نبيل بهجت يُحيي فن الأراجوز وخيال الظل ويضعه على قوائم اليونسكو

  • 1/2/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

يشكل تاريخ د. نبيل بهجت - الكاتب والمخرج المسرحي ومدير ومؤسس فرقة ومضة وأستاذ ورئيس قسم المسرح جامعة حلوان - مع فن الأراجوز تاريخا طويلا مليئا بالبحث والدراسة والعمل الميداني التطبيقي، حيث بدأت رحلته بإحياء فن الأراجوز وخيال الظل والبحث عما بقي من فنانيه الشعبيين واحتضانهم وتوثيق ما لديهم، وتأسيس فرقة ومضة، وتقديم مئات العروض سواء في مصر أو في مختلف البلدان العربية، لينتهي أخيرا بتقديم ملف الأراجوز إلى اليونسكو، وينجح في إدراجه على قوائم اليونسكو ليصبح فنا عالميا ضمن التراث الإنساني العالمي. رحلة بهجت التي تتجاوز ربع قرن لم تقتصر على جمع وتوثيق وإحياء فن الأراجوز وخيال الظل كونه مخرجا ومؤلفا مسرحيا كتب وألف ما يزيد على 16 عملا مسرحيا في مصر وخارجها حيث قدمت أعماله في مختلف دول العالم، وله أيضا 6 معارض للتصوير الضوئي، و6 معارض للعرائس، ويحتفظ مركز اطلانطا للعرائس 42 عروسة من أعماله في معرض دائم بأميركا، كما أنه حاضر في العديد من الجامعات كجامعة بكنل بالولايات المتحده وشارك في العديد من الندوات والمحاضرات والمهرجانات حول العالم، وصدر له كتاب مسرح بديع خيري، والأعمال الشعرية الكاملة لبديع خيري، وأزجال الشيخ يونس القاضي، ومسرح أبو السعود الإبياري، والمسرحيات المجهولة ليوسف وهبي وغيرها. لولا كتابي "الأراجوز المصري" الذي قدمت فيه نصوص الأراجوز بجمعها من لاعبيه الحقيقيين من حملة التراث، لكان الآن في غياهب النسيان يقول بهجت إن الأراجوز رمز مصري، وهو أحد رموز الشخصية المصرية، وتسجيله على قوائمَ اليونسكو حدث مهم لمصر وللثقافة المصرية، كما أنه العنصر المصري الثالث الذي يسجل على القوائم العالمية. ويضيف "لقد حفظت ذاكرتي أول عرض رأيته لرجل عجوز بجلباب أبيض في شارع سعد زعلول بمدينتي الصغيرة "أبو كبير" وأنا ابن الرابعة، من تلك الساعة أدركت أن هذا هو مسرحنا، فعشت عمري أدافع عن هذا المسرح لأجل هذا الرجل الذي أبهجني عرضه في طفولتي. كبرت ودخلت المسرح، كنت دائمًا ما أشعر بغربة بيني وبين العلبة الإيطالية، وأشعر أنها صنِعَت لظروف البيئة الغربية كي يتجمعَ الناسُ وقت البرد. أما مسرحنا فهو مسرح الساحات المفتوحة الأفق.. الصحاري.. الحقول.. الأسواق، حيث يتجمع الناس. لذا اتجهت جهودي تحديدا منذ قرابة 18 عاما لإحياء الأراجوز وخيال الظل، فأسست فرقة ومضة، وشعارها "أن لدينا ما يستطيع أن يعبر عنا"، بعد أنْ لاحظت أن كل شيء يتغير، فمصر "تخرج من نفسها" كما وصفتها في ذلك الوقت". ويوضح بهجت "بدأت رحلتي رغم انتقاد الجميع لي وقتها "إنت عايز تبقي بتاع أراجوز؟ عيب.. إنت أستاذ جامعة.." كانت تلك هي الكلمة الأشهر على لسان الجميع، وكنت أُجيب بسخرية ابن عطاء الله السكندري "إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك"، "أنا أراجوز لأنه مصري.. أنا أراجوز لأنه منا". لأنه من الناس وأنا منهم ومعهم وبهم وهكذا كان الرهان والتحدي. فكان أولَ ما واجهني عدمُ المعرفة بأي شيء عن هذا الفن. فلم نكن نعلم من يلعبه.. وأين وكيف.. وما هي نصوصه. وبدأت رحلتي في الموالد أبحث عنه، إلا أنه اختفى.. اختفى من معظم الموالد. ثم علمت أن شارع محمد علي يحتفظ ببعض اللاعبين، وقبلها علمت أن