عززت التعديلات الدستورية التي أجريت في العام 2012 من صلاحيات المجلس النيابي، ووسعت اختصاصاته الرقابية، ولعل أبرز هذه التعديلات جاءت حول عرض برنامج عمل الحكومة على المجلس النيابي. فبموجب التعديل؛ أصبح من حق مجلس النواب مناقشة برنامج عمل الحكومة وابداء رأيه فيه بالقبول أو الرفض، كما يملك حق اقتراح ادخال تعديلات على البرنامج إذا ما تراءى له ذلك بعد التشاور مع الحكومة قبل التصويت عليه. ولا بد من الإشارة إلى أن برنامج عمل الحكومة هو عبارة عن التوجهات الاستراتيجية للحكومة للسنوات الأربع المقبلة والمشاريع الخدمية والتنموية التي تعتزم تنفيذها، مع الأخذ في الاعتبار المستجدات الاقتصادية التي طرأت في الوقت الراهن وتبنتها الحكومة في هذا الشأن، منها على سبيل المثال برنامج إعادة التوازن المالي حتى عام 2022. ومن جانب آخر، يعتبر عرض برنامج عمل الحكومة على المجلس النيابي تجسيدًا لأحد مظاهر النظام البرلماني، القائم على التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة، والرقابة المتبادلة من جهة أخرى. فمن جهة، تتولى السلطة التنفيذية اعداد برنامج عملها وعرضه على أعضاء مجلس النواب، بينما الأخير يتولى مهمة المناقشة والإقرار وفقًا للصلاحيات الممنوحة له في الدستور. ومن جهة ثانية، يشكل برنامج عمل الحكومة حجر الزاوية التي تنهض من خلالهه صلاحيات المجلس النيابي في تحريك أدواته الرقابية بمختلف أنواعها على أعمال السلطة التنفيذية. أما عن المسار الإجرائي بشأن عرض برنامج عمل الحكومة على مجلس النواب والآثار القانونية المترتبة عليه، فقد بينت الفقرة الثانية من المادة (46) من الدستور هذه المسألة وذلك على النحو الآتي. يقدم رئيس مجلس الوزراء خلال الثلاثين يومًا من أدائه اليمين القانونية أمام جلالة الملك، برنامج وزارته إلى مجلس النواب، الذي بدوره يصدر قراره في هذا الشأن صراحة إما بالموافقة عليه أو رفضه خلال ثلاثين يومًا. فإذا قبل مجلس النواب برنامج عمل الحكومة، عُد ذلك بمثابة منح الثقة للحكومة التي اختارها جلالة الملك حفظه الله. أما في حال رفضه للبرنامج، تقوم الحكومة بإعادة تقديمه إلى المجلس بعد إجراء ما تراه من تعديلات، في مدة لا تتجاوز الواحد والعشرين يومًا من تاريخ الرفض. فإذا أصر مجلس النواب على رفض البرنامج للمرة الثانية خلال فترة واحد وعشرين يومًا - من تاريخ تقديمه في المرة الثانية- بأغلبية ثلثي أعضائه، قبل الملك استقالة الوزارة وشكل وزارة جديدة. وإذا لم يقر مجلس النواب برنامج الوزارة الجديدة بذات الإجراءات والمدد السابقة، كان للملك خيار حل مجلس النواب بأمر ملكي أو قبول استقالة الوزارة وتشكيل وزارة جديدة. علما بأن مضي المدد المذكورة أعلاه دون أن يتخذ مجلس النواب قرارًا صريحًا بالموافقة عليه أو رفضه، عُد ذلك قبولاً ضمنيًا للبرنامج. وباستقراء الأحكام الواردة في المادة (46) من الدستور يلاحظ أن المشرع الدستوري البحريني - ونحن نشاطره الرأي – قد انتهج نهجًا سليمًا حين فرَّق بين المدد والأغلبية المطلوبة لرفض برنامج عمل الحكومة في المرة الثانية عن المرة الأولى، حيث قلل المدة إلى (21) يوما في المرة الثانية بعد ما كانت المدة المحددة في المرة الأولى (30) يومًا. كما تشدد في الأغلبية المطلوبة لرفض برنامج عمل الحكومة أيضًا، ففي حين تطلب رفض أغلبية أعضاء المجلس في المرة الأولى، نجد أنه طلب أغلبية ثلثي الأعضاء لرفضه في المرة الثانية. ولعل الحكمة من وراء هذه التفرقة تكمن في المواءمة بين استخدام هذا الحق كأداة رقابية أصيلة للمجلس، عن المبالغة والافراط في استعمالها. ومن زاوية أخرى، لا بد من بيان أن نص المادة (42) الفقرة (ج) من الدستور التي تطلبت أخذ رأي كل من رئيسي مجلسي الشورى والنواب ورئيس المحكمة الدستورية قبل حل مجلس النواب لا يمكن اعماله في الحالة المشار إليها أعلاه، إذ أن تطبيق نص المادة (42) ينسحب إلى الحالات التي يحصل فيها خلاف بين حكومة حازت على ثقة المجلس النيابي ثم اختلفت معه لاحقًا. باحث في الشأن القانوني والحقوقي
مشاركة :