدرا عادلا وكفؤا للإيرادات، لكنه لا يستغل بالقدر الكافي في أغلب الأحيان. ولابد أن تترافق الإصلاحات على مستوى السياسات والإصلاحات المؤسسية يدا بيد. فعلى سبيل المثال، يمكن خفض المستوى الحدي لضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل عند تعزيز القدرات الإدارية. ويمكن أن تسهم نظم التدقيق الضريبي على أساس المخاطر في تعزيز الامتثال والعدالة الضريبية. وفي سياق ضريبة القيمة المضافة، يمكن تحري إمكانية تحقيق مثل هذه المكاسب في الإيرادات من خلال مفهوم كفاءة التحصيل - الذي يعرف بأنه نسبة الإيرادات الفعلية إلى الإيرادات المحتملة لدى تطبيق ضريبة القيمة المضافة بمعدل موحد على جميع أوجه الاستهلاك في البلد المعني. وتستخدم نسبة كفاءة التحصيل لقياس مدى قرب الحكومة من تحصيل الضريبة على جميع أوجه الاستهلاك في الاقتصاد. وزيادة هذه النسبة تزيد احتمالات تحصيل الإيرادات بدرجة كبيرة. وفي الواقع العملي، نجد أن ارتفاع إيرادات ضريبة القيمة المضافة في العقود الأخيرة كان مدفوعا أساسا بتحسين نسبة كفاءة الاستهلاك وليس بزيادة معدلات الضريبة "دراسة 2013 Keen". رفع كفاءة الإنفاق: هناك تباين كبير في النتائج الاجتماعية بين البلدان المختلفة ذات مستويات الإنفاق المماثلة، ما يشير إلى أن المجال يتسع إلى حد كبير لرفع كفاءة الإنفاق، وهو أمر ضروري لضمان عدم إهدار الإيرادات الإضافية. فمن الضروري تفحص كل بنود الإنفاق للتأكد من تحقيقها الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المنوطة بها. وتشير تقديرات أوجه عدم كفاءة الإنفاق في قطاع الرعاية الصحية إلى أن نسبة تصل إلى 40 في المائة من الإنفاق، ربما يتم إهدارها في كل البلدان على اختلاف فئات دخلها. فكثير من البلدان تنفق مبالغ طائلة على إعانات دعم الطاقة التي تفتقر إلى الكفاءة والعدالة بهدف حماية المستهلك المحلي من تقلبات أسعار النفط الدولية. ومن أهم العقبات أمام إصلاح نظام الدعم هذا، عدم وجود شبكة أمان قوية توفر الحماية الكافية للفقراء من تزايد أسعار الطاقة. وبينما تمثل ضرائب الاستهلاك واسعة النطاق وضرائب الإنتاج الانتقائية مصادر عالية الكفاءة لتحصيل الإيرادات، فمن الضروري التأكد من توافر شبكات أمان قوية للبلدان لكي توفر الحماية الكافية للفقراء ومحدودي الدخل من زيادات الأسعار المصاحبة. وفي غياب مثل هذه الحماية يمكن التخفيف من حدة الضرر الواقع على الفقراء عن طريق رفع حد التسجيل لضريبة القيمة المضافة، الذي يحدد متى يصبح حجم الشركة كبيرا بما يكفي، على أساس مبيعاتها، لتكون ملزمة بفرض ضريبة القيمة المضافة. وهناك طريقة أخرى ممكنة وهي تخفيض معدل ضريبة القيمة المضافة على السلع التي يستهلكها الفقراء أكثر من غيرهم. كذلك يمكن أن تركز زيادات الضرائب الانتقائية في البداية على السلع التي تستهلكها الأسر الأعلى دخلا أكثر من سواها، مثل البنزين والمشروبات الكحولية الفاخرة، وربما التبغ أيضا. ومن شأن إجراء عملية إصلاح تدريجي تراعي التدرج والتسلسل في تطبيق الزيادات الضريبية على المنتجات المختلفة أن تسمح بتخصيص جانب من مكاسب الإيرادات لتقوية شبكات الأمان على المدى القصير، ومن ثم تتيح الحماية الكافية للفقراء ومحدودي الدخل من أثر الإصلاحات الأكثر شمولا على المدى المتوسط. وينبغي صياغة استراتيجيات تعزيز الطاقة الضريبية في إطار عملية أوسع نطاقا تشمل جميع قطاعات الحكومة "الوزارات التنفيذية ووزارة المالية"، ومشاركة المواطنين، والحوكمة الرشيدة. ومن الضروري تضمين خطط الإصلاح الضريبي في خطط التنمية الوطنية التي تحدد احتياجات الإنفاق ذات الأولوية، التي غالبا ما ترتكز على الاستراتيجيات الوطنية لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. ومن الضروري كذلك توخي فعالية التشاور والتواصل الجماهيري بشأن الخطط الشاملة للإنفاق والضرائب بهدف تقوية العقد الاجتماعي مع المجتمع المدني. وقد يؤدي ذلك إلى اعتماد استراتيجية متوسطة الأجل للإيرادات قائمة على توافق الآراء، حسبما ورد توضيحه في منصة التعاون بشأن الضرائب "دراسة 2016 IMF and others" "لا أحد يصوت لصالح أي زيادة ضريبية بمعزل عن الأوضاع المحيطة". وبالقدر نفسه من الأهمية، تبرز الحاجة إلى نظم للإدارة المالية العامة تتسم بالشفافية والفعالية بحيث تضمن كفاءة إنفاق الإيرادات الضريبية وعدم إهدارها أو استخدامها بطرق احتيالية، وتفصح عن ذلك.
مشاركة :