مولد فاطمة النبوية به نصبة أراجوز، كذلك مولد السيدة زينب به عربية أراجوز، وفي الباطنية التقيت بمحمد كريمة متجولا في الشوارع، وفي فاطمة النبوية التقيت بصلاح المصري، وفي السيدة زينب التقيت بسمير عبدالعظيم وحسن سلطان، وفي مولد النبي بقرية في الهرم التقيت بسيد الأسمر، وفي شارع محمد علي التقيت بالعظيم أو كما أقول البصير الذي أنار بصائرنا صابر المصري "العم صابر المصري ". ويكشف "كان كل شيء سرًا لا أحد يريد أن يخبرني بشيء أو يعلمني شيئا، وعندها فقط اتخذت قراراً بالمعايشة أن أذهب إليهم في أماكنهم. طوال اليوم أجلس في مقاهيهم أصادقهم. وقد كان. فبعد شهور فتحوا لي قلوبهم وعقولهم وبيوتهم أيضا، فعلموني لغة السيم الخاصة بهم. كانت الأمانة سرًا أعظم لا أحد يخبرك كيف تُصنع أو كيف ينطق الأراجوز. بدأتُ الخطوات وبدأت في التعلم كيف تصنع الأمانة، وكيف تَنْطِق، وكيف يُصنع وسيط العرض "البرفان - العربة الباردة – الخيمة" وما هي الدمي، والأسماء المختلفة لها. هكذا بدأت ثم قررت أن أقوم بعمل جيلٍ جديد فكانت أول ورشة لطلابي من قسم المسرح وبعض الفنانين، تعلموا فيها قواعد الفن علي يد الفنانين الشعبيين حملة هذا الفن، ثم جاءت فكرة تأسيس فرقة لتقديم عروض الأراجوز وخيال الظل (فرقة ومضة) التي كان مفتاحا لصناعة الأمل، ومضة أي بريق في الظلام.. ومضة هي الأمل.. وهذا هو المعني الذي قصدته وكان أول عرض لنا". ويضيف بهجت جاءت بعد ذلك مهمة أخرى وهي صناعة أول أرشيف للأراجوز، إذ لم تسجل عروضُه أو تحفظ في كتاب، وأخذت على عاتقي هذه المهمة، حيث سجلت عروضه وكتبت كتاب الأراجوز المصري، الذي حرصت على نشره في المجلس الأعلى للثقافة المصرية باللغتين العربية والإنجليزية، ومعه 19 فيلمًا وثائقيًا لتسجل نمر الأراجوز حية. ثم جاءت خطوة أهم وهي كيف نحافظ على حملة هذا الفن الشعبي ككنوز بشرية؟ استطعتُ وقتها إقناع الوزير فاروق حسني بتخصيص أجر شهري لعدد من اللاعبين، كذلك تخصيص بيت السحيمي لعروض الأراجوز وخيال الظل، وذلك بأن نقدم عرضا أسبوعيا لم يتوقف من حينها وحتي الآن، ويعتمد علي الأراجوز وخيال الظل وغيرها من المفردات الشعبية، وانطلقنا منذ قرابة 15 عاما كل يوم جمعة ببيت السحيمي حتي الآن وبدأت سلسلة العروض، وكنت أرفض منطق الإنتاج السائد أن تتحمل ميزانية الدولة التكلفة الإنتاجية للعروض، كذلك أرفض منطق التمويلات، لذا حرصتُ أن أُنتجَ كلَّ العروض من جيبي الخاص، ومن ثم تسويقها لدى وزارة الثقافة والجهات المختلفة عالميا ومحليا، ولقد كان موافقة الوزير فاروق حسني على تخصيص رواتب شهرية لحملة هذا الفن هو انتزاع باعتراف محلي لفنون الأراجوز". ويشير "انطلقنا عربيا لنأخذ اعترافًا عربيَا بأن تلك الفنون مسرحًا كاملا، خاصة وأني كمخرج ومؤلف لتلك العروض حرصت على أن أصنعَ مسرحًا تكونُ لغتُهُ خيال الظل والأراجوز والراوي، مسرحًا أدواته مصرية وعربية. وبدأت سلسلة من العروض والورش في دول عربية، قدمنا مئات الورش والعروض داخليًا وخارجيًا حتي جاء عرض مسرح بلومسبرج ببنسلفانيا، لنقدم سلسلة من العروض تكون من تأليفي وإخراج مشترك مع المخرجة لوري مكانتس، وبالفعل ذهبنا لتنفيذ 30 ليلة عرض، وإذ بالمشروع ينجح ونقدم 121 ليلة عرض لأربعين ألف مشاهد لانتزع اعتراف عالمي لفنون الأراجوز وخيال الظل. وبعد تلك الرحلة قدمنا عروضنا في أكثر من 30 دولة بلغات مختلفة شاهدها مئات الآلاف من المشاهدين، ولا أبالغ إن قلت ملايين خاصة مع إضافة العروض التليفزيونية". ويؤكد بهجت هكذا انطلقت الفكرة من قواعد ثابتة ثقة بثقافتنا في أن لدينا ما يستطيع أن يعبر عنا، وأن مصر تمتلك منتجا بحجم الثقافة تستطيع أن تسوقه وتعتمد عليه، وثقة أننا لسنا بحاجة لتمويلات كي نصنع فنا، وأننا نستطيع أن نخلق سوقا فنية راقية. أنتجت 36 عرضا جميعها من تأليفي وإخراجي تعتمد تلك اللغة المسرحية الأراجوز/ خيال الظل/ الراوي بشكل أساسي وعناصر شعبية أخرى قدمت مئات الورش حول العالم نفذت 12 معرضا للدمي الشعبية عرضت بباريس – تركيا – نيويورك – الكويت - مدريد كثير منها في متاحف الدمى حول العالم، قدمنا عروضا بلغات مختلفة وقمنا بإنتاج مشترك مع فرق من دول مختلفة المكسيك - أميركا - إيطاليا - الصين - الكويت وغيرها. أقمنا خمس دورات لملتقى العروسة الشعبية الذي أسسته ودورة واحدة لمهرجان الأراجوز وخيال الظل. كتاب الأراجوز جمع وتوثيق وإحياء رحلة تعلمنا فيها من الجمهور الكثير، حملنا مسرحنا إلي أكثر من 30 دولة من خلال المهرجانات والمؤتمرات. وجاء تكريم الهيئة العربية للمسرح بحضور رئيسها اسماعيل عبدالله والفنان غنام غنام للعم صابر تتويجا لاعتراف عربي بهذه الفنون، ثم تكريم الشيخ سلطان القاسمي للعم صابر في 2016 كأحد أهم الكنوز البشرية تتويجاً آخر، وانطلقتُ في رحلتي لوضعه على قائمة اليونسكو على قائمة التراث العالمي وخاصة قائمة الصون العاجل لصنع مدرسة لتعليم الأجيال هذا الفن رحلة شاقة وطويلة بدأت منذ 2011. ويلفت بهجت إلى أنه عندما بدأ تجربته في إحياء الأراجوز وخيال الظل منذ قرابة 18 عاما كان جميع المشتغلين بالمسرح بأنواعه المختلفة دمي / كبار/ طفل يتنكرون للأراجوز، لأنه ليس من الفنون الرفيعة، ويأكدون دوما أنهم ممثلون إذا اضطرتهم الظروف للاقتراب منه على استحياء، حيث كانت الكلمة في حد ذاتها سبة وشبهة، ولم تكن هناك صورة للأراجوز متداولة غير تلك الصورة التي أطلقها متحف الدمي بولاية اطلنطا وهي لا تمت للأراجوز بصلة. كان الكل يتنكر للأراجوز وينسب نفسه للمسرح بوصفه من الفنون الرفيعة ومسرح الطفل خاصة، عندها حرصت أن أطلق مئات الصور على الشبكة العنكبوتيه كي أصحح صورة الأراجوز لدرجة أن معظم الصور المتداولة الآن من تصويري وهو ما يشعرني بالفخر. كذلك حرصت أن أتيح أرشيفا من الفيديو به عروض الأراجوز من اللاعبين الشعبيين وفِي أماكنهم الطبيعية، وعدد هائل من اللقاءات التي كنّا نذهب إليها بالمجان والاستفادة الوحيدة لنا أن نعرّف الناس بخيال الظل والأراجوز، فأصبح للأراجوز سجلا هائلا على الشبكة العنكبوتية بعدما كان يتعذر أن تجد مقطعا له من الفيديو أو صورة. واليوم أراقب بفخر هذا الكم الهائل من محاولات تأكيد البعض على أراجوزيته أقولها بفخر لقد نجحت في إحياء فن الأراجوز، لقد نجحت ومضة تلك الفرقة التي تبنت الأراجوز وضمت بينها أعظم فناني العرائس عّم صابر المصري وأنتجت فيها ولها 36 عرضا تأليفا وإخراجا، كنّت أوظف فيها نمر الأراجوز التراثية كما هي لتبقي للناس دون تدخل مني، وكان الرهان أن نستعيد كرامة فنوننا من الذين تنكروا لها، وها هم الآن يتنافسون عليه بعدما جحدوه زمنا طويلا، ولولا كتابي "الأراجوز المصري" الذي قدمت فيه نصوص الأراجوز بجمعها من لاعبيه الحقيقيين من حملة التراث، لكان الآن في غياهب النسيان.

مشاركة :